فوتوشوب! صور قيصر

2020.07.01 | 00:00 دمشق

1593251753.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت دقّة الصورة أعلى هذه المرة، كانت دقات قلوبنا أشد ثقلاً، التفاصيل مفجعة، يصعب على أي قلب احتمالها،  تلك الصور التي يعاد نشرها بين حين وآخر عن شهداء ثورة الكرامة الذين قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد، ترافقها صور أخرى لآباء لم يحتملوا هول الفاجعة، فماتوا بصمت تحت ستار الليل، وهم يفكرون كيف رحل فلذات أكبادهم، وعن كمّ العذاب الذي ذاقوه قبل أن يغادروا إلى عالمٍ آخر، لا تعذيب فيه ولا ألم ولا تجويع ولا إذلال، عالم ترتقي فيه أرواح بذلت كل ما تملك، كي يحيا الناس في الوطن بكرامة وحرية، فكان أن لحقوا بهم على غير ميعاد، لتتجدد المشاهد باكتمال الحكاية، بنهاية أكثر قهراً، ونحار حقاً لمن نتألم أكثر؟! وكيف نستجمع ما بقي لنا من حياة لنعتذر لمن بقي من الأحياء هناك!

تعد صور قيصر المسربة من سجون الأسد الوثيقة الأهم في إدانة النظام، وتوجيه الاتهامات الفعلية له على جرائمه في حق شعبه، تلك الوثيقة التي قادت مؤخراً لسن عقوبات اقتصادية واضحة ومهمة على شخصيات من أعلى الهرم في كرسي الحكم السوري، وعلى الرغم من كون هذه العقوبات لا تطفئ شيئاً من غضب الشعب السوري المقهور، ولا تخفف جزءاً من آلامه ومعاناته، إلا إنها صفعة لازمة هزّت عنجهية النظام، إضافة لكونها تصريح معلن عن إجرامه ووحشيته، فهي إثبات إدانة واضح وموثّق بالأدلة القاطعة، والتي ستبقى تلاحق الأسد ونظامه في المحاكم الدولية كونهم مجرمي حرب، وكونها وثيقة للتاريخ ستبقى تجدد القهر واللعنات على مجرمي الحرب إلى الأبد.

صور شهداء الثورة السورية التي نُشرت، وجباههم التي كتبت عليها أرقام ورموز، استطاعت ترجمة الواقع في أبشع صوره، والوحشية التي عُومل بها البشر، في دولة كان يُنظر إليها يوماً بشيء من الاحترام فحاكمها طبيب عيون، لم يخيل لأحد أنه سيسمل العيون في سجونه، ويقطع الأجساد ثم يصدّرها للمجهول، كسياسة يجري العمل عليها بذات الآلية منذ عقود، ثم يظهر مخاطباً وسائل الإعلام الأجنبية ليخبرهم بأنها " فوتوشوب"!

هل كان الأسد الابن يعلم أن والده وصل للسلطة بطريقة الـ " فوتوشوب" والتي أطلق عليها اسم الحركة التصحيحية، وحاول " التعديل" على سورية ككل، لتتماهى رغماً عنها مع سياساته، وتخضع لجبروته، وتختنق تحت قبضته الأمنية الصارمة؟ وهل عرف بشّار بأن هناك عملية " قص" و " لصق" جرت للدستور بعد وفاة والده، لتوكل له مهمة رئاسة البلاد، بعد أن أصبح دستورها على مقاسه في غضون ربع ساعة، في عملية تمويه على الشعب لم يسبق لها مثيلاً في تاريخ الشعوب، وليقود المسيرة بذات الطغيان والوحشية؟

وكما يبدو أن الـ " فوتوشوب" قانون رئاسي مسنون في كل وزارات الدولة وكل منشآتها الحكومية، على أساسها تُولى المناصب الإدارية، وتُسرق أموال الشعب، وتُحوّل بلمح البصر إلى أسماء العائلة الحاكمة ومسؤولي الدولة البارزين بلمح البصر، وكأن شيئاً لم يكن! السّحر ذاته يحصل مع اختفاء الناس فجأة في سوريا ضمن ظروف غامضة، ودخولهم السجون دون أملٍ في الخروج، وتحولهم إلى أرقام، وتغييبهم في المجهول، ولا داعي للحديث عن دمار المدن والتغيير الديموغرافي وسياسة التهجير القسري، حتى المظاهرات يدعي بأنها خدعة، الأمر الذي يؤكد دائماً أنه نظام يقتات على الأكاذيب والخداع والمراوغة دون أدنى شك!

تلك المظاهر المؤلمة التي تمزق أفئدة كل سوري حر، وتنقلنا المُنهك بين صور الشهداء الأبطال، وقضية المعتقلين البقية الذين مازالوا حتى اللحظة يخضعون لذات الألم، والذين تتجدد معاناتهم مع كل يوم جديد، كل هذه المشاهد حتى وإن لم تحرك الضمير العالمي، فإنها تحرك نقمة شعبية في كل بيت مفجوع للاستمرار والديمومة، فالغضب الكامن  لن يهدأ إلا بتحرير كل شبر سوري من أذى الأسد ونظامه، وهي إن صدّرت الحزن والألم والخوف والكآبة من ناحية، فقد صدرت تأكيداً واضحاً ومهماً، أن لا قبول باستمرار ذلك كله، والثورة التي تفجرت لأجل الحرية والكرامة، ستظل الصورة فيها حقيقية لا لبس فيها، وستظل المبادئ واضحة لا رجعة فيها،  وتبقى قضيتها الأولى والأهم التي تنادي وتعمل لأجلها قضية المعتقلين.