فشل السياسة الأميركية في سوريا

2019.10.09 | 17:53 دمشق

cc8a17ed2f8ab6a6f3e6bb986c40465a.jpg
+A
حجم الخط
-A

مرة أخرى، يفاجئ الرئيس ترمب العالم والسوريين بشكل خاص بقراره الانسحاب من المناطق الحدودية السورية – التركية والسماح لعملية عسكرية تركية داخل الأراضي السورية. وذلك بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس ترمب والرئيس التركي أردوغان.

في المرة الأخيرة عندما تحدث الرئيس التركي مع الرئيس ترمب في 18 ديسمبر 2018  أعلن بعدها الرئيس ترمب عن انسحاب أميركي كامل من سوريا ثم تراجع عن قراره بعد ضغط المؤسسة العسكرية في البنتاغون، وأبقت الولايات المتحدة حينها بحدود 2000 جندي فقط في مناطق عسكرية مختلفة أميركية داخل الأراضي السورية بهدف دعم من تسميهم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية SDF  وهو فصيل عسكري يتشكل بشكل رئيسي من قوات الحماية الكردية PYG  التي تعتبر امتدادا لحزب العمال الكردستاني PKK  في تركيا والذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية ودخل في حرب عسكرية طويلة الأمد مع الحكومات التركية المتعاقبة.

في 6 أكتوبر، تحدث الرئيس الأميركي ترمب مجدداً مع الرئيس التركي أردوغان وأخبره إنه لن يعارض أية عملية عسكرية تركية داخل الأراضي السورية ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وفعلاً بدأ بحدود ما يتراوح بين 100 إلى 150 من الأفراد العسكريين الأميركيين الذين تم نشرهم في المنطقة بالانسحاب من المنشآت العسكرية الأميركية بالقرب من الحدود التركية خاصة في منطقتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تبقى بعض القوات الأميركية في شرق سوريا التي تنتشر في مناطق مختلفة في شمال وشرق سوريا

تأمل تركيا في أن هذه العملية العسكرية ستكون مقدمة لفرض ما تسميه أنقره "منطقة آمنة" على الحدود لسورية التركية ضمن قطاع يبلغ طوله 20 ميلًا

إلا أن هذا الانسحاب الجزئي ربما يكون مقدمة لانسحاب كامل كان الرئيس ترمب قد أعلن عنه في ديسمبر الماضي كما ذكرنا، مقابل هذا الانسحاب أعلن البيت الأبيض في بيان له أن تركيا ستتولى مسؤولية جميع مقاتلي تنظيم الدولة الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية والذين يقدر عددهم بأكثر من 70 ألف مقاتل كما ذكر الرئيس ترمب، وتتحمل الولايات المتحدة تكاليف أسرهم بعد أن رفضت الدول الأوروبية استعادة مواطنيها الذين قاتلوا في سوريا ضمن صفوف التنظيم أو حتى المساهمة في دفع تكاليف احتجازهم في معسكرات تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

تأمل تركيا في أن هذه العملية العسكرية ستكون مقدمة لفرض ما تسميه أنقره "منطقة آمنة" على الحدود لسورية التركية ضمن قطاع يبلغ طوله 20 ميلًا على طول الحدود وبعمق 30 كيلومترا، ويكون مقدمة لإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين فاق عددهم أكثر من 4 ملايين لاجئ ويتوزعون في الأراضي التركية مع تركيز أكبر في المدن الرئيسية من مثل إستانبول وغازي عنتاب وأورفة وكيلس وغيرها.

كان الجانبان التركي والأميركي قد خاضا مفاوضات سياسية وعسكرية من أجل أن تقوم الولايات المتحدة بمساعدة تركيا في إنشاء وحماية المنطقة الآمنة على الحدود السورية – التركية، لكن تركيا غالبا ما كانت تصطدم باللامبالاة في أحسن الحالات أو رفض من الجانب الأميركي الذي يريد انسحابا كاملا من الأراضي السورية كما كرر الرئيس الأميركي ترمب ذلك في أكثر من مرة.

 وكما يبدو فإن القرار الأخير اتخذه الرئيس ترمب من دون استشارة كبار مساعديه أو البنتاغون، ولذلك وجدنا عاصفة من الرفض لقرار الرئيس ترمب من قبل الكونغرس وحتى من شخصيات داخل الحزب الجمهوري من مثل السناتور ليندسي غراهام أو زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل حيث أعلن السناتور غراهام عن نيته في فرض عقوبات ضد تركيا إذا قررت الدخول إلى الأراضي السورية كما تعهد بالدعوة إلى تعليق تركيا من منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو.

يمكن القول إن هذا القرار ينسجم مع طبيعة الرئيس ترمب في إدارة السياسة

أشار الرئيس ترمب إلى أن هدف القوات الأميركية كان القضاء على تنظيم الدولة وهو ما تحقق ولذلك يجب على الولايات المتحدة أن لا تكترث بسوريا أو السوريين

الخارجية التي بدأت تتسم باللاتوقعية، ولذلك من الصعب على الحلفاء كما على الأعداء توقع ماهية الخطوة الأميريكية القادمة في سوريا، أو ما استراتيجيتها في سوريا، من أجل ضمان تحقيق أهدافها التي أعلنتها.

حيث أشار الرئيس ترمب إلى أن هدف القوات الأميركية كان القضاء على تنظيم الدولة، وهو ما تحقق، ولذلك يجب على الولايات المتحدة أن لا تكترث بسوريا أو السوريين أبدا وليس من شأنها إدارة العملية السياسية هناك أو الضغط على نظام الأسد من أجل تحقيق انتقال سياسي أو مواجهة النفوذ الإيراني والروسي المتمدد في الأراضي السورية، بل إن ترمب طلب تعاونهم في إدارة سوريا المستقبل.

يمكن القول إن السياسية الأميركية في سوريا ما زالت تعيش تخبطاً لا مثيل له، صحيح أن هذه الأخطاء المتراكمة بدأت مع السنوات الأخيرة لإدارة الرئيس أوباما، لكن الرئيس ترمب أوصل هذا التخبط إلى حدوده القصوى، ومن الصعب على الولايات المتحدة أن تستعيد صِدقيَّتَها في المنطقة بعد فقدانها للتأثير العسكري والسياسي الضروري من أجل إنهاء مأساة السوريين المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات.