icon
التغطية الحية

"فورن بوليسي": عندما تصبح المساعدات الإنسانية إلى سوريا ورقة مساومة

2021.07.03 | 16:29 دمشق

e5r4jjmx0aa-cr_.jpg
متطوعون إنسانيون يشكلون سلسلة بشرية شمالي غربي سوريا للمطالبة بتمديد إدخال المساعدات الإنسانية - الدفاع المدني
ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

نشرت صحيفة "فورن بوليسي" الأميركية مقالاً كتبه كل من الباحث في معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تشارلز ثيبوت، ورئيسة برنامج سوريا في "المجلس الأطلسي"، جمانة قدور، تحدثا فيه عن قضية المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وكيف أصبحت ورقة مساومة سياسية تستخدمها روسيا في علاقاتها مع الغرب، والخيارات الأميركية للتعامل مع هذه القضية على الرغم من عدم وجود الأزمة السورية ضمن أولويات إدارة الرئيس جو بايدن.

 

يستأنف مجلس الأمن الدولي، كل عام، المفاوضات لتجديد قراره الذي ينص على السماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا عبر تركيا والعراق، وتعتمد وكالات الأمم المتحدة على هذا التفويض للعمل في سوريا من دون أن تكون مقيدة من قبل نظام الأسد، الذي نادراً ما يسمح للمساعدات بالوصول إلى مناطق المعارض شمال شرق وشمال غربي سوريا.

وتعتبر هذه المفاوضات نقطة مضيئة تتكرر في دراما الحرب السورية كل عام، حيث يدعم أعضاء المجلس التفويض بشكل عام، إلا أن روسيا استخدمت حق النقض "الفيتو" لتقليل عدد المعابر الحدودية التي يمكن لوكالات الأمم المتحدة استخدامها، حيث استطاعت تخفيضها من أربعة معابر قبل ست سنوات إلى معبر واحد فقط اليوم، هو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

 

سوريا ليست أولوية لواشنطن لكن المساعدات قضية استراتيجية

وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي بايدن أشارت إلى أن سوريا لن تكون أولوية بالنسبة لواشنطن، فعلى سبيل المثال لم تعين حتى الآن مبعوثاً خاصاً للبلاد، كما فعلت الإدارتان السابقتان، إلا أن الإدارة أمضت وقتاً طويلاً، ورأس مال سياسي بشأن الصراع في سوريا.

وفي الآونة الأخيرة، حرص بايدن، خلال اجتماعاته في حزيران الماضي مع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، على إثارة قضية المساعدات الإنسانية إلى سوريا منذ فترة طويلة، حيث تنتهي التحركات العسكرية في البلاد بعد 10 سنوات، إلا أن الاحتياجات الإنسانية في ازدياد.

ومع ذلك، لا يوجد شيء مضمون حتى الآن بشأن وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال سوريا، حيث لا تزال محافظة إدلب، المعقل الأخير للمدنيين والمعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، تواجه هجمات متكررة ومتصاعدة من نظام الأسد المدعوم من روسيا.

وحولت إدارة بايدن مفاوضات مجلس الأمن هذا العام حول المعبر الحدودي، الذي تنتهي صلاحيته في 10 تموز الجاري، إلى اختبار استراتيجي لرغبة روسيا في التوصل إلى حل وسط، وهذا بدوره يجعل المفاوضات الحالية لحظة حقيقية بالنسبة لمقاربة الإدارة الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط.

وعلى وجه التحديد، ستكون المفاوضات بمنزلة اختبار لما إذا كان التواصل رفيع المستوى للإدارة كافياً لإبقاء واحد أو أكثر من المعابر نشطاً، وما هي أنواع التنازلات التي يرغب بايدن في منحها لروسيا ونظام الأسد من أجل الحفاظ على وصول المساعدات، وما إذا كان بإمكانها خلق الزخم الذي تحتاجه لتحقيق أهداف أكبر في سوريا.

 

قضية المساعدات معقدة وبسيطة للغاية في الوقت نفسه

يعد نظام إيصال المساعدات الذي استخدمته الأمم المتحدة منذ بداية الصراع السوري في العام 2011 من أعقد الأنظمة وأكثرها تطوراً في التاريخ، حيث تشرف الأمم المتحدة على ما بين مليارين و4 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية لسوريا كل عام، والتي تمر عبر مئات الوكالات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلاً من مانحين غربيين في الغالب.

ويعتبر هذا العمل أكثر أهمية من أي وقت مضى حيث ازداد عدد السوريين المحتاجين بنسبة 20 % منذ العام 2020، ليصبح المجموع الآن نحو 13 مليون شخص.

من جهة أخرى، كل شيء بسيط نسبياً، فالطريقة الوحيدة لتقديم مساعدات كافية للأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في شمال غرب وشمال شرقي سوريا هي عبر المعابر الحدودية.

والسؤال الدبلوماسي الرئيسي الآن هو ما إذا كانت روسيا، الداعمة للأسد، ستسمح لوكالات الأمم المتحدة باستخدام واحد أو أكثر من تلك المعابر، لأنها تتمتع بحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن، حيث استخدمت روسيا بالفعل "الفيتو"، كعضو دائم في المجلس، 16 مرة لصالح الأسد، وسبق أن أوضح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة أن بلاده ستفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر.

من دون قرار من الأمم المتحدة، سيخسر مقدمو المساعدات التمويل، وسيضطر الكثيرون إلى الإغلاق، لأن الأمم المتحدة تنظم قنوات التمويل الضروري للمنظمات غير الحكومية السورية الأصغر، وتساعدهم أيضاً على التنقل في بيروقراطية المنظمات المانحة.

كما تلعب الأمم المتحدة دوراً مهماً في النقل، من خلال تسهيل شاحنات المساعدات، وتتمتع بوصول فريد إلى البضائع بكميات كبيرة، وقد أنشأت آليات لمنع تحويل المساعدات من قبل الجماعات المسلحة.

 

اختبار للانخراط في تسويات أخرى

على الأقل يجب أن يظل معبر باب الهوى مفتوحاً، لكن ذلك ليس مضموناً، حيث يتم تسليح الطبيعة الإنسانية للأزمة، وتعرف روسيا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يهتمان بهذه القضية الإنسانية، لذلك تستخدم موسكو المساعدات عبر الحدود كفرصة للضغط السياسي.

في السابق، حاولت روسيا من دون جدوى دفع الولايات المتحدة وحلفائها لتخفيف العقوبات، لكن الأمر انتهى ببناء تحالف في مجلس الأمن من الولايات المتحدة والأوروبيين تفوّق على روسيا ست مرات، إلا أن موسكو نجحت في إغلاق ثلاثة من المعابر الحدودية الأربعة، مما كان له تأثير مدمر على وصول المساعدات.

وتختلف المفاوضات هذا العام لعدة أسباب، فمنطقة التسوية أصغر، حيث لم يتبق سوى معبر واحد، وترى واشنطن المفاوضات على أنها اختبار لاستعداد روسيا للانخراط في تنازلات أخرى ذات مغزى، وإدارة بادين لجهة سياسة سورية غير محدودة إلى حد ما.

وكانت عملية المفاوضات بدأت بشكل جدي في 29 آذار، عندما حضر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، جلسة إحاطة لمجلس الأمن بشأن سوريا، ومنذ ذلك الحين، ألقت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، العديد من الخطب حول أهمية المساعدات عبر الحدود في سوريا، حتى إنها سافرت بنفسها إلى معبر باب الهوى لتعلن عما يقرب من 240 مليون دولار من التمويل الإنساني الأميركي الجديد، وللضغط من أجل تجديد وتوسيع الآلية العابرة للحدود لتشمل معبرين من المعابر التي أغلقت في السابق.

 

خيارات واشنطن قليلة تجاه موسكو

ومن خلال اجتماعات رفيعة المستوى وبيانات عامة قوية، تستثمر الإدارة الأميركية رأس مال سياسي كبير لجذب انتباه الكرملين، وأحد افتراضات المسؤولين الأميركيين هو أنه بينما ستحاول روسيا الضغط على هذه المفاوضات لتحقيق مكاسب سياسية، فإنها لا تريد في الواقع إغلاق الحدود.

وتعتقد إدارة بايدن أن المفاوضين الروس يعرفون أنه إذا تم إغلاق الحدود، فإن عدم الاستقرار الناتج قد يؤدي إلى وقف إطلاق النار الهش في إدلب، ومثل هذا السيناريو سيكون سيئاً لكل من موسكو ودمشق، لا يريد أي منهما التعامل مع المنشقين بين سكان المحافظة البالغ عددهم 3.5 ملايين نسمة.

ولدى واشنطن خيارات قليلة لإجبار موسكو على ذلك، وقد يتخذ موقفاً عدوانياً ويهدد باستخدام نفوذه في حالة استخدام روسيا لحق النقض من خلال، على سبيل المثال، زيادة العقوبات على نظام الأسد أو الضغط على "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تعمل مع الولايات المتحدة ضد "تنظيم الدولة"، لتقليص تعاونهم مع القوات الروسية في شمال شرقي سوريا.

ويمكن لواشنطن أيضاً اتباع استراتيجية دفاعية من شأنها أن تكافئ روسيا على التعاون من خلال زيادة مساعدات "كورونا" للمناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، والسماح بتقديم المساعدة للمنظمات الإنسانية الأصغر التي تعمل في تلك المناطق، وتسريع الموافقات على الترخيص للمواد الإنسانية التي تحتاج إليها مناطق سيطرة النظام.

ما يجب على الولايات المتحدة ألا تستخدمه للتفاوض هو تكتيكات التطبيع وإعادة الإعمار، وعليها أن ترفض بشدة محاولات التطبيع مع النظام التي انطلقت في الخليج.

فالهدف الأساسي لروسيا هو استعادة سمعة الأسد الدولية، والادعاء بأن الصراع السوري قد انتهى، وأن تطبيع النظام من شأنه أن يقر فقط استراتيجية الأسد باختطاف المساعدات الإنسانية الدولية، وبالإضافة إلى ذلك، تريد روسيا رفع العقوبات المفروضة على الأسد للسماح بتمويل إعادة الإعمار من أوروبا والخليج والولايات المتحدة، لكن معظم هذه الأموال ستستخدم لتعويض موسكو وطهران عن دعمهما والاستثمار في مشاريع فاخرة لمنتسبي النظام، ولن تؤدي إلى إعادة إعمار حقيقية للبلد الذي مزقته الحرب.

 

من هم شركاء واشنطن في قضية المساعدات؟

لا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل ذلك بمفردها، تحتاج إلى الاعتماد على شركاء موثوق بهم، كما يعلم الرئيس بايدن بالفعل، قد تكون تركيا أحد هؤلاء الحلفاء، حيث لعبت أنقرة دوراً أساسياً في الدعوة إلى معبر باب الهوى في الأمم المتحدة.

وفي الوقت نفسه، تريد روسيا الحفاظ على شراكتها مع تركيا، وتريد تركيا إصلاح علاقتها المشحونة مع الولايات المتحدة الأميركية، كما لا ترغب موسكو في خلق موجة أخرى من اللاجئين إلى تركيا، في وقت تحاول فيه أنقرة وواشنطن إصلاح العلاقات بينهما لاحتواء النفوذ الروسي، ما يجعل هذه الديناميكية حاسمة للتعاون الإنساني المشترك.

وإذا دعمت تركيا جهود الولايات المتحدة لفتح المعبر، فمن المرجح أن تطلب موسكو أمرين من أنقرة: الأول أن تنفذ التزاماتها في النسخة الأخيرة من وقف إطلاق النار في إدلب، بما في ذلك الدوريات المشتركة التي أعاقتها الهجمات التي تعرضت لها، والثاني أن تسحب قواتها جنوب الطريق الرئيسي إلى المدينة، الأمر الذي يعتبر بمنزلة تنازل كبير في المنطقة، في حين أن هذه النقاط لن تكون رسمياً جزءاً من قرار الأمم المتحدة الذي يتم التفاوض فيه، فهي بمنزلة "الفيل في القاعة" في نيويورك، وموضوع دبلوماسية موازية مكثفة مع أنقرة.

كما ستكون أوروبا أيضاً حليفاً رئيسياً لواشنطن، فإلى جانب أميركا الشمالية، تقدم الدول الأوروبية حوالي 90% من التمويل الذي يدخل النظام الإنساني في سوريا، وصاغت ألمانيا وبلجيكا قراراً العام الماضي في مجلس الأمن، وقد لعبت دول أخرى متشابهة التفكير، مثل فرنسا وبريطانيا، في السابق دوراً مهماً في تشكيل التسويات في مجلس الأمن مع دعم الجهات الفاعلة الإنسانية على الأرض.

ويمكن اعتبار هذا التحالف الصغير شريكاً طبيعياً لواشنطن، لكنه يحتاج إلى صد محاولات متكررة من دول أوروبية أخرى، بما في ذلك اليونان وقبرص وجمهورية التشيك، لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد وبالتالي إضعاف الوحدة الأوروبية.

كما يجب على واشنطن أن تربط النقاط وأن تعمل مع جميع الشركاء ليكون في وسعها تجديد التفويض عبر الحدود، والذي لم يكن يتعلق بالاحتياجات الإنسانية فقط، حيث يعتبر شمال سوريا مهماً من الناحية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ولا يمكن للولايات المتحدة التعامل معه على أنه قضية إنسانية بحتة.

إذا اعترفت واشنطن بذلك، يمكنها تحويل المفاوضات الحالية إلى إجراء لبناء الثقة مع موسكو، مما يفتح الباب لمزيد من المفاوضات السياسية في سوريا ولتجديد المصداقية الدبلوماسية للولايات المتحدة في المنطقة.

لكن إذا لم تضغط واشنطن بشكل كافٍ على موسكو، فإنها تخاطر بترك ملايين الأشخاص في شمال سوريا في خطر أكبر.

 

للاطلاع على المادة الأصلية هنا.