فارس الحلو وخروجنا عن النصوص

2021.03.26 | 07:00 دمشق

fareshelouonskypewithactivistsinsyriaacomedianramifarah_926994.jpg
+A
حجم الخط
-A

أتيح لي أن أشاهد، قبل أيام، الفيلم التسجيلي "فارس الحلو.. حكاية ممثل خرج عن النص" الذي أخرجه رامي فرح، ويرصد فيه وقوف الفنان فارس الحلو في صف الثورة على نظام حافظ الأسد الديكتاتوري الوراثي، منذ بداياتها في آذار 2011.

فكرة الفيلم نشأت حينما بدأ رامي فرح يرصد، بالكاميرا، تحركات فارس الحلو الثورية أولاً بأول، ويأخذ منه أحاديث لها علاقة بما يجري على الأرض.. وفي آخر تصريح لفارس في خاتمة الفيلم يؤكد أن النظام سيسقط.   

مشاهدة الفيلم، ومناسبة مرور عشر سنوات على انطلاق الثورة، جعلتا سيلاً من المشاهد والذكريات والأفكار تتدفق إلى ساحة شعوري، أحاول الآن ترتيبها، لئلا نضيع، القارئُ الكريم وأنا، في الزحمة..

أولاً- أقول، لمن لا يعرف: إن فارس الحلو فنان مصنف في فئة النجوم، بدأ بتشكيل نجوميته في أواخر الثمانينات، منطلقاً من المسرح، وقد شاهدتُه بين أبطال مسرحية "سكان الكهف" التي اقتبسها المخرج المبدع المرحوم فواز الساجر (1948- 1988) عن الكاتب الأميركي وليم سارويان وقدمها في دمشق قبل وفاته بقليل، وهي من بطولة: غسان مسعود، دلع الرحبي، أمل حويجة، فارس الحلو، جهاد عبدو، مروان فرحات، ماهر صليبي، محمد إدريس.

ثانياً- كانت لي مع فارس تجربة أدت إلى نشوء صداقة حميمة بيننا، إذ لعب دور البطولة في فيلم "العاشق" الذي كتبتُه عن قصة للأديب السوري الحلبي "أديب النحوي"، وأخرجه الفنان حسن عويتي، وحاز في سنة 1998، على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة للتلفزيون.

ثالثاً- في مقابلة أجرتها "فرانس 24" مع فارس الحلو، ينبه إلى أن السوريين الذين خرجوا من سوريا ليسوا ضحايا حرب، كما يصورهم الإعلام الغربي، بل هم ناجون، كان منهم معتقلون أطلق سراحهم، وخرجوا، ونجوا، وآخرون لم يقعوا في الاعتقال، لدى النظام، أو لدى التنظيمات المتطرفة، فهم، أيضاً، ناجون.. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة "ناجون" كانت صاحبة فكرة إقامة تمثال شاهق لرأس شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري، بارتفاع قدره 325 سنتيمتراً، على أن يودع في إحدى الدول الأوروبية، باريس ربما، تمهيداً لنقله إلى المعرة بعدما تتحرر سوريا من سلطة الأسد الاستبدادية، وقد أبدع الفنان عاصم الباشا في إبداع التمثال.. وهو مهدى إلى المعتقلين والمُغيّبين قسرياً في سوريا.

رابعاً- يجدر بنا نحن الناجين من محارق نظام الأسد أن نوجه تحية خاصة لفارس الحلو وأمثاله من نجوم الدراما الذين سجلوا موقفاً أخلاقياً استثنائياً في وقوفهم في صف الشعب المنتفض، وإصرارهم على الاستمرار في الثورة رغم تقادم الزمن.

خامساً- يجدر بنا، بعد كل هذا الزمن، وكل تلك الضحايا والخسائر، أن نقف في وجه طابع القدسية الذي يحاول بعضُ الثائرين فرضه على الثورة بالقوة، بل بـ "السفاهة"، فهم يتربصون لكل ذي رأي مختلف عن آرائهم الدوائر، وبمجرد ما يدلي المختلفُ برأيه يسارعون إلى مهاجمته، ومماحكته على نحو استفزازي حتى يضطر لأن يحذف "البوست" أو "التويتة" التي تضمنت رأيه، مذكرين إيانا بالبيانات العسكرية التي كانت تصدر في سنة 1967 وتقول إن دفاعاتنا الجوية تصدت للطائرات المغيرة وأجبرتها على الفرار!

سادساً- إن إلصاق صفة القدسية بالثورة ليس عملاً صحيحاً، لا بل إنه ضار جداً، ففي هذه الحالة تستنقع الثورة، ولا يجرؤ أحد على ذكر عيوبها وأخطائها، وتُمنى، من ثم، بمزيد من الهزائم.

أول العيوب التي التصقت بالثورة، كما يعتقد محسوبكم، النظرةُ الثنائية إلى الأشخاص والظواهر والمشكلات، فنحن، منذ بضعة عقود من الزمان، نصنف الناس في زمرتين لا ثالث لهما، فالمرء؛ إذا لم يكن متديناً متبنياً الإسلام السياسي، فهو ملحد، مع أنه قد لا يكون ملحداً بالفعل.. والقومي نقيضُه الشعوبي، والرجعي نقيضه التقدمي، ومن لم يكن معك فهو ضدك بالضرورة..

ومن نتائج الثنائيات المضللة قد تزوغ أبصارنا عن وجود كتلة ضخمة من الشعب السوري لم تقف مع الثورة، ولكنها ليست في صف النظام، ومن الغرابة بمكان أن النظام وبعض الثوريين والمعارضين، كلاهما يتهمان تلك الكتلة بالتخاذل! 

سابعاً- يمكننا، في هذا السياق أن نطرح سؤالاً، على سبيل المناقشة، هو: لو قال بشار الأسد إنه سيجري انعطافة هائلة في حكمه، وسيقيم في سوريا، بعد تجديد انتخابه لفترة رئاسية جديدة، نظاماً ديمقراطياً لا يوجد له مثيل في العالم، أو أنه سيستقيل من منصبه، ليحقن دماء الشعب السوري، ويقدم نفسه لمحكمة سورية، ويعترف بجرائمه وسرقة أموال الشعب، هل تصدقه؟

الجواب: لا يستحق سؤال كهذا أن نجيب عنه بمنتهى الجد، بل يجب مقابلته بالسخرية والاستهزاء، إذ لا يوجد طفل صغير لا يعرف أن بشار الأسد كاذب، ولا يمكن لمن قتل مليون إنسان لأجل تثبيت حكمه، وهدم ربع البلاد، أن يكون ديمقراطياً.. مناصروه يعلمون، كذلك، أنه كاذب، ولكنهم يسكتون عن هذا ويخرجون إلى الأزقة، ويهتفون له بالروح والدم.

هذا يقودنا إلى سؤال ثان، هو: ولكن، لو قال بشار الأسد إن وضع سوريا الآن سيئ جداً، وإنها تحتاج إلى خمسمئة مليار دولار، ونصف قرن من الزمان لكي تتعافى، هل يمكننا أن نقول إنه كاذب؟

جواب: نحن نعلم أن كلامه هذه المرة صحيح، ولكن الغضب والقهر والآلام التي يكابدها قسم كبير من الشعب السوري يدفعنا لتكذيب حتى الحقائق التي يتلفظ بها هذا القاتل المهووس.

نصل هنا إلى السؤال الثالث، وهو: ألم نرتكب مغالطة كبيرة حينما كذبنا الأسد بعواطفنا وليس بعقولنا؟

الجواب: بلى.

ومن هنا، أقول، أنا محسوبكم كاتب هذه الأسطر، إن الثورة، إذا أردنا لها الاستمرار، والوصول إلى بناء دولة ديمقراطية متطورة، يجب أن تبدأ من هنا: من العقل.