فصول مهزلة انتخابات الأسد

2021.05.03 | 06:25 دمشق

2021-04-18t104827z_1477988922_rc2aym95jdx8_rtrmadp_3_syria-security-election.jpg
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن نظام الأسد ماض في استكمال فصول مهزلة انتخاباته الرئاسية، بالرغم مما تثيره من رفض واستنكار غالبية السوريين واستهجان المهتمين بالشأن السوري، ومن عدم شرعيتها في ظل الأوضاع الكارثية التي يعيشها السوريون، سواء في الداخل أم في بلاد اللجوء والشتات، وما ارتكبه النظام من مجازر وجرائم بحقهم، وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا من أماكن سكنهم، ما بين نازح ولاجئ، وقتل مئات الآلاف منهم، إلى جانب مئات آلاف المعوقين والمشوهين والمعتقلين، والدمار والخراب الذي ضرب معظم المدن والبلدات والقرى السورية، والذي يذكر بالمآسي الإغريقية القديمة.

ولعل إصرار النظام على إجراء مهزلة انتخاباته، لا يخرج عن نهج الإنكار الذي اتبعه منذ أن انقلب حافظ الأسد على رفاقه وأودعهم في السجن حتى ماتوا فيه، وبات المعلم الأبرز لطبيعة نظام الأسد بنسختيه الأب والابن. ووفق هذا النهج يريد نظام الأسد أن يوهم العالم بأن الأوضاع لم تتغير في سوريا منذ انطلاق الثورة السورية قبل أكثر من عشر سنوات، وأن كل شيء فيها يسير على ما يرام، لذلك يريد من إجراء انتخاباته الرئاسية ليس فقط تجديد شرعيته المفقودة، التي لا تعترف بها سواء قوى الاحتلال الروسي والإيراني وسواها، بل تأكيد عدم اعترافه بالقرارات الأممية، وخاصة القرار 2254، وضرب أي مسعى باتجاه حل سياسي للقضية السورية، وذلك كي يستكمل تدمير ما تبقى من سوريا، وكي يحل الخراب الشامل فيها، بغية إنهاء أيّ أمل لملايين السوريين في العودة إلى بلادهم، والتطلع إلى بناء سوريا جديدة.

ولعل إصرار النظام على إجراء مهزلة انتخاباته، لا يخرج عن نهج الإنكار الذي اتبعه منذ أن انقلب حافظ الأسد على رفاقه وأودعهم في السجن حتى ماتوا فيه

 ويعي نظام الأسد أن مهزلته الانتخابية لن تجرى إلا على جزء محدود من الأراضي السورية، لأنه لا يسيطر، إلى جانب الروس والإيرانيين، إلا على حوالي 60% من الأرض السورية، ومع ذلك يريد استكمال فصولها الهزلية من أجل توفير حجة سياسية لحلفائه الروس وأضرابهم للاستمرار في الدفاع عنه أمام المحافل الدولية، بالرغم من أنها لا تحظى باعتراف معظم القوى الإقليمية والدولية، بل استنكارها ورفضها، حيث وصفتها المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بأنها "لن تكون حرة ولا نزيهة، بل مزيفة ولا تمثل الشعب السوري"، وأنه "يجب إجراء الانتخابات وفقاً لدستور جديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة، ويجب على النظام السوري اتخاذ خطوات لتمكين مشاركة اللاجئين والنازحين في أي انتخابات سورية"، بينما أكد مندوب فرنسا في الأمم المتحدة، نيكولا دي ريفيير، عدم اعتراف بلاده بأي مشروعية للانتخابات، كونها تستثني السوريين المقيمين بالخارج وتغيب عنها الرقابة الدولية، فيما استهجنت مندوبة المملكة المتحدة، سونيا فاري، إجراء "الانتخابات في ظل غياب بيئة آمنة ومحايدة، وجو من الخوف الدائم، وفي وقت يعتمد ملايين السوريين على المساعدات الإنسانية لا تضفي شرعية سياسية، وإنما تظهر ازدراءً بالشعب السوري".

ولا شك في أن نظام الأسد يدرك حجم الاعتراض والرفض الشعبي والدولي لانتخاباته، لكنه مع ذلك يصرّ على إجرائها وفق تسلسل فصولها الهزلية، التي بدأها بالإيعاز إلى مجلس الفاسدين والمصفقين للنظام، أو ما يسمى زيفاً "مجلس الشعب"، للإعلان عن موعدها في 26 مايو/ أيار المقبل، وعن فتح باب الترشيح لمن أتمّوا 40 عاماً وفق اشتراطات عديدة وضعها دستور 2012، وتتمثل في أن يكون المترشح متمتعاً بالجنسية السورية بالولادة، ومن أبوين يحملونها بالولادة أيضاً، وأن يكون المرشح متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره، وغير متزوج من غير سورية، ومقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشح، فضلاً عن الاشتراط بأن يحصل المرشح على تأييد خطي لترشيحه من قبل 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس المصفقين، ما يفضي إلى حرمان ملايين السوريين في بلدان اللجوء والشتات من حقهم في الترشح، وفق بنود قانون انتخابات رئاسية، فُصل حسب مواصفات رئيس النظام، لكي يحدد من يريد إشراكه في فصول المهزلة الانتخابية. ومع ذلك يتبجح بشار الأسد متذاكياً بالقول إن "أي سوري يمكن أن يكون رئيساً للبلاد، هناك العديد من السوريين المؤهلين لهذا المنصب، ولا يمكن ربط البلد بأسره بشخص واحد فقط وبشكل دائم".

وتمتد فصول مهزلة انتخابات النظام الرئاسية إلى قانون الانتخابات العامة لعام 2014، الذي ينص على تشكيل لجنة قضائية تسمى "اللجنة القضائية العليا للانتخابات" التي أوكل إليها مهمة تنظيم وإدارة الانتخابات والاستفتاءات، بما في ذلك انتخابات عضوية مجلس الشعب، لكنها لا تتمتع بأي استقلالية قضائية، لأن بشار الأسد هو من يرأس السلطة القضائية في سوريا، والمحكمة الدستورية العليا هي صاحبة الاختصاص في الإشراف على انتخابات الرئاسة والطعن فيها وإعلان نتائجها، وفي دراسة قانونية طلبات الترشح والبت فيها خلال الخمسة أيام التالية لانتهاء مدة تقديمها على الأكثر. كما أن بشار الأسد هو من يعيّن أعضاء المحكمة الدستورية، الأمر الذي يفقدها أيضاً استقلاليتها القضائية، بالنظر إلى تبعيتها المباشرة له، وبالتالي لا يمكن لأي مرشح الحصول على موافقتها دون يكون موافقاً عليه من طرف النظام، لذلك فإن نظام الأسد يمسك بجميع فصول مهزلة الانتخابات الرئاسية وبنتائجها، مثلما حصل في مهزلة انتخابات 2014 وما قبلها، وبالتالي فإن من الطبيعي ألا يسمح النظام لأي مرشح حقيقي أن ينافس بشار الأسد فيها، وأن يكتفي بترشيح شخصيات غير فاعلة أو معروفة أو مؤثرة، والأنكى من ذلك هو أن من تقدموا إلى الترشح في هذه الانتخابات لا يملكون الجرأة حتى على انتخاب أنفسهم، وهذا سيعني استكمال المهزلة الانتخابية بإعلان فوز بشار الأسد، تتويجاً لنهاية فصولها التي تثير الاشمئزاز والقرف، وتكشف طبيعة ونهج نظام الاستبداد الأسدي.