فوائد الوساطة التركية بين روسيا وأوكرانيا في أنطاليا

2022.03.11 | 05:03 دمشق

20220310_2_52541359_74504547.jpg
+A
حجم الخط
-A

استطاعت تركيا الحصول على موافقة كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبيا على الجلوس في اجتماع ثلاثي بحضور وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في أنطاليا على هامش منتدى أنطاليا للدبلوماسية الذي يعقد من 9 إلى 11 من مارس الجاري. ويعتبر هذا اللقاء هو لقاء يجمع أعلى مستوى سياسي من الطرفين حتى الآن منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وتنظر تركيا إلى هذا الأمر بمنزلة سابقة يمكن أن تحقق شيئا ما في إطار العمل على وقف إطلاق النار تمهيدا لإيجاد بعض الحلول لتجنب مسار امتداد الحرب.

ومن المعلوم أن تركيا بادرت للوساطة قبل اندلاع الحرب ومنذ أن حشدت روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية، وقام أردوغان بدعوة كل من بوتين وزيلنيسكي كما قام بنفسه بزيارة أوكرانيا لكن يبدو أن صانع القرار الروسي كان قد عقد العزم على تنفيذ الخطة الهجومية على أوكرانيا. وحتى إن المبادرة الفرنسية بقيادة ماكرون قد فشلت حينذاك أيضا في التوصل إلى حل ولم يبق من ذكراها سوى حجم الطاولة المستطيلة التي جمعت الرئيسين بوتين وماكرون والتي نظر لها البعض على أنها بمنزلة كناية عن مسافة الخلاف الطويلة علما أنه تم تبرير ذلك بعدم خضوع ماكرون لترتيبات البروتوكول الروسية المتعلقة بفحص الوباء.

وعلى كل الأحوال تهتم تركيا حاليا بنجاح عقد اللقاء قبل نجاح ما ينجم عنه بين وزيري الخارجية الروسي والأوكراني حيث سادت خلال الفترة الماضية حالة من الإحباط بنجاح المفاوضات التي جرت في بيلاروسيا. وينبع حرص تركيا على عقد أي وساطة بين الطرفين الروسي والأوكراني على تثبيت نفسها كوسيط لا يكون مضطرا لموائمة أي طلبات وضغوط للتموضع مع طرف ضد الطرف الآخر وهو الأمر الذي يبدو واضحا في الخطاب التركي سواء من الرئيس رجب طيب أردوغان أو وزير الخارجية التركي وبقية المسؤولين الأتراك الذين يتناولون الأزمة الأوكرانية وقد بدا هذا الأمر واضحا في موضوع تنفيذ تركيا لاتفاقية مونترو لعام 1936 من دون إشعار روسيا أن الأمر موجه ضدها. وفي الوقت نفسه حرصت أنقرة على أن تثبت موقفها المبدأي المتعلق بوحدة الأراضي الأوكرانية.

ويفيد عقد اللقاء في أنطاليا في تثبيت صورة تركيا كوسيط كما أنه قد يجنبها عقوبات روسية ويجعلها مستثناة من العقوبات الروسية المتبادلة مع الغرب وقد شاهدنا سماح الروس بمرور 30 سفينة تركية محملة بالقمح والزيوت بعد اتصال بين أردوغان وبوتين مما جنب تركيا أزمة في المجال الغذائي حيث ظهرت حالات شراء مكثفة للزيوت الغذائية بعد أخبار عن احتمالية حدوث نقص في الإمدادت وارتفاع في الأسعار.

ويفيد عقد اللقاء في أنطاليا في تثبيت صورة تركيا كوسيط كما أنه قد يجنبها عقوبات روسية ويجعلها مستثناة من العقوبات الروسية المتبادلة مع الغرب

من جهة أخرى توجد تركيا على تماس مع روسيا في عدة ساحات منها سوريا وليبيا والبلقان والبحر الأسود ولهذا يعطي وضع الوساطة حالة من التأمين لتركيا ومنعا لاستهداف أي من مصالحها أو تخريب حالة الاستقرار النسبي التي ثبتتها معادلات العلاقة بينها وبين روسيا في السنوات الماضية.

وعلى مستوى علاقاتها مع الغرب يمكن لتركيا أن تثبت أنها يمكن أن تلعب دورا يمنع الحرب ويجنب أوروبا تداعيات الحرب واللاجئين والفوضى والعقوبات وارتفاع أسعار الوقود والغذاء وغيرها مما سيظهرها على أنها قوة استقرار مفيدة. وقد لمز أردوغان  الاتحاد الأوروبي بالقول عندما تساءل عما إذا كان الاتحاد الأوروبي ينتظر حتى يتم شن حرب على تركيا حتى يفكر في عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي كما يحصل مع أوكرانيا.

وعلى مستوى نظرة تركيا وتحديدا القيادة التركية لوضع تركيا في النظام الدولي فإن بروز موقف تركي مستقل من خلال الوساطة يساهم في إظهار تركية كقوة استقلالية ( خاصة أن الوساطة الفرنسية فشلت بمعنى أن تركيا ليست ناقلا للموقف الغربي بل وسيط مستقل).

ترى تركيا في نفسها وسيطا واقعيا وأكثر وسيط يمكنه أن يحقق نتيجة بحكم موقفه المتزن وعلاقاته ومصالحه مع الطرفين كما أن كلفة الوساطة بالنسبة لتركيا هي أيضا كلفة منخفضة حتى مع أجواء الإحباط وعدم توقع نجاح المباحثات، وهنا نذكر ما قاله وزير الخارجية الأوكراني كوليبا "لافروف وعلى مدى سنتين كان يتجنب عقد لقاء ثنائي معي، الآن وافق فجأة، ربما لديه ما يقوله، سأستمع له لكنني سأتحدث معه على أساس أنه أحد مهندسي العدوان على أوكرانيا".

وبالمقارنة يمكن لأي تقدم ملموس إن توفر قرار روسي بمنح تركيا فرصة من خلال موقف متساهل نوعا ما أن يشكل إنجازا كبيرا لأنقرة.

وعلى الأغلب سيحرص الرئيس التركي على دمج الجهود الألمانية والفرنسية إلى جهوده لتحقيق إنجاز ما في التوصل لتسوية ما من خلال لقاء أنطاليا.