فصل جديد من المواجهة الأميركية الإيرانية على وشك البدء

2019.08.27 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قد يعكس تغيير اسم ناقلة النفط "غريس" لتصبح "أدريان داريا1" تبدلاً في سياسة تعامل إيران مع أزمة الناقلات التي تفجرت في أعقاب احتجاز بريطانيا للناقلة الروسية الملكية، الإيرانية الاستئجار، في مضيق جبل طارق، في الرابع من شهر تموز الماضي، فإبحار الناقلة بعد الإفراج عنها لتمخر عباب البحر المتوسط قوبل بمذكرة احتجاز أميركية، وتحذير شديد اللهجة لأي دولة أو مرفأ ترسو فيه، ما يعني أن تراجع بريطانيا عن احتجاز شحنة النفط الإيرانية المتوجهة إلى نظام الأسد في سوريا، بحكم انشغالها بمسألة ترتيب البيت الداخلي، بعد وصول "ترمب البريطاني" بوريس جونسون إلى الحكم، قد لا يكون نهاية الأزمة الراهنة كما هو متوقع!

احتجاز "غريس" إذن لم يكن سوى فصل من المواجهة، والفصل الثاني على وشك أن يبدأ. وبين نهاية الفصل الأول وبداية الثاني الكثير من الأحداث التي قد تطفو من وراء الكواليس خلال الاستراحة التي تشهدها الدراما بين الولايات المتحدة وإيران، لا سيما تحذيرها اليونان من مغبة استضافتها، ما جعل الناقلة تفكر بالعدول عن ذلك، والرسو في ميناء مرسين التركي في وجهتها النهائية، كما تعزم.

قد تبدو سياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران تعاني من "نكسة" محرجة. فالسلطات اليونانية أكدت أن أي قرار ستتخذه سيكون وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن إيران، وهي القواعد التي احتجز بموجبها إقليم جبل طارق الناقلة ثم أعاد تفسيرها للإفراج عنها، والعدول عن اليونان إلى جارتها تركيا، قد يفسر رغبة طهران في تجنب تكرار السيناريو و"تبريد" الأجواء من خلال اللجوء إلى الموانئ التركية غير المنضوية تحت هذه "القواعد"، كما يبدو للوهلة الأولى.

قد تبدو سياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران تعاني من "نكسة" محرجة. فالسلطات اليونانية أكدت أن أي قرار ستتخذه سيكون وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن إيران

ما يحصل في البحر الأبيض المتوسط لا يمكن عزله عن جذور المواجهة على بعد أكثر من ألف وخمسمئة كيلو متر شرقاً في الخليج العربي. وأياً كان ما سيحدث في البحر الأبيض المتوسط​​، إلّا أن التطورات المستقبلية في الخليج هي أكثر أهمية، بسبب أولوية الخليج في إمدادات النفط العالمية. وبهذا يمكن تفسير ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اجتماعه مع المرشد الإيراني علي خامنئي، إنه "إذا انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، فلن تكون الممرات المائية الدولية آمنة كما كانت من قبل".

التكتيك الأميركي في الوقت الراهن يتمثّل في خطوة واشنطن "المفضلة" وهي التحدي القانوني، بانتظار تحريك الجهود المبذولة لتشكيل تحالف عسكري يضمن أمن المضائق البحرية في منطقة الخليج، فحتى الآن لم تنضم سوى المملكة المتحدة وأستراليا والبحرين، وبطبيعة الحال "إسرائيل" إلى هذا التحالف.

لكن المؤكد في هذا السياق أن رسو الناقلة الإيرانية ووجهتها النهائية وطريقة التعامل معها بعد صدور مذكرة التوقيف الأميركية، سيحدد شكل المرحلة أو الفصل الجديد من المواجهة الأميركية- الإيرانية، والتي بدأ التحضير لها بوضع أذرع إيران في العراق في مرمى المواجهة، واستهداف "إسرائيل" معسكرات تابعة لميليشيات الحشد الشعبي في العراق نفسه، ما قد يعرض الحكومة العراقية للانهيار فيما لو حاولت المشي على حبل التوافق بين واشنطن وطهران، كما نجحت في ذلك من قبل، فتشكيلة الحكومة العراقية الحالية "مدينة" لنفوذ "الحشد الشعبي" بفضل النجاح في تكوينها بعد تعسر طويل أثر على مرافق الحياة في العراق.

رسو الناقلة الإيرانية ووجهتها النهائية وطريقة التعامل معها بعد صدور مذكرة التوقيف الأميركية، سيحدد شكل المرحلة أو الفصل الجديد من المواجهة الأميركية- الإيرانية، والتي بدأ التحضير لها بوضع أذرع إيران في العراق في مرمى المواجهة

رغم التصريحات الرسمية العراقية المنددة بالهجوم، فإن رد إيران وميليشيات الحشد الشعبي على تهديدات رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي "بينامين نتنياهو" بتكرار الاستهداف من دون أن يبين الغاية النهائية منه، سيكون عبر استهداف القوات الأميركية والمصالح الحيوية لواشنطن في العراق، وإنهاء حالة "المماتعة" بين الطرفين على حساب الشعب العراقي وسيادة البلد، وهو ما يفسر حرص "الحشد الشعبي" على استصدار "فتاوى" لمرجعيات في "قم" الإيرانية لتبرير هذا الاستهداف مؤخراً.

واقع الحال أن المشهد الإقليمي مرشح لفصل جديد من التوتر، وربما الانفجار، بعد وصول الناقلة الإيرانية إلى وجهتها النهائية، وخطوات لاعبي الشطرنج "الإيراني" و"الأميركي" تحتاج إلى دراسة معمقة لتجنب مسارات التصعيد الذي تدفع باتجاهه دول وجهات أخرى، من مصلحتها أن تتم المواجهة بعيداً عن حدودها، لكن سوريا والعراق، وحتى لبنان، قد تكون "مسرحاً" للتضحية بالبيادق المسموح بتقديمها على قربان التوصل إلى حل سياسي يرضي الطرفين، وقد تكون في الوقت ذاته، "مطرحاً" لتقليم أوراق اللعب الإيراني قبل الشروع في المواجهة الحاسمة.