غيظ روسي من إسرائيل.. جد هتلر والحرب النووية والمحرقة

2022.05.11 | 06:45 دمشق

bynyt-bwtyn-2-scaled.jpg
+A
حجم الخط
-A

كشفت الحرب الأوكرانية مجموعة من المواقف لا سابق لها ربما في تاريخ إسرائيل، فلأول مرة تتوتر العلاقات بينها من جهة، وبين أميركا وبين روسيا من جهة ثانية، كل على حدة، في نفس الوقت، ولولا العلاقات الجذرية العضوية بين إسرائيل وأميركا لأنزل الإسرائيليون علم أميركا من على جدران القدس، كما فعلوا مع العلمين الروسي والأوكراني مؤخرا!

ترتبط إسرائيل بروسيا باتفاقية تضمن فيها روسيا منع أي هجوم إيراني من الأراضي السورية على إسرائيل، وهو أمر استراتيجي بالنسبة للأخيرة..

موقف إسرائيل المنحاز لروسيا كشف عنه السفير الأوكراني في إسرائيل قبل شهرين في تصريح يقول فيه رداً على وزير الخارجية الإسرائيلي لبيد "من العار أن السيد لبيد لم يلحظ حالة الحرب التي تمر بها بلدان وسط أوروبا مع روسيا منذ ثمانية أعوام على الأقل، كان يمكن لأوكرانيا أن تتفهم محاولات إسرائيل للوقوف على الحياد في الحرب الأوكرانية - الروسية، ولكن ليس من المقبول أن يتبنى وزير الخارجية الإسرائيلي الدعاية الروسية التي تقوم على إنكار العدوان الروسي على الأراضي الأوكرانية".

لكن إسرائيل اضطرت بسبب ضغط أميركي لتغيير موقفها الداعم لروسيا، أو على الأقل المنحاز لها طوال السنوات السابقة، فطالما أن اسرائيل مخيرة بين أميركا وروسيا فسوف تختار أميركا بلا شك.

ما يؤكد ذلك تصريح لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قال فيه: "إذا نظرت إسرائيل إلى الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا كصراع ثنائي وفقط، فإنها حتماً ستنحاز لروسيا" أي أنها لن تنحاز لأوكرانيا رغم أن رئيسها يهودي.. ويتابع المسؤول الإسرائيلي: "ولكن إذا كان على إسرائيل أن تختار بين روسيا والولايات المتحدة (إذا ما طلبت الأخيرة من إسرائيل إدانة السياسة الروسية حيال أوكرانيا) فإن إسرائيل ستنحاز حتماً للولايات المتحدة".

أوضح لمحاوره الذي استغرب الجمع بين يهودية الرئيس الأوكراني وسياسته "النازية" أن أكثر المعادين لليهود كانوا يهوداً بدليل أن أدولف هتلر الزعيم النازي ينحدر من جد يهودي..

كأن الجميع ذاهب بخطى واثقة نحو حرب عالمية لو وقعت "لن تكون إلا حربا نووية" بحسب تصريح حديث لوزير الخارجية الروسي لافروف إلى إحدى القنوات الإعلامية.. ومدار الجدل في تصريح المسؤول الروسي الرفيع ليس تحذيره المبطن للغرب من حرب نووية في حال وقعت حرب عالمية بل في قوله إن روسيا تكافح النازية في أوكرانيا وفي قوله تحديداً إن كون الرئيس الأوكراني يعتنق اليهودية لا يمنعه من أن يكون نازياً.

تصريح لافروف لم يقتصر على ذلك بل هو أوضح لمحاوره الذي استغرب الجمع بين يهودية الرئيس الأوكراني وسياسته "النازية" أن أكثر المعادين لليهود كانوا يهوداً بدليل أن أدولف هتلر الزعيم النازي ينحدر من جد يهودي..

تصريح لافروف لاقى استهجان جهات في إسرائيل ومنظمات يهودية، بالطبع وهو استهجان متوقع باعتبار إسرائيل تقدم نفسها كمرجع حصري لكل ما يتعلق باليهود وهي المعنية بالممارسات النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

والحقيقة أن ما تقدم من تصريحات يعدّ ربّما ذروة المواقف الروسية ضد إسرائيل بسبب تراجعها عن دعمها لروسيا أولا ومن ثم تراجعها عن الحياد في حرب أوكرانيا لاحقا، وأخيرا انحيازها لأميركا في أوكرانيا، وأكثر من ذلك بسبب العلاقات العميقة بين روسيا وإسرائيل في سوريا.

فليس من المفهوم بالنسبة للروس وفي ضوء هذه العلاقات، كيف أن إسرائيل تختار الانحياز للجانب الأميركي وهو أمر يغيظ بلا شك الرئيس الروسي بوتين، ما دعاه قبل أسبوع من الآن لتوجيه رسالة حادة إلى السلطات الإسرائيلية لرفع يدها "فورا" عن كنيسة أرثوذكسية في القدس، وهو أمر ربما تستجيب له إسرائيل رغم قرار قضائي سابق عدَّ الكنيسة ملكا لإسرائيل.

وعلى الرغم من موقف إسرائيل الذي بدا محايدا من حرب أوكرانيا أول الأمر، وحرص إسرائيل على عدم إغضاب روسيا بسبب الشراكة بينهما في الملف السوري، وعلى الرغم من تصريحات عنيفة من مسؤولين في الحكومة والكنيست الإسرائيليين اتهموا فيها الرئيس الأوكراني بارتكابه "خطيئة لا تغتفر" حين قارن في خطاب متلفز موجه إلى الكنيست الإسرائيلي بين آلام الأوكرانيين وآلام اليهود في الحرب العالمية الثانية، وقال فيه إن الأوكرانيين ساعدوا اليهود في الحرب، وبالتالي كما يفهم من كلامه، فقد جاء دور إسرائيل - باعتبارها الممثلة الحصرية لليهود - لمساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وبالفعل فقد طلب الرئيس الأوكراني في خطابه المتلفز من إسرائيل تزويد أوكرانيا بالسلاح، الأمر الذي رفضه الإسرائيليون.

فما هو السر في كلام لافروف حول اليهود والنازية؟ هل قامت إسرائيل بتزويد أوكرانيا بالسلاح؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا تسمح لها روسيا بالاستمرار في طلعاتها الجوية فوق الأراضي السورية؟ أم إن الملف السوري مسألة قائمة بذاتها لا تتأثر بملفات أخرى.

تنحاز إسرائيل شكليا لأوكرانيا بسبب طلب أميركي بينما تبقى عمليا على اتفاقها الاستراتيجي مع روسيا في سوريا وهو الأهم بالنسبة له

موقف لافروف على الأغلب يتعلق بمجموعة إسرائيلية صغيرة انضمت إلى المقاتلين ضد روسيا في أوكرانيا وعلى الأغلب فإن هذه المشاركة الإسرائيلية الرمزية تمت بطلب أميركي. فلا يعقل أن تحشد أميركا وأوروبا قوات من كل مكان ضد روسيا وتبقى إسرائيل على الحياد.

هكذا تنحاز إسرائيل شكليا لأوكرانيا بسبب طلب أميركي في حين تبقى عمليا على اتفاقها الاستراتيجي مع روسيا في سوريا وهو الأهم بالنسبة لها، وحتى الآن لم يظهر على السطح أي تعديل روسي على هذا الاتفاق، وربما تكون تصريحات لافروف مجرد لفت انتباه لإسرائيل، لكن ما إن تشن مجموعة مجهولة ما هجوماً من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل حتى يكون على إسرائيل التخلي عن موقفها السياسي المنحاز لأميركا في أوكرانيا.. ولو شكليا فقط.