
تشهد مدينة منبج والقرى التابعة لها شمال شرقي حلب، حالة من الفوضى والانفلات الأمني، ويعيش سكّانها ظرفاً استثنائياً يسوده الخوف من تفجرّ المعارك من جديد داخل المنطقة بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وفصائل غرفة عمليات "فجر الحرية"، مع اقتراب موعد انتهاء الهدنة.
وبحسب المصادر لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ فصائل "فجر الحرية" تحشد لمعارك تأمين الجسور الاستراتيجية على نهر الفرات وما بعد منبج، و"قسد" تتحدث عن هجوم معاكس يعيد لها المنطقة وتبعد من خلاله شبح خسارة محتملة لمعقلها البارز عين العرب (كوباني) شرقي الفرات.
تعتبر مدينة منبج نقطة استراتيجية بالنسبة للفصائل في الشمال السوري، وهي مركز ثقل بشري مهم، وهي أيضاً محطة انطلاق نحو معاقل "قسد" شرقي الفرات.
وقد خرجت منبج، منذ العام 2012، عن سيطرة النظام البائد وسيطرت عليها فصائل الجيش السوري الحر، حينذاك، ثم انتقلت إلى قبضة تنظيم الدولة (داعش)، مطلع العام 2014، وبعد عامين تمكّنت "قسد" من السيطرة عليها بدعم من التحالف الدولي.
وكانت فصائل تابعة للجيش الوطني قد دفعت بأرتالها باتجاه منبج في 7 كانون الأول الجاري، وشنّت في اليوم الثاني هجوما سريعاً تحت مظلة غرفة عمليات "فجر الحرية" بهدف استعادة السيطرة على المنطقة بعد نجاحها في السيطرة على منطقة تل رفعت ومحيطها شمالي حلب، بالتزامن مع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي هرب من العاصمة دمشق إلى روسيا.
احتمالات التصعيد
تشهد منطقة سد تشرين شرقي منبج اشتباكات متقطعة، وقصفاً متبادلاً بين "قسد" وفصائل الجيش الوطني، وشهدت مدينة منبج وريفها الشرقي وصول المزيد من التعزيزات القادمة من مناطق ريف حلب الشمالي، والتي توحي بأنّ هجوماً محتملاً تحضر له الفصائل، أو على الأقل لمواجهة الهجمات المعاكسة التي شنتها "قسد"، خلال الأيام القليلة الماضية، وإبعاد خطر تقدمها عن مركز المنطقة إلى حين وصول التعليمات لمواصلة التقدم والانتقال إلى ضفة نهر الفرات الشرقية.
بعد السيطرة على منبج، خلال الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول الحالي، كان مخططاً أن تواصل الفصائل المدعومة بوحدات من الجيش التركي معاركها وتقدمها نحو عين العرب (كوباني)، لكن وساطة أميركية أوقفت الهجوم وأُعلن عن هدنة مؤقتة منتصف الشهر، وفي 17 من كانون الأول، أعلنت الولايات المتحدة تمديد هدنة بين الفصائل و"قسد" حول مدينة منبج.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إنّه "تم تمديد اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وقوات قسد حول مدينة منبج، حتى نهاية هذا الأسبوع"، مردفاً: "واشنطن توسطت في اتفاق وقف إطلاق نار مبدئي الأسبوع الماضي لكن سريانه انتهى".
وأضاف ميلر أنّ "واشنطن ترغب في تمديد وقف إطلاق النار لأطول فترة ممكنة"، مشيراً إلى أنّه "ليس من مصلحة أي طرف تصاعد الصراع في سوريا".
وبحسب مصادر عسكرية في غرفة عمليات "فجر الحرية" لـ موقع تلفزيون سوريا، من المتوقع أن تنتهي الهدنة ولا تُجدّد، وأن تعود المعارك، والبداية ستكون تأمين كامل منطقة منبج غربي الفرات، والجسور الرئيسية، والمرحلة الثانية التوغل في منطقة عين العرب.
وتوضّح المصادر أنّ الفصائل لم تعزّز قواتها فقط في منبج، بل سيكون هناك أكثر من محور عمليات هجومي ضد قسد، وهناك تعزيزات عسكرية أرسلتها الفصائل وصلت بالفعل إلى مناطق جنوبي الرقة وضفاف الفرات قرب دير الزور.
وترى المصادر أن "قسد" تعوّل على الموقف الأميركي لمنع تقدم الفصائل وتروّج أن منبج ستعود إلى سيطرتها أو على الأقل وضعها تحت إدارة مدنية وانسحاب الفصائل منها، وقد أعلنت "قسد" عن هجوم معاكس بعدما تمركزت بعض الدوريات التابعة للتحالف في عين العرب.
رسائل "قسد" اليوم موجّهة إلى حاضنتها الشعبية التي تنتقد انسحاباتها المتكررة برغم تجهيزات التحصين والحماية الضخمة، وهي أيضاَ رسائل لدعم نظام التعبئة الشعبية الذي أعلن عنه تنظيم "الشبيبة الثورية"، وفق المصادر.
المحلل السياسي علي تمي قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "النظام البائد سقط والوفود تزور دمشق للقاء الإدارة الجديدة، والحديث يدور حول التنمية وإعادة الإعمار، وتأهيل المطارات والسكك الحديدية، بينما قسد تواصل تجييش ما تبقى من شبابنا الأبرياء لما تطلق عليه عملية استعادة منبج، ممن؟ هذا ما لا نعلمه، كل ما نعلمه هو أن دورها انتهى، وأن آبار النفط لم تعد بحاجة إلى الحرّاس، إذ إنها ستعود إلى سيطرة الحكومة في دمشق في قريب العاجل".
ألغام وأنفاق تشتّت الفصائل
برغم سيطرة "قسد" الطويلة على منطقة منبج، إلّا أنّها لم تشهد تطوراً عمرانياً أو خدماتياً، فعلى مستوى البنية التحتية والخدمات العامة والمرافق بقيت على حالها، بعضها مدمّر بشكل جزئي وأخرى متهالكة، لا كهرباء دائمة، ولا اتصالات بمستوى جيد، لكن يبدو أنها اهتمت أيضاً بالأنفاق وبناء التحصينات تحت أرضية كما فعلت في "مناطق الشهباء" وتل رفعت شمالي حلب.
وقد رصد موقع تلفزيون سوريا شبكة طويلة ومعقّدة من الأنفاق التي حفرتها "قسد" تحت أحياء مدينة منبج، يكاد لا يخلو حي من فتحة لنفق، بعضها في الشوارع الضيقة وبعض الفتحات موجودة داخل المنازل وهو ما سبب ذعراً مضاعفاً لدى الأهالي، الذين يخشون خروج عناصر "قسد" من تلك الفتحات لينتقموا منهم.
ويضاف إلى عقدة الأنفاق التي احتاجت كثيراً من الوقت لتمشيطها من قبل الفصائل، عقدة أخرى وهي انتشار الألغام بعيارات متنوعة وبشكل كثيف داخل المدينة وفي القرى وعلى الطرق، وهو ما تسبب بخسارة الفصائل لأعداد كبيرة من مقاتليها خلال الأيام الأولى من دخول المدينة وكامل قرى المنطقة، وفي أثناء عمليات التمشيط.
فوضى وانتهاكات
تأخّرت الشرطة العسكرية التابعة للفصائل في الجيش الوطني باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الانتهاكات وعمليات السرقة التي نفّذتها مجموعات من الفصائل وأخرى محسوبة عليها من المدنيين المقربين منها.
وأجرى مدير إدارة الشرطة العسكرية العميد الركن خالد الأسعد الطائي برفقة مجموعة من الضباط، جولة تفقدية في أسواق مدينة منبج، وخلال الزيارة التفقدية استمع إلى أصحاب المحال التجارية وتفقد الإجراءات المتبعة من قبل الشرطة العسكرية التي انتشرت داخل أحياء المدينة وعلى الطرق في محيطها، وهي خطوة متأخرة كثيراً لمحاولة ضبط الفوضى المتصاعدة.
رصد موقع تلفزيون سوريا في الفترة ما بعد السيطرة على منطقة منبج، خروج مئات الشاحنات المحمّلة بمختلف المواد (مولدات كهربائية، ودراجات نارية وأدوات كهربائية وبطاريات ومواد غذائية وحبوب وأعلاف ومواشي) من المنطقة إلى وجهات مختلفة.
وتلك المواد هي من المصادرات، إمّا لاتهام أصحابها بأنهم موالون لـ"قسد"، أو سرقتها مجموعات سرقة منظمة، عادةً تأتي بعد دخول الفصائل إلى مناطق جديدة، كما أنّ بعض الأهالي سرقت منه سيارته وجراره الزراعي على الحواجز المنتشرة في المنطقة بذريعة الانتماء لـ"قسد".
كذلك، حتّى أن المؤسسات الخدمية العامة لم تسلم من عمليات السطو والسرقة، إذ تم الاستيلاء على شركة الكهرباء وسياراتها، إلى جانب سرقة ممتلكات مؤسسة الأعلاف والحبوب وغيرها من المباني الخدمية والإدارية في المدينة وريفها.
سيناريو منبج شهدته مناطق ريف حلب الشمالي التي كانت "قسد" تطلق عليها اسم (مناطق الشهباء) والتي تضم قرابة 35 بلدة وقرية، والتي انسحبت منها "قسد" بداية الشهر الحالي أمام تقدم فصائل غرفة عمليات "فجر الحرية".
وقالت مصادر محلية في "مناطق الشهباء" لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "بلدات وقرى أحرص وتل قراح وفافين وأم حوش وسد الشهباء وحاسين وأم القرى والوحشية وحربل والأحداث وكفرنايا" وغيرها، جميعها تعرّضت لعمليات سرقة شملت كل شيء يمكن حمله، وإذا ما كان ثقيلاً حملته مجموعات السطو على الرافعات، ومثالها المولدات ومضخات المياه وخطوط الري الزراعي وعفش المنازل المهجورة.
من المتوقّع أن يتحدّد الموقف العسكري في منبج، خلال اليومين القادمين، حشود طرفي القتال تبدو ضخمة وتوحي بأنّ جولة جديدة من المعارك قد تنطلق في أي لحظة، لكنها لا تكفي بطبيعة الحال، إلا إذا انسحبت الدوريات الأميركية من عين العرب وتغيّر الموقف الأميركي، حينها ستنفذ "قسد" غالباً انسحابها المعتاد وستنطلق الفصائل لتأخذ مكانها.
أمّا إذا ما بقيت الأمور كما هي في أثناء الهدنة، غالباً ستسعى "قسد" إلى خوض معارك استنزاف تمنع من خلالها استقرار السيطرة للفصائل على منبج، وتمنع استفادتها من الفرات وجسوره وسد تشرين الحيوي.