فسيفساء الفوضى.. ماذا بقي من المصالح الأمريكية في سوريا؟

2018.07.22 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بعد أكثر من سبع سنوات من بدء الثورة، والخسائر البشرية والمادية الهائلة، ما زالت سوريا المكان الوحيد في العالم الذي تتصارع فيه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل وفصائل مُعارِضة وحزب الله وقوات نظام الأسد وميليشيات كردية ومجموعات إرهابية، مُشكّلة لوحة فسيفسائية من الفوضى المختلطة بدماء السوريين.

رُبّما تشكّل هذه اللوحة المُعقّدة أحد أهم الدوافع لإيجاد استراتيجية أمريكية واضحة تُحدّد الأهداف الأمريكية والسُّبل الملائمة لتحقيقها. وقد دعا معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في ورقة صدرت مؤخراً إلى تبنّي استراتيجية ثلاثية تتلخص في: عقوبات، وفرض مناطق حظر للطيران، ومناطق حظر برية في شمال شرق سوريا، بهدف منع نظام الأسد والقوات الإيرانية من دخول المنطقة، ومنع ظهور تنظيم داعش من جديد.

دعا معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في ورقة صدرت مؤخراً إلى تبنّي استراتيجية ثلاثية تتلخص في: عقوبات، وفرض مناطق حظر للطيران، ومناطق حظر برية في شمال شرق سوريا

وبغض النظر عن محتوى هذا المقترح وغيره من المقترحات، إلا أن هناك حاجة إلى توضيح الأهداف وبيان المصالح الأمريكية في سوريا، التي قد تُبرّر اتخاذ مثل هذه السياسات، خاصة بعد إيقاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبرامج الأمريكية في سوريا ودخول الإدارة الأمريكية مرحلة جديدة من مواجهة إيران.

وقد عمل سبعة باحثين - من بينهم الدبلوماسي الأمريكي السابق في الشرق الأوسط دينيس روس - على إعداد ورقة لمعهد واشنطن بعنوان “نحو سياسة أمريكية جديدة في سوريا”، تمحورت حول هدفين رئيسيين للإدارة الأمريكية، الأول هو الحيلولة دون إعادة تشكيل تنظيم داعش ككيان يسيطر على مساحة من الأرض، ومواجهة التمدّد الإيراني الذي يشمل البنى التحتية والوجود العسكري، وكلاهما يتطلّبان التزاماً وقتياً ومالياً.

إلا أن الأهم من ذلك هو اعتقاد مجموعة الباحثين بوجود سبع نقاط أو مصالح مُهمة للإدارة الأمريكية في سوريا، بدءاً بكونها تحتضن مدينة الرّقة، العاصمة المُحرّرة من تنظيم داعش، التي تظل أرضاً خصبةً محتملة لتجنيد موجات جديدة من المجموعات المتطرفة. وكون سوريا نقطة ربط للمساعي الإيرانية للتمدّد في ممر يصل إلى البحر الأبيض المتوسط وجنوب غرب آسيا ويفتح جبهة جديدة على “إسرائيل”.

كما يمتلك النظام السوري - حتى في أسوأ حالاته - ترسانة من الأسلحة الكيميائية التي لم يتردد في استخدامها بأبشع الصور وأكثرها وحشية، وتقع سوريا على خط تماس مع عدد من المناطق المشتعلة في المنطقة: من منطقة الصراع التركي الكردي إلى العراق غير المستقر، و”الصراع بين إسرائيل وحزب الله”.

ما زال تصوّر انسحاب الولايات المتحدة يتشكل في الأذهان في المنطقة، ويعود ذلك جزئياً إلى النقاشات الأمريكية الداخلية حول سحب القوات الأمريكية من سوريا

وتظل سوريا منطقة قابلة للانفجار وتدفق موجات جديدة من اللاجئين، من شأنها تهديد استقرار أكثر في الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان وتركيا وحتى عمق أوروبا. وسوريا أيضاً مُضيفٌ للسفن الحربية الروسية، ومدخلٌ للاستخبارات الروسية إلى شرق المتوسط. وأخيراً، بالنظر إلى أهمية نزع أسلحة الدمار الشامل في كوريا الشمالية بالنسبة للولايات المتحدة، فإن بيونغ يانغ قد تولّت في السابق بناء مفاعل “الكبر” في شرق سوريا لإنتاج البلوتونيوم المُخصب.

ما زال تصوّر انسحاب الولايات المتحدة يتشكل في الأذهان في المنطقة، ويعود ذلك جزئياً إلى النقاشات الأمريكية الداخلية - سواء في الرأي العام أو بين السياسيين - حول سحب القوات الأمريكية من سوريا. وهذه الخطوة تمثل دون شك ضعفاً أمريكياً يتمثل في العجز عن مواجهة طهران، والتخلي عن الحلفاء المفترضين للولايات المتحدة، وخرق العهود تجاه دول المنطقة في مواجهة إيران. كما قد يُقوّض الانسحاب من سوريا شرعية الوجود العسكري الأمريكي في العراق، حيث تلتزم الولايات المتحدة ببقاء طويل الأمد لبناء القوات العراقية ومواجهة وهزيمة أي عودة محتملة لداعش.