فرصة الائتلاف التي قد تكون الأخيرة 

2020.08.05 | 00:02 دمشق

eehn_q9xoaczl61.png
+A
حجم الخط
-A

بعد تجاهل مستمر لدعوات الإصلاح المتكررة التي وجهت إلى الائتلاف، ومع تزايد الأصوات المطالبة بذلك، خاصة عقب الانتخابات الأخيرة التي أجرتها المؤسسة وأثارت ردود فعل سلبية واسعة، بدأ بعض المسؤولين بالتفاعل الإيجابي مع هذه الدعوات أخيراً.

في لقائه الأخير مع موقع تلفزيون سوريا، ورغم تأكيد نصر الحريري على حاجة الائتلاف الوطني إلى التطوير، إلا أنه عاد وكرر اللازمة نفسها التي يتمسك به أعضاء الائتلاف باستمرار، وهي أن بنية المؤسسة وطبيعة دورها والهدف من وجودها لا يحتمل كل الجدل المثار حولها والتطلعات التي تأمل بإعادة بنائها.

أي بمعنى آخر، فإن مؤسسة الائتلاف لا يمكن أن تكون بأفضل مما هي عليه، وكل ما يمكن أن يحدث هو تطوير علاقاتها مع الداخل، من خلال رفع مستوى الاتصال والتواصل مع الناشطين والقوى المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وعلى أهمية هذا التصور طبعاً، إلا أن القول بأن مشاكل الائتلاف محصورة بهذا المستوى ويمكن أن تحل بزيادة التفاعل والاقتراب أكثر من الجمهور لا يبدو دقيقاً، لأن الواقع يقول إن الائتلاف، وكذلك هيئة التفاوض، يعاني كل منهما من مشكلة تتعلق بالتمثيل والشرعية.

القول بأن مشاكل الائتلاف محصورة بهذا المستوى ويمكن أن تحل بزيادة التفاعل والاقتراب أكثر من الجمهور لا يبدو دقيقاً، لأن الواقع يقول إن الائتلاف، وكذلك هيئة التفاوض، يعاني كل منهما من مشكلة تتعلق بالتمثيل والشرعية.

في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أكد رياض حجاب رئيس هيئة المفاوضات السابق أن مؤسسات المعارضة بحاجة إلى التطوير مع ضرورة الحفاظ عليها. وحدد حجاب عدة نقاط يرى أنه يجب العمل عليها من أجل تحقيق هذا الهدف، من بينها تحقيق هذه المؤسسات علاقة متوازنة مع مختلف الدول والقوى المؤثرة في الصراع السوري، وتجنب الاصطفاف بين المحاور المتنافسة أو المتصارعة.

والواقع فإن حجاب لم يتطرق بشكل مباشر إلى قضية التمثيل، تجنباً ربما لاتهامه بالسعي إلى الانضمام للائتلاف، إلا أن ذلك لا يغني عن ضرورة إقرار القائمين على هذه المؤسسة بأن مسألة التمثيل السليم والعادل والمتوازن لجميع القوى المعارضة، سواء في الداخل أو في الخارج باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى.

فمن المؤلم فعلاً وجود العشرات من الأسماء والشخصيات المهمة والوازنة في المعارضة خارج هذه المؤسسة، بعضها محط اهتمام الدول الكبرى التي بدأت تتواصل مع هذه الشخصيات بشكل مستقل، كما حدث مع حجاب نفسه الذي حظي باستقبال حفي من قبل الخارجية الأميركية، وقبل ذلك الشيخ معاذ الخطيب الذي أرسلت روسيا أحد مسؤوليها للقاء به في الدوحة، وبعضها يمتلك من الخبرة السياسية والقانونية والإدارية ما يجعل التفريط به أمر يثير الدهشة.

بل وحتى على الصعيد المحلي، فإن الحاضنة الشعبية للثورة لا تبحث فقط عمن يتواصل معها أو يؤكد على أنه مهتم برأيها وسماع صوتها، بل لا بد من أن تجد نفسها جزءا حقيقياً من المؤسسة التي تقول إنها تمثلها.

في لقاء سابق لرئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى مع ناشطين من الداخل، طالب فيه الحضور بأن يكون هناك ممثلون عنهم في الائتلاف، أعاد مصطفى الكرة إلى ملعب المطالبين عندما قال لهم "اتفقوا على عدد من الأشخاص لتمثيلكم وعندها نبحث في الأمر".

طبعاً من الواضح أن هذا الرد يستغل ما يقال عن عجز السوريين عن الاتفاق على من يمثلهم، وأنه غالباً ما تنتهي كل المساعي والجهود حول أي ملف أو مبادرة إلى الفشل بسبب الخلافات التي سرعان ما تستفحل بينهم، لكن ذلك يبدو استغلالاً للمشكلة وليس حلاً لها !

إن الائتلاف ذاته تعامل مع كل الدعوات السابقة من أجل إعادة النظر بالمؤسسة وتطويرها بتشكيك مماثل، واعتبر كثير من أعضائه أن هدف هذه الدعوات ضرب الائتلاف وتفكيكه، بينما كان يستجيب لضغوط بعض الدول

نعم هناك مشكلة تعاني منها كل قطاعات ومؤسسات الثورة والمعارضة، وهي استفحال التشكيك وسرعة الاختلاف وغياب الثقة، لكن ذلك لا يعني الاستسلام لهذا الواقع وتثبيته، بينما المطلوب المساعدة على تجاوزه والعمل من أجل الانتقال إلى بيئة صحية لممارسة العمل السياسي بين السوريين المعارضين سواء في الداخل أو في الخارج.

بل إن الائتلاف ذاته تعامل مع كل الدعوات السابقة من أجل إعادة النظر بالمؤسسة وتطويرها بتشكيك مماثل، واعتبر كثير من أعضائه أن هدف هذه الدعوات ضرب الائتلاف وتفكيكه، بينما كان يستجيب لضغوط بعض الدول من أجل توسيع هيئته العامة، ومشاركة منصات أخرى لا تنسجم وأهدافه المعلنة كما حدث في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية !

إن من مصلحة الائتلاف أن يبادر بنفسه لاستغلال الفرصة التي ما تزال متاحة أمامه، ووضع خطة حقيقية من أجل تطوير المؤسسة بالشكل الذي يحقق تمثيلاً موضوعياً ويعيد إليها الشرعية الجماهيرية التي فقدت كثيرا منها خلال السنوات الماضية، وإلا فإنه قد يأتي يوم قريب تتجاوزه فيه الدول المؤثرة بالصراع السوري لصالح القوى والشخصيات التي تحظى بتأييد شعبي أو فاعلية على الأرض لا يمتلكه الآن للأسف.