icon
التغطية الحية

فريق بريطاني سري يفكك عبوات داعش شمال شرقي سوريا |صور

2020.12.29 | 23:07 دمشق

0_rgp_mdm_201120local_05.jpg
ذا ميرور- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يشرف فريق من مختصين بتفكيك المتفجرات من الجيش البريطاني مع فرق البحث المحلية التي يترأسها جميعاً خبير تفكيك متفجرات سابق لدى سلاح القوات الجوية الخاصة على عمليات تفكيك عبوات تنظيم الدولة شمال شرقي سويا.

كنت قد تعرفت على الرائد السابق في القوات الخاصة كريس هانتر الذي عمل كفني متفجرات قبل سنوات طويلة، وعندما أخذ يرشدني في أحد الممرات التي تقودنا نحو موقع المتفجرات بشكل عادي وابتسامة مرسومة على شفتيه، قال لي: "لا تخرج عن الطريق يا صديقي، هذا ما ينبغي أن أقوله لك فقط".

الرائد كريس هانتر مع المراسل كريس هافس بعد تفكيك عبوة ناسفة متفجرة زرعها تنظيم الدولة

 

وبعدما قطعنا مسافة تسعين متراً تقريباً وأصبحنا وسط ما يعتقد أنه حزام لمنطقة متفجرات مساحتها 48 كم تقريباً، بدا هذا الرجل ضليعاً بالأمر وهو يتفحص المنطقة.

 

الرائد هانتر وهو يفكك عبوة ناسفة

 

وهكذا بدا الأمر كالوقوف على صخرة تبعدك عن الوحوش، إذ بالرغم من أنك ستحس بالأمان إلا أن الرعب لابد وأن يسري في أوصالك ويخترق أحشاءك، لأن أي خطوة عاثرة، أو زلة، يمكن أن تودي بحياتك.

أما بالنسبة له، فكان الأمر مجرد يوم عمل اعتيادي آخر، وهكذا اختبأت أنا والمصور روان غريفيثس عندما بدأ كريس بعمله، والذي يتلخص بمهمة شخصية تقوم على تفكيك كل قنبلة يجدها في طريقه، وقد أخبرنا أنه يحس بالأمان وهو يقوم بعمله هذا، فلقد قام بذلك آلاف المرات بما أنه أحد الفنيين المتمرسين بالقنابل في المملكة المتحدة.

 

الرائد هانتر- 47 عاماً- محارب قديم شارك في حرب العراق وحصل على وسام الملكة للبطولة

 

وخلال العمل ، يتعين على فنيي المتفجرات أن يربضوا بالقرب من العبوة الناسفة وأن يحاولوا تفكيكها وهم يحملون مجرفة وفرشاة صغيرة وسكيناً وقطعة قماش ليمسحوا بها العرق الذي ينزل عن جبهاتهم. وهكذا تغدو مهمتهم جسيمة بشكل تقشعر له الأبدان.

فقد تم وضع قنابل VS-500 ضمن ألغام إيطالية وأضيف لها 33 رطلاً من نترات الأمونيوم، ثم دفنت ضمن مساحة تعادل 48 كم داخل سوريا وذلك لحماية معاقل تنظيم الدولة.

وهنالك نوع آخر تم زرعه من العبوات الناسفة المغلفة بعلبة معدنية والتي زودت بمتفجرات يمكنها تفجير صفائح معدنية بسرعة تفوق سرعة الصوت لقتل أهداف بشرية، ولهذا شرع الرائد هانتر مع اثنين من المحاربين السابقين في الجيش البريطاني بتفكيك ذلك الإرث المؤذي الذي خلفه البغدادي.

 

بقايا العبوات الناسفة التي تم تفكيكها بعد اكتشافها بالقرب من الحسكة في الشمال السوري

 

وبعد إجراء مسح شامل لمنطقة الجزيرة في سوريا، يخبرنا السيد هانتر، البالغ من العمر 47 عاماً، والذي خاض حرب العراق، وحصل على وسام الملكة للبطولة فيقول: "من المحتمل أن تكون هذه المنطقة عبارة عن حزام كبير للعبوات الناسفة ولهذا يتعين علينا تنظيف هذه المنطقة حتى يتمكن الفلاحون من العودة إلى بيوتهم. فهذه الأشياء تم إنتاجها في معامل، على يد نساء وأطفال تم اختيارهم لهذه المهمة، وقد تم تغيير هندسة النماذج الأصلية لتلك المتفجرات ثم زرعت هنا لتقتل وتنشر الخوف، ولهذا لابد لنا من إزالة تلك الألغام، لا لننقذ الأرواح ولنحمي أطراف الناس من البتر فحسب، بل من أجل مستقبل سوريا، وحتى يتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم. وذلك لأن تسليم مناطق نظيفة من الألغام للأهالي، حيث يمكن لأطفالهم أن يلعبوا ويمكن للأهل أن يزرعوا محاصيلهم وترك مواشيهم لترعى، يعتبر الخطوة الأولى على طريق إحياء هذه المنطقة في سوريا وعودتها لسابق عهدها".

تبدو الأجواء مشحونة بتوتر لا يطاق عند مراقبة هانتر وهو يقترب من هدفه الأخير، ويخطو نحو القنبلة.

يذكر أن صحيفة ذا ميرور كانت أول صحيفة تحصل على إذن حصري للمشاركة في هذا المشروع الذي يحمل شعاراً إنسانياً، ويشارك فيه أكثر من عشرين عاملا محليا متخصصا بتفكيك الألغام ضمن فريق بحث المخاطر الشديدة، وسيستغرق هذا المشروع شهوراً طويلة حتى يتم تنفيذ تلك المهمة.

ويقع حزام المتفجرات التي زرعها تنظيم الدولة استعداداً لهجمات مضادة قبل ثلاث سنوات ضمن حزام صحراوي يضم مسارين، أحدهما يمتد من ضواحي الحسكة باتجاه سنجار، التي شهدت المجزرة التي نفذها تنظيم الدولة بحق الإيزيديين في عام 2014.

ولذلك يقوم فريق متعدد الجنسيات تابع لمنظمة  ITF غير الحكومية ومقرها في سلوفينيا، بالعمل من الداخل السوري عبر مقر آمن لم يتم الكشف عنه.

وهنا قام أشخاص من أبناء المنطقة بالتحقق من أمر القنابل، وتحديد المواقع ورسم خرائط للأماكن التي يعتقدون أن الألغام مزروعة فيها وذلك قبل وصول فريق فني مختص بالمتفجرات من المملكة المتحدة.

قرية الكمايل بعد عودة أهلها إليها مؤخراً عقب تنظيفها من العبوات الناسفة

 

أخذنا نراقب هانتر وهو يتوغل على مسافة 100 متر تقريباً ليقوم بتفكيك قنبلتين، بوسع كل منهما أن تحولانه إلى هباء منثورا، وتشتمل كل عبوة منهما على طبق ضاغط، صنع من سلكين معدنيين، يمكنهما أن يكونا دارة عند اقترابهما من بعضهما، الأمر الذي سيولد شحنة مميتة، إلا أن هانتر قام بفتح القنبلة بكل ثقة وحذر.

ولكن في بعض الأحيان يستخدم زارعو المتفجرات من تنظيم الدولة ما يعرف باسم: "سلك السحق" وهو نسخة مصغرة عن الطبق الضاغط والذي يصعب اكتشافه للغاية. وذلك لأن أي حركة خاطئة ستؤدي إلى تفجير القنبلة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بثلاثين مرة. كما تم ربط عبوات أخرى ببعضها بحيث يمكن لأي خطأ يرتكبه أحدهم بتفجير بقية القنابل، مما يوسع مساحة القتل في المنطقة.

وحول ذلك يحدثنا أحد فنيي المتفجرات وهو محارب قديم في الجيش البريطاني اسمه روب وود، 45 عاماً، فيقول: "عناصر تنظيم الدولة الإسلامية أذكياء لذا فإنهم نصبوا الأفخاخ لفنيي المتفجرات، حيث قاموا بزرع عبوات لا يمكن معالجتها وذلك ليقوموا باقتناصهم. إلا أننا نقوم بتفكيك العبوة ببطء، حيث نعمل على تحديد مكان القنابل، ونوعها، والمسافات الفاصلة بينها، ثم نبدأ بإنشاء ممرات للاستكشاف بشكل تدريجي، ثم ممرات آمنة تصل إلى حزام العبوات الناسفة".

ويقدر عدد العبوات الناسفة التي زرعها تنظيم الدولة في سوريا بـ 285 ألف عبوة.

ولهذا باتت مهمة منظمة ITF أكثر صعوبة بوجود خطر خلايا تنظيم الدولة النائمة التي تعمل في تلك المنطقة.

المسيرة الطويلة: حقل ألغام خطير مليء بالقنابل

إنهم يطلقون على تلك العملية اسم المسيرة الطويلة، إذ يقوم باحثو المخاطر العالية في بداية الأمر بنشر كواشف تعرف باسم فالون فوق الأرض وذلك لتقوم باكتشاف موقع القنابل.

بعد ذلك يتم تحديد مسار آمن يمر بحقل الألغام المرزوع بالعبوات التي يمكن أن تقتل وهي مزروعة على عمق 100 متر.

بعد ذلك يقترب فنيُّ المتفجرات وهو يحمل مجرفة وفرشاة صغيرة وقطعة قماش ليمسح بها عرقه.

ويقوم ذلك الفريق في البداية باكتشاف الطبق الضاغط، والسلكين المعدنيين اللذين يمكن أن يقوما في حال تماسهما عند دوس قدم عليهما أو مرور عجلات سيارة فوقهما بالتقاط التيار الذي تولده بطارية.

وهكذا ينتقل التيار بسرعة الضوء إلى صاعق، حيث يقوم سلكان يربط بينهما خيط رفيع يحمل قطعة بحجم حبة البازلاء بإحداث انفجار كبير.

وهذا الانفجار الصغير والقوي للغاية لابد وأن يرسل موجة صدمة تصل إلى وتر التفجير، وهو عبارة عن أنبوب أجوف محشو بمواد عالية الانفجار.

وهذه السلسلة التي تتزايد قوتها التفجيرية تدفع لظهور موجة صدمة تفوق سرعة الصوت بحيث تولد شحنة شديدة الانفجار وزنها 33 رطلاً، وقد تم حشو تلك المواد المتفجرة ورصها داخل أسطوانة بلاستيكية أو معدنية.

وهذا التفجير الهائل يمكن أن يحول أي شخص إلى هباء منثورا، وفي الوقت ذاته يمكن للطبق المعدني الذي يوضع فوق اللغم أن يدمر ما يعلوه من أرضية المركبات، ليمسح كل الموجودين فيها.

هذا ولقد اتفقت صحيفة ذا ميرور مع الفريق على عدم الكشف عن أجزاء تلك العملية لحماية أرواح فنيي المتفجرات، الذين أصبحوا يعرفون باسم المشغلين.

ولكن بعد المسيرة الطويلة يقوم الفني بتنظيف التراب حول الطبق الضاغط، ويتعقب الحلقة التي تشبه عش الطائر والتي تضم أسلاكاً وذلك لمعرفة طريقة صنعها.

ويهدف من كل ذلك إلى فصل الصاعق عن العبوة، أي أنه عملياً يقوم بتفكيك القنبلة.

وفي نهاية المطاف يقوم بفصل البطارية، عن باقي الأسلاك، وبذلك تكون العبوة الناسفة قد تفككت.

ولكن هنالك كثير من الأمور التي قد تحدث بالخطأ بما أن تنظيم الدولة نشر أفخاخاً قاتلة هدفها قتل كل من يحاول تفكيك القنابل، كما قام عناصر هذا التنظيم بزرع أطباق ضاغطة ذات أشكال غريبة بهدف التمويه والخداع.

المصدر: ذا ميرور