فرصة للخلاص من نظام الأسد

2019.01.24 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا يكاد يمر يوم على سوريا التي تسيطر عليها قوات الأسد وميليشيات إيران وحرسها الثوري، والقوات والطائرات الروسية، من دون ذكر لحالة قتل أو اختطاف أو اغتصاب، أو انتحار، ناهيك عن عمليات اعتقال الشبان أو سوقهم للتجنيد الإجباري إلى أماكن القتل والنسيان، لكن ما يطفو اليوم -وسط كل الظروف التي ذُكرت- هي حالة البؤس التي يعيشها الناس هناك نتيجة لفقدان الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية، بحيث أوصل ذلك البؤس والفقدان بعضهم للموت.

من المعروف أن عشرات الميليشيات تأسست في سوريا إبان الحرب على الشعب السوري، حيث غطت كامل المدن السورية تقريباً، وهي خليط من المهمشين والباحثين عن المال والسلطة، للخلاص من حالة القهر التي يعيشونها، وقد استثمرها النظام وداعموه بإطلاق يد تلك الميليشيات في استباحة كل ما هو موجود في سوريا، من بشر وحجر، فخلق جيشاً من العصابات قام بعمليات التوقيف والاعتقال المؤقت والدائم للحصول على فديات وعمولات تصل في بعض الأحيان للملايين، وأما تعفيش البيوت بعد تدميرها فقد صار أمراً روتينياً يتباهون به على العلن.

انتهت المعارك في تلك المناطق، ولم تُحل تلك الميليشيات، وباءت كثير من جهود روسيا بمحاولة استجلاب

لم تعد تلك السلطات الجديدة منها والقديمة قادرة على تأمين أساسيات الحياة، أو الحدود الدنيا منها، وهي الخبز والغاز والوقود وحليب الأطفال والأدوية

أموال، من أجل إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين، بالفشل، حيث لم يعد حتى الآن سوى عشرات الآلاف من أصل الملايين، وانصرفت تلك الدول (روسيا وإيران) لترتيب الأجواء بما يخدم مصالحهما الخاصة، فبقيت تلك الميليشيات وأسيادها سلطة متوحشة بمواجهة البقية من الناس، حتى من كان موالياً لهم.

ونتيجة لجشعها وتحقيقاً لمصالحها، لم تعد تلك السلطات الجديدة منها والقديمة قادرة على تأمين أساسيات الحياة، أو الحدود الدنيا منها، وهي الخبز والغاز والوقود وحليب الأطفال والأدوية، خاصة في هذه الظروف شديدة القسوة والبرودة، ضاربين بعرض الحائط ما يُدعى بـ "كرامة" المواطن، الذي تحمّل الكثير فيما مضى تحت ذرائع شتى، وأهمها محاربة "الإرهابيين"، تلك الحجة التي سعى النظام من خلالها لإخضاع وتخويف من لم يتمكن من الهجرة أو من فضّل البقاء في بيته.

انتهت المعارك مع "الإرهابيين"، وبدلاً من أن يشعر الناس بقليل من الراحة، وفق الخطاب الذي كان يروّج له النظام، زادت عليهم الضغوط، وكثرت حالات وأشكال الإذلال، فالطوابير صارت ظاهرة عادية للحصول على مواد أساسية، حتى صار الناس يتندرون بتهنئة من يستلم أسطوانة غاز، لا بل جعلوا لها تماثيل تيمناً بآلهة الإغريق والرومان، ناهيك عن مدى القهر والذل اللذين يتعرض لهما الناس، وعن قسوة الظروف الجوية، والأنكى من ذلك، صارت تلك الطوابير مصيدة للشباب من أجل سوقهم للتجنيد الإجباري، للقتال في معارك ضد إخوتهم من السوريين، والنتيجة: جوع وقهر وإذلال، أمام نهب الميليشيات وأجهزة المخابرات لكل ما يحتاج إليه المواطن. لقد أمسى المشهد البارز هناك: أناس جائعون ومقهورون في مواجهة طغمة من اللصوص والمستغلين.

عندما انطلقت شرارة الثورة في ربيع 2011، لم تكن الظروف المعيشية والخدماتية بهذه القسوة، ولم تنطلق الثورة من أجل توفير المواد والسلع المفقودة، وإنما انطلقت رفضاً للظلم والجور الذي تمارسه الأجهزة الأمنية بحق جميع السوريين، وطالبت بالكرامة والحرية للجميع، الكرامة بمعنى الخلاص من كل أشكال الظلم والإذلال اللذين تمارسهما السلطة وأزلامها بحقهم، والحرية بمعنى الحق في اختيار شكل الحكم الذي يناسب ويلبي احتياجات البشر، والحق في التعبير عن الرأي في قضايا الوطن، لكن النظام اللصوصي ومخابراته واجه الثورة منذ اليوم الأول بالاعتقالات والرصاص، ومن بعدها الأسلحة بعيدة المدى حتى الكيمياوية منها، فقتل حوالي مليون شخص، وهجّر الملايين، ودمر حوالي مليوني منزل، باختصار حوّل سوريا إلى أنقاض، والأهم من ذلك كله عمل على زرع وتنمية حالة الحقد والكراهية بين السوريين، وساعده في ذلك خطاب وسلوك بعض المنظمات الجهادية الإسلامية التي قاتلت في صفوف المعارضة، وتبنت أجندات لا وطنية.

اليوم، يتضح الأمر أكثر أمام السوريين أن من ينهبهم ويقف في وجه تطورهم وتقدمهم، ويمنعهم من نيل حقوقهم، هو نظام اللصوصية والمحسوبيات وأجهزة القمع، الذي يسرق قوتهم ويسلبهم كرامتهم، ويعتقل أبناءهم ويزج بهم في معارك لا فائدة منها سوى استمرار النظام، من دون اكتراث بحياة الناس ومصيرهم، وبالتالي لا بد من تضافر جهود جميع السوريين المتضررين من بطش هذا النظام، والعمل معاً بقصد الانتقال نحو نظام يسعى لتحقيق الحد الأدنى من مطالب السوريين، وهو الأمر الذي يتقاطع مع مصالح كثير من الدول، التي لا يمكن للسوريين العمل من دون الاستفادة من تناقضاتها.

ما هو مطلوب منا جميعاً، تجاوز الانقسامات التي أحدثها النظام والتنظيمات الجهادية بين السوريين، على أسس عرقية ومذهبية وانفعالية، والارتقاء بخطابنا نحو خطاب مسؤول، يضع على عاتقه الدفاع عن مصالح السوريين المتضررين في وجه هذا النظام اللصوصي، وينبغي ألا يكون هذا التوجه ردة فعل، وإنما توجه جدي مدروس لربما يُخرج الجميع من المأزق الذي آلت إليه أمور سوريا المعروفة للجميع، كساحة للتصارع بين المصالح الإقليمية والدولية، ويمسك بالحد الأدنى من القضية السورية.

لن يتكرر التاريخ كما نشاء، فمساره معبدٌ بالصعوبات لكن يعرف السوريون أن ثورة ابراهيم هنانو

إن أساليب النظام واحدة في قهر وإذلال جميع السوريين، ولا يعنيه في نهاية المطاف سوى الاستمرار في السلطة، مهما كان الثمن

ضد الفرنسيين أُخمدت عام 1921 نتيجة لتضافر الوحشية الاستعمارية مع ظروف إقليمية ودولية عدة، ويعرفون من اعتقله وسلمه للسلطات الاستعمارية في حلب، ويعرفون أن ثورة سلطان الأطرش 1925، كانت منقذاً للشمال والساحل والوسط، التي سرعان ما دعموها والتحقوا بها لتكون ثورة سوريا الكبرى.

إن أساليب النظام واحدة في قهر وإذلال جميع السوريين، ولا يعنيه في نهاية المطاف سوى الاستمرار في السلطة، مهما كان الثمن، فلا ارتهان البلد للقوى الأجنبية، ولا عدوان إسرائيل الذي بات يشبه نزهةً للطيران الإسرائيلي، ولا مئات الآلاف من القتلى، ولا قضية المعتقلين والمعاقين والمهجرين ولا طوابير الجياع، تعنيه بأي شيء، وبالتالي فمصلحة كل هؤلاء متناقضة مع مصالحه التي لا تنتهي إلا بزواله، ومن دون ذلك؛ سيبقى السوريون عرضة لمهاناته وإذلاله. فلنعمل جميعاً للخلاص من هذا النظام وشبكاته وأدواته، وهو أمرٌ مرهون بالعمل المشترك بين السوريين المتضررين من بقائه، وهناك إمكانية لذلك.