icon
التغطية الحية

غلاء مستمر.. هل يمكن حل أزمة إيجارات المنازل شمالي سوريا عبر مشاريع تقسيطية؟

2021.11.10 | 05:12 دمشق

dji_0633.jpg
"تجمع عطاء السكني الثالث" في منطقة جرابلس بريف حلب الشرقي
حلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

يعاني المهجرون والنازحون في شمال غربي سوريا من صعوبة بالغة في تأمين إيجارات المنازل شهرياً، لعدم انتظام الدخل لدى الغالبية منهم، وقلة فرص العمل، وضعف أجور العاملين، مقارنة بإيجار المنزل، الذي يتراوح بمعدل وسطي بين 75 و 125 دولاراً.

ومما زاد الطين بلة انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، ما يعني أن العامل الذي يتقاضى أجره بالليرة التركية، سيتعين عليه العمل بشكل مضاعف، لتأمين إيجار المنزل بالدولار.

وفشلت الجهات الحكومية والمجالس المحلية في وضع قوانين جديّة لحل مشكلة ارتفاع الإيجارات، ما جعل النازحين مهددين بإخلاء المنازل، إذا تخلّفوا - لظروف قاهرة - عن دفع الإيجار. لذا فسيكون مصيرهم مثل مصير مليون و512 ألف شخص يعيشون في المخيمات شمال غربي سوريا، وفقاً لإحصائية صادرة عن "منسقو استجابة سوريا" في 29 من تشرين الأول الماضي.

العيش في منازل بالإيجار

الغالبية العظمى من النازحين والمهجرين يعيشون في منازل مقابل بدل نقدي شهري، يتراوح كما ذكرنا سابقاً بين 75 و 125 دولاراً.

قبل عام 2019 كان دفع إيجار المنزل ميسّراً ومقدوراً عليه خاصة في محافظة إدلب، لأن بعض مالكي المنازل كانوا يتقاضون الأجر بالليرة السورية، في حين كانت الإيجارات في مدن ريف حلب الشمالي مرتفعة مقارنة بإدلب، على اعتبار أنها مناطق أكثر أمناً واستقراراً من إدلب.

وفي منتصف عام 2019 بدأت الإيجارات بالارتفاع في مختلف مناطق شمال غربي سوريا، بسبب موجات النزوح والتهجير، بفعل العمليات العسكرية التي شنتها روسيا وميليشياتها.
وفتحت موجات التهجير، الباب أمام بعض أصحاب المكاتب العقارية، ومالكي المنازل لاستغلال النازحين، وطلب مبالغ خيالية مقابل البدل الشهري للمنزل، إلى أن وصل السعر أحياناً إلى 250 دولاراً، بشكل شهري، فضلاً عن المبلغ الإضافي الذي تتقاضاه المكاتب العقارية كـ "سمسرة".

واضطر معظم النازحين من أرياف إدلب وحماة وحلب لدفع هذه المبالغ، معتبرين أنها حلٌّ مؤقتٌ إلى حين العودة لمنازلهم، لكن ومع غياب أي أمل باسترجاع تلك المناطق من جانب الجيش التركي أو فصائل المعارضة، بعد عامين من سيطرة النظام عليها، بدأ المهجّرون بالبحث عن حلول بديلة.

ومما صعّب خيار العيش بالإيجار بالنسبة للنازحين، هو شرط تقاضي المبلغ بالدولار، في ظل تراجع قيمة العملة التركية، ما يعني أن الشخص الذي كان يدفع قبل أشهر 600 ليرة تركية (وتساوي في وقت سابق 100 دولار)، سيجبر على دفع نحو 1000 ليرة تركية الآن (وتساوي 100 دولار في الوقت الحالي).

العيش في شقة سكنية من عمل المنظمات

شرعت المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية بعد موجات التهجير الأخيرة، ببناء وحدات سكنية في المناطق الحدودية مع تركيا لإيواء قسم من النازحين فيها.

 

 

معظم الشقق تتألف من غرفتين ومطبخ صغير، بمساحة تبلغ نحو 32 متراً مربعاً، ومع التأكيد على أن العيش في هذه الشقق أفضل حالاً من العيش في الخيام، إلا أنها ليست حلاً مستداماً.

وغالباً ما تكون هذه الشقق، ضمن وحدة سكنية بعيدة عن مراكز المدن أو البلدات، ومعزولة عن محيطها، فضلاً عن التقارب بين الشقة والأخرى، وضيق مساحتها، ما يجعل خيار العيش فيها من قبل النازحين مستبعداً إذا ما توفرت السيولة المالية للاستئجار.

 

شراء منزل

تبقى نسبة الأشخاص الذين أقدموا على شراء المنازل قليلة جداً، بسبب أسعارها المرتفعة، ويقول محمد المعراوي المهجر من إدلب، إنه اشترى منزلاً في مدينة اعزاز شمالي حلب، بقيمة 13500 دولار، بعد أن اضطر لاستدانة نحو نصف المبلغ من أصدقائه خارج سوريا، على أمل التخلص من الضغط المادي إثر دفعه 100 دولار إيجار المنزل الذي كان يقطنه سابقاً.

وأضاف "المعراوي" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "دفعت كل ما أملك من أموال، واستدنت ضعفها من أجل شراء منزل أعيش فيه برفقة عائلتي، لكنني لست نادماً لأن الأموال التي استدنتها يمكن سدادها على المدى الطويل، وكأنني أدفع إيجار المنزل، ويصبح المنزل لي في النهاية، ولن تذهب الأموال سدى".

وتابع: "ترددت بدايةً بشراء المنزل، لأنني دفعت كل ما أملك، وخشيت أن يحدث أمر عسكري طارئ وأفقد منزلي مرة أخرى، كما تخوّفت من انسحاب الجيش التركي من سوريا في حال خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يعني أن المنطقة لن تبقى آمنة، لكنني عزمت أمري في الختام على الشراء".

مشروع لإنهاء معاناة المهجرين

طرح موقع تلفزيون سوريا على مديري منظمات إنسانية ومسؤولين محليين، مقترح مشروع لبناء منازل سكنية للمهجرين يمكن سداد ثمنها بالتقسيط الطويل الأمد.

ويتلخص المشروع بتعاون وتحالف المنظمات السورية المهتمة ببناء الوحدات السكنية، ووضع مخطط لبناء أبنية متوسطة الجودة، بالقرب من مراكز المدن والبلدات في الشمال السوري، ثم بيعها للنازحين من دون دفعة مسبقة، ويسدد المستفيدون من المشروع مبلغ 100 دولار شهرياً (المعدل الوسطي للإيجار الشهري في المنطقة)، إلى حين سداد سعر المنزل المتفق عليه.

ويمكن أن تفتتح المنظمات مشاريع متعددة من هذا النوع، وتستفيد من الأموال التي تحصل عليها (أقساط المنازل المباعة)، في تمويل المشاريع الجديدة، ما يعني أن تلك الجهات ستسترد أموالها بعد فترة من الزمن، وقد تكون طول مدة الاستيفاء من سلبيات المقترح.

ومن الممكن أن تضع المنظمات هامشاً بسيطاً للربح، مقابل أن تذهب هذه الأرباح لصالح بناء منازل مشابهة، وتسليمها مجاناً للنازحين غير القادرين على شراء منزل، أو دفع القسط الشهري المتفق عليه.

ومما يمكن أن يسهّل الأمر على النازحين، كلفة المنزل التي ستكون أقل من كلفة المنازل المعروضة في شركات البناء والمكاتب العقارية، لأن القائم على البناء، منظمات لا تسعى للربح أو التجارة، إنما حل مشكلة تتفاقم عاماً بعد عام.

آراء الجهات الحكومية والمنظمات.. وإمكانية التنفيذ

رحّب رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى بفكرة المشروع، وقال إنهم كلّفوا مديرية المشاريع في الحكومة قبل 8 أشهر، بإعداد دراسة فنية ومالية لمشروع بناء وحدات سكنية اقتصادية مناسبة وبأسعار الكلفة للنازحين.

وأوضح مصطفى في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن الحكومة أرسلت المقترح للعديد من "الدول الصديقة ولأصدقاء الشعب السوري من أجل تمويله كون الحكومة لا تملك إمكانات مالية ذاتية كافية، لكن ومع الأسف لم يلق المشروع دعماً من أي جهة رغم اهتمامهم وترحيبهم به"، مشيراً إلى أنهم يبحثون عن حلول بديلة وموارد لتنفيذ المشروع.

وأعرب مصطفى عن أن الحكومة منفتحة للتعاون مع المنظمات، ومن الممكن أن تساهم في إعفاءات جمركية لمواد البناء وتقديم الأراضي عن طريق المجالس المحلية بالمنطقة.

من جانبه قال رئيس قسم المأوى في فريق ملهم التطوعي المهندس براء بابولي: "صعب جداً تطبيق الفكرة بالوقت الراهن بالنسبة للفريق، بسبب المشاريع التي يتم تنفيذها حالياً".

وأضاف بابولي في حديث لموقع تلفزيون سوريا: "بالنسبة للمشاريع التي نعمل عليها حالياً، هي مشاريع وقف يتم استخدامها فقط لأغراض توفير مأوى مناسب وكريم للعوائل النازحة ولكن دون تمليك، إذ إن الشقق أو الوحدات السكنية التي نقوم بتنفيذها قائمة على تبرعات فردية غايتها الوقف، وبمشاريع الوقف لا تُملّك العائلة".

وأشار إلى إمكانية البدء بمشاريع مماثلة (تمليك)، ولكن من تبرعات الزكاة، حيث يمكن من خلالها تنفيذ مجمعات سكنية ثم تمليكها للمستفيد بعد الانتهاء من أعمال التنفيذ.

وتابع: "من جهتنا حالياً لا توجد موازنة لتنفيذ مثل هذه المشاريع السكنية والتي تعتبر بمثابة نظام الجمعيات التي تملك المستفيد عبر أقساط مريحة، ولكن هذا لا يمنع التفكير بها مستقبلاً".

وعن فكرة المشروع، قال المدير التنفيذي في منظمة بنفسج هشام ديراني، إن الفكرة ذكية ومهمة ونشجع عليها، مشيراً إلى بعض التحديات، وهي غياب الضامن سواء لحق المنتفع (النازح) أو صاحب المشروع، وغياب الإطار القانوني لضبط العملية التنظيمية للإنشاء وضمان الملكيات، إضافة إلى الفترة الزمنية الطويلة للسداد، وعدم استقرار النازح في مكان واحد.

وذكر في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن منظمة بنفسج تدعم الفكرة لكنها لا تضع ضمن خطتها الحالية إنشاء القرى، ومن الممكن البناء خلال العام المقبل، علماً أن أهم المتطلبات هي الدعم المادي.

أما مدير وحدة تنسيق الدعم، محمد حسنو، فقد أكد أن الفكرة من حيث المبدأ ممتازة، لكن الوحدة لا تركز على تنفيذ المشاريع، إنما على تقييم الاحتياجات ليستفيد المانحون من المعلومات المقدمة لهم، مشيراً إلى أنه سيطرح الفكرة للنقاش، كون المشروع سيكون أفضل من بناء العشوائيات التي تتم حالياً، من دون مراعاة المعايير الهندسية أو الاجتماعية.

بدوره أفاد المهندس سارية البيطار مدير مجموعة "هذه حياتي التطوعية"، بأن الفكرة ممتازة، لكنه اقترح أن لا يتم بيع المنازل، لأن المنظمات غير ربحية، ولأن الشريحة الكبرى من النازحين لا يملكون 100 دولار أو حتى 50 دولاراً.

خلاصة؛ رحبت معظم المنظمات الإنسانية بالمشروع، لكن العائق الأكبر أمام تنفيذه يتمثل بعدم توافر الأموال والمانحين، ورغم ذلك، لن يكون تنفيذه مستحيلاً إذا ما تعاونت المنظمات فيما بينها، ولقيت الدعم اللازم من المنظمات الدولية والجهات الحكومية، لا سيما الحكومة المؤقتة التي ذكرت أنها تسعى إلى تأمين الأموال للبدء بمثل هذه المشاريع.