"فاتح" سفينة الأمل والفرص

2020.08.23 | 00:01 دمشق

20200821_2_43990200_57565270.jpg
+A
حجم الخط
-A

البشرى التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة المنصرم حول اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر الأسود باحتياطي يقدر بنحو 320 مليار متر مكعب مع كميات قابلة للارتفاع تعطي تركيا الفرصة التاريخية لإعادة التموضع الاستراتيجي داخليا وخارجيا.

أملنا كان أن تصدق معلومات إحدى وكالات الأنباء العالمية التي بالغت في رفع سقف التوقعات وهي تقول أن البشرى التي سيزفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى شعبه هي العثور على 28 مليار طن من الغاز الطبيعي العالي الجودة في مياه البحر الأسود، وأن هذه الكميات التي عثر عليها في مكعب " تونا – 1 المثلث الاستراتيجي الذي يجمع المياه التركية والبلغارية والرومانية ستسد احتياجات البلاد لمدة 20 عاما لكن يبدو أنه على تركيا الانتظار لبعض الوقت الإضافي.

سفينة التنقيب " فاتح " ستواصل أعمالها مع سفن تركية أخرى بصناعة وطنية تتجول في شرق المتوسط والبحر الأسود وبحر مرمرة. وحكومة العدالة والتنمية تريد أن تصل الى مرتبة الاستقلال في مجال الطاقة كما يقول نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي والانتقال بالبلاد من مرحلة إلى أخرى مع بداية العام 2023 المئوية الجديدة لإعلان الجمهورية التركية .

رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، أوجز الهدف الأول والأقرب لتركيا بقوله إن الطاقة في مقدمة الواردات التركية، التي تصل قيمتها إلى مبالغ خيالية وهذا الاكتشاف سيفسح الطريق أمام تركيا للاكتفاء الذاتي، وبالتالي توفير جزء كبير من ميزانيتها المخصصة لاستيراد الغاز واستخدامها في أماكن أخرى .

 

كثير من التقارير والأبحاث العلمية تعتبر تركيا بين الدول الغنية بالمعادن مثل اليورانيوم والكروم والبور والنحاس والفحم لكن مشكلتها كانت مع النفط والغاز لذلك بدأت في الأعوام الأخيرة بالبحث عن الطاقة البديلة وإطلاق المشاريع الاستراتيجية البعيدة المدى في هذا المجال. المسار قد يتشعب ويتنوع بعد اكتشاف السفينة فاتح الأخير في عمق البحر الأسود.

سفينة الفاتح قامت بتسع عمليات تنقيب، ووصلنا اليوم إلى الثمرة. البعض يقوم بعشرات التجارب والاختبارات دون نتيجة. تركيا نفسها راهنت على أكبر الشركات العالمية التي نقبت عن الطاقة لصالحها ولسنوات طويلة وعادت بيد فارغة دون أن نعرف إذا ما كانت متعمدة أم لا.

لا تفاصيل بعد لكن أنقرة تقول إن عواصم أوروبية حاولت عرقلة عمليات التنقيب من خلال التضييق على مواطنين لها يتعاونون مع الأتراك. فتخلوا عن جنسياتهم واختاروا المواطنة التركية لمواصلة ما بدؤوا به وهم اليوم يتقاسمون الفرحة جنبا إلى جنب مع فريق العمل على متن السفينة فاتح.

بدء الإنتاج سيستغرق 3 سنوات، وتكاليف الاستثمار تتراوح بين ملياروملياري دولار. لكن المهمة نفذت هذه المرة بإمكانات وطاقات وطنية تركية. كيف ستتم عملية النقل من مسافة تبعد حوالي 150 كلم عن اليابسة التركية. أولا عمليات الحفر ثم تحديد خطط النقل والاستخدام.

فرحة اليوم حملها للأتراك السفينة " فاتح " واحدة من أحدث 5 سفن تنقيب في العالم والتي توغلت في عمق البحر الأسود قبل أسابيع للمساهمة في عمليات التنقيب عن الطاقة. وكذلك أسطول صغير من السفن الأخرى وكلها بصناعة محلية تتنقل بين شرق المتوسط والبحر الأسود. ثم إصرار الأتراك على مواصلة البحث عن الطاقة رغم فشل العديد من الشركات العالمية في  مهامها وانسحابها من المشهد.

 وكون تركيا قامت بخفض تكاليف البحث والتنقيب بشكل كبير من خلال الاعتماد على إمكاناتها الخاصة وتحقيق اكتشافات بقدراتها الوطنية .

صوت الشارع التركي كان موحدا قبل يومين وهو يهتف مرحبا بالمفاجأة : السفن لنا والتنقيب هو في مياهنا ومن يقوم بذلك هم الخبراء والمهندسون الأتراك.

الاكتشاف سيقود أنقرة نحو تسريع خطط التحرر من قيود الطاقة التي تستوردها سنويا بمليارات الأمتار المكعبة وتكبل يدها بتحويل مليارات الدولارت لشراء هذه المادة التي لا تنتج البلاد سوى 6 بالمئة مما تستهلكه. لذلك سمعنا وزير المالية براءت ألبيرق يتحدث عن محور ومسار جديدين بالنسبة لتركيا بعد الآن.

الاكتشاف أيضا سيعزز حتما من فرص وحظوظ العدالة والتنمية في الحكم واسترداد ما خسره في العامين الأخيرين خصوصا إذا ما نجح في مواصلة ما بدأه قبل سنوات في مجال التنقيب عن الطاقة وتنويع مصادرها كمادة حيوية أساسية تحتاجها تركيا. ومهمة المعارضة ستزداد صعوبة وتعقيدا في المرحلة المقبلة خصوصا وأنها ماضية في طريق التفكك والتشرذم الحزبي والسياسية الداخلي.

الخطأ الاستراتيجي الذي قد يرتكبه حزب العدالة هو في محاولة تجيير هذا الاكتشاف في خدمة انتخابات مبكرة على الطريقة الكلاسيكية المعروفة اكتشفنا الطاقة وعليكم دعمنا لاستخراجها واستخدامها. الحزب الحاكم في السلطة لا منافس حقيقيا له اليوم حسب استطلاعات الرأي وهناك حزب الحركة القومية الذي يدعمه من الخارج فلماذا يغامر بالذهاب إلى الصناديق ويخسر أكثر من عامين متبقية له في الحكم ويحمل المواطن مليارات الليرات أعباء مادية مكلفة لتجهيز الصناديق في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟

ينقل البعض عن الرئيس التركي الأسبق عصمت إينونو القيادي التاريخي في حروب الاستقلال جنبا إلى جنب مع أتاتورك أنه قفز في الهواء من فرحته عندما وصله نبأ العثور على النفط في جنوب شرق تركيا في الخمسينيات. لا نعرف كيف ترجم أردوغان فرحته لكننا نعرف أنه كان يحتاج إلى بشرى من هذا النوع  ترفع المعنويات في مثل الآونة تحديدا.

كلمات مفتاحية