فقه التوحش المسكوت عنه

2020.09.20 | 00:05 دمشق

2020-09-18t082718z_308893375_rc2w0j98fhug_rtrmadp_3_health-coronavirus-israel-lockdown.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد خمس سنوات مرت بطيئةً جداً، من النظر في قضية إحراق عائلة "الدوابشة" الفلسطينية وطفلهم الرضيع "علي"، بتاريخ الحادي والعشرين من شهر تموز عام "2015"، قضت محكمة اللد الإسرائيلية أخيراً في "أيار 2020" بإدانة المستوطن "عميرام بن أوليئيل" في قضية الهجوم على منزل أسرة الدوابشة الفلسطينية في الضفة الغربية.

الأمر الذي أتاح للبعض، تسليط الضوء على الخلفية الأيديولوجية والحاضنة الحاخامية، التي تترعرع فيها هذه التنظيمات الإرهابية، والتي ما تفتأ تحقن أفرادها بأفكار وفتاوى تزرع الكراهية، وتبرر العدوان والقتل بمسوغاتٍ دينية.

في كتابه "فقه التوحش المسكوت عنه"، يميط كاتبه "د. صالح النعامي"، اللثام عن فقه متعصبٍ، ينفث السم في صدور أتباعه قبل الأعداء، فقهٌ يعيش خارج التاريخ، وبعيداً عن أسوار الحضارة، فقه لا يعرف عن قيم الإنسانية شيئاً، ولم يسمع بحقوق الإنسان بعد.

والأسوأ أنَّ هذا الفقه المتمثل بمنظمات ومجموعات دينية، تعيث فساداً في فلسطين، وتزرع الرعب والكراهية، إنما تحظى بحماية قانونية من الكيان الصهيوني، وبدعم من مؤسسات أميركية.

يعدُّ مصنف "شريعة الملك وأحكامه" الذي وضعه الحاخامان "يوسف إليتسور" و"إسحق شابيرا" عام "2009" والذي ترجم إلى العربية بعد صدوره بعامين، من أخطر المصنفات الفقهية اليهودية، التي تحثُّ على الإرهاب، فقد كان هذا المصنف وراء ظهور أخطر التنظيمات الإرهابية اليهودية في إسرائيل، وفيه نجد سعياً حثيثاً لتأصيل فقه "قتل غير اليهودي" وجعله فضيلةً ينبغي التمسك بها، كما يوصي هذا الفقه بقتل الجرحى، واستباحة أطفال الأعداء حتى على الشبهة، وبضرورة قتل من يُخشى أن يكون عدواً حين يكبر.

من بعض نصوصه الحرفية، والتي تعتبرها كثير من المنظمات الإسرائيلية دستوراً ومرشدا لحربها مع الفلسطينيين

  • يجب قتل أطفال غير اليهود في حال اعتقدنا أنهم سيضرون بنا عندما يكبرون، فيجب تعمد قتلهم.
  • يجب قتل أطفال قادة العدو الرضَّع، لأن قتلهم يؤذي الأشرار ويجبرهم على التوقف عن قتلنا.
  • مع إدراكنا أنَّ الأطفال والرضَّع لدى العدو لم يقترفوا خطيئةً، لكن يجب النظر في قتلهم بسبب ما قد يرتكبونه عندما يكبرون.

وبالرغم مما يظهره كتاب "شريعة الملك" من شططٍ وخللٍ أخلاقيٍ وقيميٍ وديني، فإن الشريحة الأوسع من الحاخامات، يؤيدون ما ورد فيه ويساندونه، بل ويعتمدونه مدونة سلوكٍ ينبغي لقوات الجيش والأمن الإسرائيلي، الاهتداء به، حتّى إنَّ عدداً من أعضاء مجلس الحاخامية الكبرى، اعتبره إبداعاً فقهياً.

 

إن ما يجعل هذه الفتاوى شديدة الخطورة، أنَّ شطراً واسعاً ممن يمسكون بمقاليد الأمور في الكيان الصهيوني، ينتمون إلى أتباع هؤلاء الحاخامات، فعلى سبيل المثال رئيس الموساد "يوسي كوهين"، ومفتش الشرطة "روني الشيخ" ورئيس جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) هم ممن تتلمذوا في مدارس ومؤسساتٍ دينية، يشرف عليها هؤلاء الحاخامات المتطرفون.

كما أنَّ أكثر من 60% من ضباط جهاز "الشاباك" وقرابة 40% من الضباط في الوحدات القتالية، هم من أتباع تلك المدارس، وهذا يشير بوضوح إلى مدى التأثير الفادح لتلك البؤر التي تمتح الكراهية والقتل والإرهاب بشكلٍ مقدس من هذه الفتاوى، بحيث تعجز عن مقاومته التيارات العلمانية الإسرائيلية هذا إن رغبت حقاً في مواجهته، وهذا أيضاً موضع ارتياب.

يتبارى العالم في فضح جرائم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتعرية فقههم المتوحش، وهذا حق بلا أدنى شك، لكن لمَ يتم التعامي والتغافل عمداً، عن فضح ومحاربة من هو أخطر من داعش وأشد إجراماً؟ فليس للإرهاب دينٌ يختمه بختمه، بل هو نهج وجدنا أشباهه عند أتباعٍ لمعظم الأديان، وما يحدث في فلسطين، يحدث برعاية دولةٍ لها دعم دوليّ، ومساندة على أعلى المستويات.

يستعرض الكتاب وبشكلٍ غير مسبوق، مروحةً واسعةً من الفتاوى، التي تشكل المرجعية الفقهية للتيارات الأقوى، والأشد ضراوةً وتأثيراً في المجتمع الإسرائيلي.

للإشارة إلى مدى تغلغل هذا الفقه المتوحش في بنية المجتمع الإسرائيلي، يورد المؤلف استطلاعاً للرأي، حول الموقف من منح فلسطينيي الداخل، حقوقاً مساويةً لحقوق اليهود، بحسب درجة التدين لتأتي النتائج كما يلي

 

مستوى التدين

رفض المساواة

متدينون حرديم

72%

متدينون قوميون

65%

تقليديون

51%

علمانيون

33.5%

 

وفي أوساط الطلاب المتدينين، يرفض 81% منهم أن يكون لهم صديق عربي، بينما تنخفض النسبة في سائر الطلاب إلى 32%، فما هو مستقبل السلام مع هذه المجتمع الذي يرضع العنصرية والكراهية وتشريع القتل مع حليبه اليومي.

لقد صحَّ القول الذي يجد أن هذا الكتاب، ينسف الأسس التي يستند إليها بعضهم، في دعوته إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.

 

الكتاب من إصدارات دار جسور

تاريخ الإصدار 2020

يقع الكتاب في 144 صفحة