icon
التغطية الحية

غلاء وتفاوت أسعار.. عجز يلاحق المحرومين من "البطاقة الذكية" في سوريا

2022.09.11 | 06:10 دمشق

1
طوابير بشرية أمام أحد الأفران في العاصمة دمشق - تويتر
+A
حجم الخط
-A

انقسم السوريون، منذ إطلاق برنامج "البطاقة الذكية عام 2018، إلى فئتين، واحدة "مدعومة" شملت ملّاك الدفاتر العائلية، وأخرى "محرومة" أو كما يُطلق عليها إعلام النظام السوري "غير مدعومة" تشمل العازبين وفئة الشباب.

النظام لم يكتف بالتمييز بين فئتين فحسب بل عاد ووسّع النطاق ليحرم فئات أخرى "تبعاً لممتلكاتهم ووظائفهم"، وهو ما خلق هوّة في المصاريف بين المواطنين، فكيف يعيش المحرومون من البطاقة، وهل حيازتهم لها تشكّل فارقاً فعلاً؟

الشباب والمعيشة في مناطق النظام السوري

منى، طالبة بكلية الهندسة المعلوماتية في دمشق تقول: "لا أمتلك بطاقة ذكية لأنني عزباء أدرس في الجامعة وأعيش وحدي في غرفة بمنطقة باب توما، أعمل بعد الظهر في مقهى لتسديد مصاريفي التي تبلغ شهرياً، وباقتصاد شديد، خمسمئة ألف ليرة".

إلى جانب اضطرار معظم الشباب السوري لاستئجار منزل بسبب مكان دراستهم أو عملهم، تشكّل المصاريف المعيشية عبئاً كبيراً مع مصاريف جامعاتهم، لا يستطيع هؤلاء تأمين المواد التموينية الأساسية بسعر معقول بسبب حرمانهم من "البطاقة الذكية"، ما يضطرهم لشراء هذه المواد بسعر أعلى.

تتابع منى: "يبلغ سعر كيلو السكر اليوم 6 آلاف ليرة والأرز يختلف سعره بحسب جودته ونوعه ولكنه لا يقل عن 5 آلاف ليرة، ولا يمكننا الاعتماد في معيشتنا على نوع واحد أو نوعين والأسعار المرتفعة تنطبق على جميع المواد".

هناك فرق واضح في أسعار المواد التي تباع عبر "البطاقة الذكية" وسعرها في السوق الحر، فمواد مثل الأرز والسكر تباع عبر البطاقة بـ 1000 ليرة للكيلو الواحد، بينما يبلغ سعر السكر 6 آلاف وهو في ازدياد مستمر، تختفي مادة السكر بين حين وآخر من الأسواق ويصبح بيعها مخالفاً من دون معرفة السبب ثم يبدأ سعرها بالارتفاع تدريجياً، في حين أن الأرز يباع بـ 4 آلاف للكيلو الواحد من النوع الأقل جودة، ويزداد سعر كيلو الأرز الطويل ليصل إلى نحو 10 آلاف ليرة.

خبز "المحرومين" بثلاثة أضعاف

ينطبق الأمر ذاته على مادة الخبز، إذ يبلغ سعر الربطة التي تحوي 14 رغيفاً عند الحاصلين على البطاقة الذكية 400 ليرة سورية، في حين تباع نفسها من قبل بعضهم "للمحرومين" بـ 3 آلاف ليرة، في حين يصل سعر ربطة الخبز السياحي إلى 3800 ليرة للكبيرة، و2000 ليرة للربطة الصغيرة.

"محمود" شاب يعيش وحده يتحدث عن مصاريفه الشهرية ضمن الأسعار الحالية للمواد الغذائية يقول: "شهرياً أحتاج لما يقارب الستين ألف ليرة فقط لشراء مادة الخبز، أشتري القليل من المواد الغذائية متبعاً نظاماً اقتصادياً مقنناً كي يكفيني راتبي، ومع ذلك تصل مصاريفي إلى أكثر من نصف مليون ليرة شهرياً، أقضي أياماً كثيرة وأنا أتناول نوعاً واحداً من الطعام، لم يعد بمقدورنا شراء مواد مختلفة واستغنينا عن كثير من الأشياء لينتهي الشهر من دون معاناة".

حال محمود كحال معظم الشباب وحتى العائلات، "فالبطاقة الذكية" بالرغم من أنها كانت تعتبر حلاً في بداية إطلاقها فإنها بدأت تشكل أزمة للمواطنين، فالمواد الغذائية والمحروقات أصبحت لا توزع إلا كل 3 أو 4 أشهر، وهذا يجعل الغالبية يضطرون لشراء المواد بالسعر الحر، جرة الغاز التي لا تكفي لأكثر من شهر تباع عبر البطاقة بـ 11500 ليرة، في حين تباع في السوق الحرة بـ 150 ألفاً.

خطوات لإلغاء الدعم

لا يشكل دعم المواد التموينية والمحروقات حلاً للأزمة المعيشية في سوريا، في الوقت الذي يحصل كل فرد في العائلة على 2 كيلو غرام من كل مادة، وهي كمية لا تكفي إذا ما قارناها بالمدة الزمنية الفاصلة بين فترات توزيع هذه المواد، إلا أن ذلك يساعد قليلاً ضمن الظروف المعيشية الصعبة.

الأسعار في ارتفاع مستمر والشرخ بين سعر المواد التموينية المدعومة والحرة كبير، ومع القرارات التي تصدر بين فترة وأخرى، إما لرفع أسعار المواد المدعومة أو لتمديد فترات توزيعها أكثر، يظهر العجز الاقتصادي لدى حكومة النظام، إذ كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن احتمالية إلغاء الدعم بشكل كامل، خاصة مع الزيادة المستمرة لأسعار المحروقات والخبز.

وكان قد صدر أخيراً تصريح عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حول مناقشة لإصدار "بطاقة ذكية" للعازبين والطلاب تمكنهم من شراء مادة الخبز فقط بالسعر المدعوم مستثنية باقي المواد التموينية.

رفع الدعم عن فئات مختلفة من المواطنين

لا ينطبق هذا فقط على الشباب والعازبين، بل ينطبق أيضاً على الفئات التي حرمت من الدعم تبعاً لشروط محددة كأن يكون طبيباً أو مهندساً نقابياً لعشر سنوات أو لامتلاك سيارة إصدار 2008 وما بعد، أو أن يكون لديه سجلات عقارية أو تجارية أو إذا كان مغترباً خارج البلاد وغيرها من الأسباب والتي يرى كثيرون بأنها "غير عادلة"، فالكثير من هؤلاء لا يكفي دخلهم لشراء المواد بسعر السوق خاصة أن بعض العائلات كبيرة العدد.

من جهة ثانية لا يفكر طلاب الجامعات أو الشباب العازبون بالجزء المتعلق بالمحروقات نهائياً، فهمهم الأساسي هو الحصول على الخبز وبعض المواد الغذائية.

يقول "رستم" الذي يشارك صديقه منزلاً في أحد أحياء العاصمة: "نعتمد على السخانات الكهربائية لصناعة الطعام والمشروبات، وبيننا اتفاق مسبق على أن يقوم أحدنا يومياً بانتظار الكهرباء لتحضير الطعام فيما يتم الآخر مهامه".

"لا يمكننا شراء الغاز بالسعر الحر، ولم نفكر إطلاقاً بشراء المازوت للشتاء، فهذه المواد الحصول عليها يكلف كثيراً، نعتمد على الكهرباء رغم أنها لا تأتي نهاراً سوى ثلاث ساعات".