فلسطينيو 48 ذخيرة المقاومة الشعبية الاستراتيجية

2021.05.15 | 05:47 دمشق

185000038_3082219735383368_4348674018867982252_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

اعتمد الاحتلال في إدارته لملفات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لعام 1948 على سياسة استهداف الهوية بشكل مباشر واستهداف بيوتهم منذ قامت دولة الاحتلال على أراضي فلسطين التاريخية، لكن شهدت السنوات الأخيرة مجموعة من القوانين العنصرية التصعيدية ضدهم، فانتهجت سياسات هدم واسعة للبيوت، كذلك عملت على تصعيد الاستفزاز السياسي والقانوني ضدهم.

اعتبرت دولة الاحتلال فلسطينيي 48 خطرا أمنيا عليها كما اعتبرتهم أيضا خطرا ديمغرافيا، لذلك تبنت حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة بقيادة نتنياهو مجموعة من القيود والمحددات التي تضبط وجود الفلسطينيين في المجال العام سواء قيادة أو جمهور، وأصدرت بحقهم مجموعة من القوانين التي تشرعن وتقونن العنصرية ضد حقوقهم ووجودهم.

تعرض فلسطينيو 48 قيادة وجمهورا لسياسات تحريض عنصرية عليهم، واعترضتهم عقبات كثيرة أثنتهم عن بذل جهودهم بشكل كبير لمقاومة عنصرية دولة الاحتلال، فبسبب سياسات التوظيف الجائرة ضدهم والتمييز ضدهم في أسواق العمل تفاقمت معدلات الفقر بينهم، وارتفعت نسبة العنف والجريمة التي تغذيها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالسلاح حتى تشغل فلسطينيي الـ 48 بصدامات داخلية، هذه السياسات أدت لازدياد شدة الاحتراب الداخلي والتنافر بين مكونات دولة الاحتلال العنصرية.

 تمثلت السياسات العنصرية لدولة الاحتلال تجاه قيادات فلسطينيي 48 بالتحريض المباشر ضدهم، والتضييق عليهم وعلى حريتهم في التعبير أو الانخراط في العمل السياسي في سبيل تحصيل حقوقهم، كذلك اعتقلت قادتها بشكل متكرر بخاصة الحركة الإسلامية فاعتقلت مرارا شيخ الأقصى رائد صلاح، والشيخ كمال الخطيب، وشارك نتنياهو بشكل مباشر في عمليات التحريض على القيادات الفلسطينية خاصة نواب الكنيست منهم، فصرح في أكثر من مناسبة أنهم غير لائقين لعضوية الكنيست الإسرائيلي. وأصدرت لجنة الآداب في الكنيست أكثر من مرة قرارات استبعاد لهم كما فعلت مع النائبة حنين الزعبي.

شارك الإعلام الإسرائيلي في عملية التحريض ضد القيادة الفلسطينية أيضا فحرض على القائمة المشتركة في برامجه، وعلى إثر حملات التحريض والكراهية التي تعرضت لها تلك القيادات نفذت الشرطة الإسرائيلية أكثر من مرة حملة اعتقالات ومداهمات طالت العشرات من قيادات حزب التجمع الوطني الديمقراطي ومن بينهم رئيس الحزب عوض عبد الفتاح في حينها وهددتهم بتطبيق قانون الإقصاء عليهم مرارا.

لم يتوقف التحريض عند مستوى القيادات الفلسطينية وإنما طال الجماهير الفلسطينية أيضا، وقاد نتنياهو أكثر من مرة وبنفسه حملات التحريض ضدهم، ومن جملة الاتهامات التي وجهت إليهم إرهاب الحرائق في ذروة الحرائق التي اجتاحت البلاد عام 2016، واستمرت حملة تشويه الفلسطينيين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وتضمنت دعوات صريحة بالتخلص من العرب وقتلهم.

ظلت سياسة هدم البيوت تتصدر مجموع تلك السياسات فبعد موجات التحريض شهد جمهور فلسطينيي 48 حملة هدم بيوت كبيرة بغطاء تحريضي إعلامي وشعبي إسرائيلي

ظلت سياسة هدم البيوت تتصدر مجموع تلك السياسات فبعد موجات التحريض شهد جمهور فلسطينيي 48 حملة هدم بيوت كبيرة بغطاء تحريضي إعلامي وشعبي إسرائيلي، ولفقت لمن هدمت بيوتهم تهما مختلفة، ولم تتوقف التحريضات عند الإشكال السابقة وامتدت لوسائل التواصل الاجتماعي حيث تم رصد آلاف المنشورات للإسرائيليين تدعو للعنف الجسدي المباشر اتجاه الفلسطينيين. وأكملت الشرطة الإسرائيلية دائرة العنصرية واستعمالها العنف الجسدي واللفظي ضد فلسطينيي 48.

قامت دولة الاحتلال بخطوات تشريع مجموعة من القوانين العنصرية، فكان من أهمها، قانون أساس إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي فقط، ورغم أنه يشكل إحراجا لدولة الاحتلال أمام العالم بسبب طابعه العنصري الفاضح، إلا أنها لم تتوان في خطوات تشريعه، كذلك شرعت قانون الإقصاء من أجل تحديد ما هو المسموح والممنوع للفلسطينيين في العمل السياسي، وربط العمل السياسي بالولاء المطلق للدولة اليهودي، كذلك اقترحت قانون أساس الكنيست من أجل رفض ترشيح مرشح يتماثل مع الإرهاب، وبذلك يقصي الفلسطينيين من الترشح للكنيست فهم يحملون تهم مسبقة بذلك.

 أقرت دولة الاحتلال قانون مكافحة الإرهاب بتاريخ 15 من حزيران/يونيو عام 2017، ويعد هذا القانون من أخطر القوانين للمرونة الواسعة التي يتيحها في تأويل من هو الإرهابي أو المنظمة الإرهابية. كما اقترحت ميري ريجيف تعديل قانون الولاء في الثقافة كي يتم فرض قيود على تمويل المؤسسات الثقافية الفلسطينية، كذلك تم إصدار تعديل على قانون الجمعيات يهدف أيضا لتقييد نشاط المؤسسات الثقافية والفنية الفلسطينية.

تقدم أعضاء من الكنيست الإسرائيلي بمقترحات قوانين لفرض عقوبات من أجل تجريم رفض التجنيد الإجباري، كذلك تقدموا بمشروع قرار قانون الأذان في معرض حربهم على الرموز الدينية وكل ما يتعلق بثقافة فلسطينيي الداخل المحتل، كما كرست قانون المواطنة والدخول لإسرائيل في سياق حربها الديمغرافية على الوجود الفلسطيني.

ساهم انخراط فلسطينيو 48 في الانتفاضة الحالية في عملية إلغاء التقسيم الجغرافي التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم كما تحدوا بذلك عملية التقسيم الجغرافي للنضال الفلسطيني، حيث لم تعد الضفة أو غزة وحدهما في حالة اشتباك مع الاحتلال

تبعا لمجموعات السياسات العنصرية تلك والتحريض والكراهية التي يعيشها فلسطينيو الداخل مع محاولات شرسة من أجل أسرلتهم ومحاربة لغتهم العربية وثقافتهم العربية والإسلامية، وضمن سياسات هدم المنازل والقوانين العنصرية التي تقيد وجودهم على أرضهم، زرع الاحتلال بذلك نواة التمرد والانتفاضة التي نشهدها من قبل فلسطينيي 48 في كل المدن المحتلة، حيث اندفع الشباب الفلسطيني من أجل مساندة هبة القدس كذلك خرجوا بتظاهرات ومسيرات داعمة لغزة التي تتعرض لهجوم إسرائيلي لم يهدأ منذ مساء العاشر من أيار/ مايو.

الجيل الجديد الذي أركن الاحتلال لعمليات تهويده وأسرلته وعدم انخراطه بالهم الوطني الفلسطيني العام، خرج لنقاط المواجهة مع شرطة وجنود الاحتلال في مشهد أدهش وفاجأ محافل التقدير الاستراتيجي الإسرائيلية متمثلة بمراكز الأبحاث وأجهزة الاستخبارات العسكرية الداخلية، كما مثلت الهبّة الجماهيرية للشباب الفلسطيني فرضا لمعادلة وحضور جديدين لهم على الأرض، فقد أثبتوا قدرتهم على بسط سيطرتهم على مدنهم المحتلة وذلك تجلى في مدينة اللد التي ناشد رئيس بلديتها الجيش للتدخل لوقف الهجمات على المستوطنين في حين فشلت الشرطة الإسرائيلية من احتواء حالة الغضب في صفوف فلسطينيي 48، ورأينا كيف أحكموا سيطرتهم على مفاصل المدينة وأنشؤوا بأنفسهم نقاط تفتيش عن المستوطنين.

ساهم انخراط فلسطينيي 48 في الانتفاضة الحالية في عملية إلغاء التقسيم الجغرافي التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم كما تحدوا بذلك عملية التقسيم الجغرافي للنضال الفلسطيني، حيث لم تعد الضفة أو غزة وحدهما في حالة اشتباك مع الاحتلال، ويعد هذا الأمر من أهم التحولات التي طرأت على الوجود الفلسطيني وعلى قضيته، فانخراط أهل 48 في عمليات المقاومة الشعبية مؤشر على فشل الاحتلال في احتوائهم أو تغيير هويتهم عبر عقود.