غضب روسيا وعجز إيران يعجلان في سقوط الأسد

2020.05.01 | 00:04 دمشق

whatsapp_image_2020-04-30_at_17.34.47.jpeg
+A
حجم الخط
-A

بعد نجاته من السقوط في موجتي الربيع العربي الأولى والثانية باستخدام القمع والقوة ودعم حلفائه، تَشي الأوضاع الداخلية والدولية بأن نهاية نظام الأسد باتت وشيكة. وتتجمع مؤشرات أن فيروس كورونا يعمق جراح الاقتصاد السوري المنهك بعد سنوات الحرب الطويلة ما يفتح على حراك جديد بسبب الفقر والجوع في مناطق سيطرة النظام خاصة في ظل قناعة السوريين بعدم شفافية النظام في كشف حقيقة تفشي الوباء وعدم قدرته على مواجهته.

منذ بداية الثورة كررت موسكو أنها لا تتمسك بالأسد، وتكررت في الصحافة الروسية الانتقادات لرفض النظام القيام بالإصلاحات اللازمة لتلبية "المطالب المحقة" وطالبته بالانفتاح على "المعارضة الوطنية".

 ومع انتقال إسرائيل إلى هدف إخراج إيران من سوريا حتى نهاية العام الحالي بدلا من احتوائها وإبعادها عن الحدود، وعدم صدور موقف روسي صارم ضد الغارات يبدو أن الأسد سوف يخسر دعم إيران وميليشياتها العسكري. ومع تعمق أزمة الاقتصاد في جمهورية الملالي بسبب كورونا والعقوبات وتهاوي النفط سوف يُحرم النظام من سخاء طهران المالي. وبعد الهجمة المركزة من قبل الحليف الروسي على فساد الأسد وحاشيته إضافة إلى "صداع موسكو من عناد الأسد" وخشيتها من أسوأ أزمة اقتصادية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي يبدو أن موسكو باتت في أمسّ الحاجة إلى توافقات دولية لتسوية سياسية في سوريا تضمن بعضاً من مصالحها السياسية وتعويض خساراتها الاقتصادية ضمن صفقة أشمل ليس مهماً فيها استمرار بشار الأاسد في الحكم بعد 2021 من عدمه.    

رسائل موسكو

ومنذ منتصف الشهر الحالي كشفت الرسائل الصادرة عن وسائل الإعلام الروسية، وخبراء مقربين من الكرملين والخارجية عن نفاد صبر موسكو من فساد الأسد "الضعيف" وحاشيته. وأوضحت أن موسكو قدمت أقصى ما تستطيع منذ تدخلها العسكري في أيلول/ سبتمبر 2015، ومنحت النظام "إكسير الحياة" ودعمته سياسيا وديبلوماسيا، وحمته من العقوبات الدولية باستخدام حق النقض الفيتو 15 مرة منذ 2011، لكن الأوضاع تغيرت.

منذ بداية الثورة كررت موسكو أنها لا تتمسك بالأسد، وتكررت في الصحافة الروسية  الانتقادات لرفض النظام القيام بالإصلاحات اللازمة لتلبية "المطالب المحقة" وطالبته بالانفتاح على "المعارضة الوطنية"، لكن ما ميز الحملة الحالية هي توجيه الانتقاد إلى رأس النظام وعجزه عن محاربة الفساد المستشري في البلاد، ووصلت إلى وصف حياة البذخ التي يعيشها الأسد وصرفه على لوحات فنية بعشرات ملايين الدولارات لإرضاء زوجته مقابل حياة الجوع والعوز لمعظم السوريين. وواضح أن موسكو تعمدت إرسال إشارات حازمة للنظام بأنها لن تستطيع التغطية عليه طويلا، وللعالم بأنها غير متمسكة بالأسد وجاهزة لبحث خيارات أخرى مع الأطراف الفاعلة منذ الآن وحتى انتهاء فترة الرئاسة الحالية في 2021.  

وبعد تمكنها من مساعدة النظام على استعادة نحو 70 في المائة من الأراضي، تنطلق روسيا من أنها قدمت كل ما تملك، خاصة أن أي تقدم جديد على الأرض سوف يجعلها في مواجهة مباشرة مع تركيا التي تسيطر مع حلفائها على أجزاء واسعة في إدلب، ومناطق "غصن الزيتون" و"درع الفرات" إضافة إلى شريط بعمق نحو 30 كيلومترا بين رأس العين وتل أبيض شمالا وطريق الحسكة حلب "M4" جنوبا، كما أن أي تقدم باتجاه شرقي الفرات في المناطق الجنوبية يعني دخولها في صراع مع الولايات المتحدة التي اختارت البقاء لدعم حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في السيطرة على حقول النفط الرئيسة في البلاد.

حملة منظمة

وبعد تشكيك بأن الحملة المنظمة على فساد الأسد وحاشيته التي قادتها وسائل إعلام تابعة لإمبراطورية "طباخ بوتين" وممول مجموعات "فاغنر" للمرتزقة الروس لا تعبر بالضرورة عن تغير في الموقف الرسمي، تواصلت الحملة في الصحافة الروسية، لكن الأبرز هي الانتقادات الموجهة للأسد في مراكز بحثية ممولة من الكرملين والخارجية الروسية، وفي مقال أكاديمي منشور للسفير السابق في الجزائر ألكسندر أكسينيونوك (عمل ديبلوماسيا في ست دول عربية منها سوريا) ونائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية الذي يقدم استشارات لوزارة الخارجية، في موقع المجلس، وكذلك في موقع "فالداي" للحوار الذي أُسس بمبادرة من بوتين، يحضّ الكاتب النظام على الاستفادة من تراجع الأعمال القتالية في إدلب بعد الاتفاق الروسي التركي في 5 آذار/ مارس الماضي "كفرصة للتفكير الجاد حول مستقبل سوريا في ظروف تزايد عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث في عالم سريع التغير"، ويذهب إلى أن "القيادة السورية في دمشق، لا تميل -على ما يبدو- إلى إظهار البصيرة والمرونة والتعقل، وما زالت تراهن على حلّ عسكري، معوّلة على دعم الحلفاء وعلى مساعدات مالية واقتصادية غير مشروطة، كما كان الحال في الأيام الخوالي من المواجهة السوفييتية الأميركية في الشرق الأوسط". وشدد الديبلوماسي الروسي على أن "اختيار الأولويات له أهمية كبيرة"، محذراً من أن "التركيز على الجهود العسكرية المنهكة في الاتجاهين الشمالي الغربي والشرقي، محفوف بمخاطر الاشتباك المباشر مع تركيا أو الولايات المتحدة"، وخلص إلى أن "الحفاظ المؤقت على الوضع الراهن من أجل حل المهام الملحة للتنمية بعد الحرب، هو أمر حيوي لمعظم السكان". مشيرا إلى أن "البيئة العالمية المتغيرة تحدّ من قدرة حلفاء سوريا على تزويدها بالدعم المالي والاقتصادي الضروري" وزاد أن "الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبلدان الخليج العربي تشترط مشاركتها في إعادة الإعمار ببدء العملية السياسية وفقًا لقرار الأمم المتحدة 2254، الذي ينص على تعديلات دستورية وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تحت رعاية الأمم المتحدة". وردا على ما قال إنه عدم استعداد النظام  لتقديم تنازلات بعد "تحقيق النصر" ، يلفت أكسونيونك إلى أن  "الوضع المعقد في سوريا المرتبط بالتحديات غير العسكرية، والتي ليست أقل خطورة، يلزم الحكومة السورية بتقويم المخاطر بشكل مناسب ووضع استراتيجية طويلة الأجل. لا يمكن أن يكون الواقع العسكري الجديد مستدامًا من دون إعادة بناء الاقتصاد وبناء نظام سياسي يعتمد حقًا على قاعدة شاملة، وعلى نتيجة اتفاق دولي. هذا مهم بشكل خاص لأنه لم يبق الكثير من الوقت حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2021".

ومع عدم قدرة إيران وروسيا على مساعدته اقتصاديا لمواجهة تداعيات كورونا، يواجه النظام مخاطر الانهيار الاقتصادي، ما ينذر بثورة جياع بسبب ازدياد نسبة الفقراء.

إيران خارج سوريا

وإضافة إلى احتمال خسارة الحليف الروسي بعد تراجع موارد روسيا الاقتصادية بسبب كورونا والسقوط الحر لأسعار النفط وتأثير العقوبات الغربية، لا يبدو حال الحليف الآخر، إيران، أفضل بكثير، ومع ذات المعاناة الاقتصادية تجد إيران نفسها في مواجهة تحالف أميركي إسرائيلي إماراتي لإخراجها من سوريا، مع صمت أو ردّ خجول روسي على استهداف الطيران الإسرائيلي المتزايد على قواعد الميليشيات الطائفية التابعة لها. وفي أحدث تصريحاته بعد الغارات الأخيرة على جنوب دمشق، قال وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينيت إن "الهدف هو إخراج إيران عسكريًا من سوريا قبل نهاية العام 2020". ويبدو أن تجنب موسكو إدانة الهجمات الإسرائيلية المتكررة ينطلق من أن إضعاف إيران في سوريا يجعلها اللاعب الأول من دون منافس، ويقلل من قدرة النظام على المناورة.

ثورة جياع

ومما يعجل في نهاية الأسد العوامل الداخلية ولعل أهمها غياب الشفافية فيما يخص تفشي وباء كورونا، فما يزال النظام يصرّ على أن الحالات محدودة ودون الخمسين حالة، ومؤكد أن السوريين بحكم التجربة التاريخية لعقود لا يثقون بتصريحات النظام، وقدرته على مواجهة الوباء بسبب الدمار الحاصل في القطاع الصحي وهجرة الأطباء والكوادر وتوقف معامل الأدوية.

ومع عدم قدرة إيران وروسيا على مساعدته اقتصاديا لمواجهة تداعيات كورونا، يواجه النظام مخاطر الانهيار الاقتصادي، ما ينذر بثورة جياع بسبب ازدياد نسبة الفقراء، وفقدان الاحتياجات الأساسية في الأسواق في ظل ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية. وفي ظل نظام يرفض تقديم أي تنازلات لشعبه، نظرا لطبيعته السلطوية، وسطوة أمراء الحرب وتجارها على القرار قد يكون الأسد أول ضحايا كورونا بعد تحذير المنظمات الدولية من اضطرابات اجتماعية وسياسية في العالم بسبب الجائحة.