icon
التغطية الحية

فاينانشال تايمز: سوريا تحترق والأسد ثابت على عرشه

2024.11.19 | 20:28 دمشق

صورة للأسد في سوريا
صورة للأسد في سوريا
The Financial Times - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تصاعد العنف في سوريا مع تزايد الهجمات المتبادلة بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تشن إسرائيل غارات على مواقع إيرانية وسورية، وتهاجم الميليشيات المدعومة من إيران القوات الأمريكية، بينما تكثف تركيا قصفها للمواقع الكردية.
- يسعى بشار الأسد للبقاء في السلطة مستغلاً التغيرات الإقليمية، معتمداً على دعم إيران وحزب الله، ومحاولاً تعزيز موقفه السياسي والاقتصادي من خلال التقارب مع روسيا ودول الخليج.
- تواجه محاولات إعادة تأهيل الأسد وعودة اللاجئين تحديات كبيرة، حيث يستخدم الأسد المفاوضات للحصول على الدعم دون تقديم تنازلات، بينما تطالب تركيا بسحب قواتها من الشمال السوري.

في وقت بات العالم يصرف انتباهه نحو الحرب في كل من غزة ولبنان، لم يعد كثيرون يهتمون بالمأساة التي تزداد حدة في الجوار، إذ لم يلاحظ كثيرون موجة العنف التي تعصف بسوريا والتي لا تحمل معها إلا نذر الشر.

كل زاوية وركن من هذا البلد تضرر بشكل كبير، فإسرائيل باتت تشن غارات شبه يومية على القيادات الإيرانية والسورية والمواقع العسكرية في سوريا، حتى تلك الموجودة في دمشق، ولقد دمرت خلال شهر أيلول الفائت مصنعاً مهماً ينتج معدات علمية وعسكرية ويديره كل من إيران وسوريا وحزب الله في معقل الطائفة العلوية. أما الميليشيات السورية التي تدعمها إيران فقد أخذت تشن هجماتها على النقاط العسكرية الأميركية الموجودة في المنطقة الشرقية، وهذا ما تسبب برد فعل انتقامي هائل من الولايات المتحدة. أما تركيا فقد كثفت قصفها للمواقع الكردية الموجودة في شمال شرقي سوريا عقب الهجوم الذي استهدف شركة دفاعية تابعة للدولة التركية في أنقرة خلال الشهر الماضي. في وقت أخذ الجيش التابع للنظام السوري إلى جانب الحليف الروسي بقصف آخر جيب للثوار في إدلب، ولعل تلك الخطوة أتت استباقاً لحملة برية جديدة. أما تنظيم الدولة فقد أطل بوجهه القبيح من البادية في المنطقة الشرقية من سوريا.

يضاف إلى كل ذلك التراجع المتسارع للمساعدات الإنسانية التي تقدم لما يقارب 17 مليوناً من أبناء الشعب السوري، فضلاً عن هروب نصف مليون أو يزيدون من اللاجئين السوريين واللبنانيين إلى سوريا بسبب الحرب الدائرة في لبنان، وكل ذلك يعتبر عناصر لوصفة من الديناميات التي لن تزيد الوضع إلا سوءاً.

الأسد يبحث عن بقائه فحسب

يراقب كل ذلك بخوف كبير بشار الأسد، الذي يدين بفضل بقائه في السلطة للتدخل الإيراني ولتدخل حزب الله في الحرب السورية، وبما أن الأسد بات من الضعف بمكان يسهل على غيره معاقبته بكل بساطة، لذا صارت كل تصرفاته تسعى نحو هدف واحد، ألا وهو أن يحافظ على نفسه، فقد وافق على استخدام الميليشيات المدعومة إيرانياً للجنوب السوري كمنصة لإطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل، على الرغم من أن وضع جيشه لا يسمح له المشاركة في خوض أي قتال معها كما أن أجهزته الأمنية مخترقة من المخابرات الإسرائيلية، ولذلك فإنه يعرض نفسه لخطر الوقوع ضحية لهجوم إسرائيلي أكبر يمكن أن يقضي على نظامه. وهذا هو السبب الذي جعله يلوذ بالصمت بشأن غزة وقد بات هذا الأمر واضحاً للعيان، إذ حتى في الوقت الذي يوجه انتقاداته لإسرائيل، تبين أنه لم يغفر أبداً لحماس على انحيازها للثورة السورية.

فرصة تلوح أمام الأسد

والآن، يحاول الأسد اغتنام فرصة في خضم عملية إعادة ضبط موازين المنطقة التي تجري على قدم وساق في الوقت الراهن، إذ أحس بضغط شديد وخزي كبير بسبب اعتماده على حزب الله وإيران، على الرغم من أنه في السابق كان يعتبر حسن نصر الله أستاذاً وحزب الله مصدراً للشرعية الإقليمية. بيد أن الغريب الآن هو أنه لم يصدر بيانه المترع بوصف شاعري إلا بعد مرور يومين على اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله، ويمكن تلخيص الرسالة التي وجهها من خلف خطابه الشعري بالآتي: "شكراً لك على خدماتك يا نصر الله، سررنا بمعرفتك، ومع السلامة".

يعتقد الأسد بأن الضعف إن اعترى إيران وحزب الله فهذا سيتيح له الاعتماد بصورة أكبر على روسيا مع مغازلة الخليج وغيره من الدول العربية، إذ بما أنه يسعى للحصول على تمويل وللتمتع بالاحترام على الساحة السياسية، لذا فهو ينظر إلى موسكو باعتبارها خير من يقف ضد النفوذ الغربي، كما أنها الدولة التي ستسهل أمور تقاربه مع تركيا، إلى جانب تسريع عودته إلى حضن العرب، ولهذا السبب تهللت أساريره أثناء حضوره لمؤتمر الرياض الساعي لإقامة دولة فلسطينية خلال الأسبوع الفائت، كما سر أيما سرور عند لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان له الفضل بإنهاء عزلته عندما دعاه للعودة إلى الجامعة العربية في عام 2023.

صار للمحاولات الساعية لإعادة تأهيل الأسد أهمية كبيرة، وهذا ما دفع عدداً من الدول الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا وهنغاريا واليونان إلى السعي للتخلي عن سياسة العزلة الحالية المطبقة عليه، وذلك لأن هذه الدول ترغب بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم على الرغم من عدم استعداد النظام لإقامة مصالحة حقيقية. بيد أن هذه الدول تأمل أن يتحقق ذلك مقابل الدعم المالي والغطاء السياسي الذي ستقدمه للأسد والذي بدوره سيسمح بعودة أعداد غفيرة من اللاجئين الذين يعيشون ليس فقط في أوروبا بل أيضاً في الأردن ولبنان وتركيا.

لكن هذه التوقعات أتت في غير محلها، إذ بالنسبة للأسد أصبحت المفاوضات على نشر الأمن وعودة اللاجئين ووقف تصدير المخدرات مجرد وسائل لتوريط حكومات الدول الأجنبية في عمليات طويلة الأمد يقوم خلالها الطرف الآخر بدفع المال وتقديم تنازلات في الوقت الذي يتحدث فيه الأسد من دون أن يتنازل عن أي شيء. كما يتمنى الأسد من إدارة ترامب المقبلة أن تسحب قواتها من سوريا وأن ترفع العقوبات الخانقة عنه من دون أن تفرض عليه الخوض في أي عملية سياسية.

أبدت تركيا اهتمامها بالتطبيع مع الأسد، لكنه طالبها بسحب قواتها من الشمال السوري قبل كل شيء، وهذا ما لن تتقبله أنقرة في الوقت الحالي، كما قد يستفيد الأسد من الأزمة في لبنان في حال أدخلته روسيا بصفقة إقليمية لإنهاء الحرب هناك، ولكن الأسد، بالرغم من كل ذلك لن ينفصل عن إيران، إذ في خضم ساعة الخطر العصيبة التي يشهدها اليوم، لأن حساباته تشير إلى أن طهران باتت بحاجته أكثر مما هو بحاجتها.

لطالما اعتبر الأسد تقديمه لتنازلات بمثابة علامة على الضعف، لذا فمن الأفضل له بوجهة نظره أن يبقى راسخاً وثابتاً في مكانه وأن ينتظر حتى تتغير الظروف، ولعله لم يتوقع تحولاً كبيراً كالذي يحدث اليوم، أي إنه ما يزال بوسعه تحقيق ما يريده، وإلا فإنه سيخسر كل شيء.

 

المصدر: The Financial Times