غايات واشنطن من فرملة التطبيع العربي مع الأسد

2019.01.16 | 17:57 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أصبح مؤكداً أن عملية الانفتاح العربي على النظام السوري قد تفرملت. ومحاولة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية قد توقفت. هذه المواقف جاءت نتيجة ضغوط أميركية متعددة على بعض الدول العربية التي كانت تهرول لتطبيع العلاقات مع دمشق، وتستعجل التسليم بالانتصار الروسي والإيراني، وتستعد للذهاب إلى دخول ميدان ملف إعادة الإعمار. أوصل الأميركيون رسائل متعددة حول وجوب وقف أي محاولة للتطبيع مع النظام السوري، ورفع شعار أساسي يفيد بأن لا إعادة للإعمار في سوريا حالياً، والمعركة لم تنته.

عمد الأميركيون إلى تخريج الموقف الرافض للتطبيع مع النظام السوري ووقف محاولة إعادته إلى الجامعة العربية، على لسان مصر. ولهذا رسائل متعددة، خاصة أن مصر هي الدولة التي تجاهر

على إثر الموقف المصري، بدت تتضح الصورة أكثر فأكثر في ضوء الشروط الأميركية حول جملة ملفات، سوريا تشكّل مفصلها الأساسي، وتنعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على ملفات متعددة

بأنها لم تقطع العلاقة مع الأسد، فجاء موقف وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام واضحاً لجهة وجوب اتخاذ خطوات واضحة من قبل النظام السوري حول القرار الدولي 2254، وما يعنيه ذلك من الاعتراف بمبدأ الحلّ السياسي والالتزام ببعض الشروط الدولية. الإشارة الأميركية هدفها عدم منح أي انتصار مجّاني لروسيا أو لإيران.

وعلى إثر الموقف المصري، بدت تتضح الصورة أكثر فأكثر في ضوء الشروط الأميركية حول جملة ملفات، سوريا تشكّل مفصلها الأساسي، وتنعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على ملفات متعددة، أبرزها لبنان المعلّق على حبال التطورات الإقليمية. والتشدد الأميركي المشهود في سوريا له انعكاساته لبنانياً والتي تمثّلت بزيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل مؤخراً، واضعاً شروطاً سياسية تصعيدية بوجه إيران وحزب الله، ومؤكداً أن بلاده ماضية في المواجهة الإيرانية إلى حدّ بعيد.

كل هذه المواقف، والتحضير الأميركي لعقد قمة وارسو لمواجهة النفوذ الإيراني، دفعت بأكثر من موقف عربي إلى التعبير عن عدم الاستعداد لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وأن هذا أيضاً غير متاح في قمة تونس، كما هو غير متاح في مسألة توجيه الدعوة للنظام السوري لحضور القمة الاقتصادية في بيروت. ومن الواضح أن مختلف الملفات ستبقى معلّقة إلى ما بعد قمّة وارسو، والتي يسعى الأميركيون فيها إلى محاصرة إيران في سوريا، وتشكيل عامل ضغط على موسكو للمساهمة في تحجيم النفوذ الإيراني على الجغرافيا السورية، وهذا يعني أن هناك مرحلة جديدة من المواجهة من المفترض أن تنطلق في الفترة المقبلة.

الوقف الأميركي تجلّى أكثر في الرسالة التي تلقاها لبنان من السفارة اللبنانية في واشنطن، والتي تؤكد رفض الأميركيين أي مبدأ من مبادئ الاستعداد للدخول في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وأكثر من ذلك، ينطوي الموقف الأميركي على تهديد وتحذير شديد اللهجة موجه إلى السلطات اللبنانية من مغبة الدخول في أي اتفاقات مع النظام السوري، تحت عنوان أن لا مجال لإعادة الإعمار حالياً، وهذه لا يمكن فصلها أيضاً عن الضغوط الأمريكية على العراق لمنع العراقيين من تحويل العملة الصعبة إلى الداخل السوري.

ومع الأسف أن لجم الاندفاعة العربية والدولية لإعادة التطبيع مع النظام السوري، لا ترتبط بأحقية الشعب السوري في الحرية وإسقاط النظام الدموي، إنما تتعلق بحسابات سياسية دولية، توليها واشنطن أهمية استراتيجية، أولاً لجهة ارتباطها

الضغط الأميركي على الدول العربية يمكن قراءته من خلال الضغط المكثف الذي مورس على لبنان في الآونة الأخيرة، بحيث تلقى لبنان تحذيراً أساسياً من التعامل مع النظام السوري

بالأمن الإسرائيلي وتأييد السيطرة الإسرائيلية على الجولان، من خلال انتزاع اعتراف من قبل النظام على السيادة الإسرائيلية هناك، وثانياً من خلال إيجاد حلّ ملائم لقضية الأكراد، ربطاً بمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من شرق الفرات. بالإضافة إلى تعزيز الوضعية الإسرائيلية الأميركية الساعية إلى الضغط على موسكو لدفعها إلى ضرب النفوذ الإيراني في سوريا.

الضغط الأميركي على الدول العربية يمكن قراءته من خلال الضغط المكثف الذي مورس على لبنان في الآونة الأخيرة، بحيث تلقى لبنان تحذيراً أساسياً من التعامل مع النظام السوري، خاصة أن هناك مجموعة مطالب على الدولة اللبنانية أن تلتزم بها في مواجهة نفوذ إيران وحزب الله في لبنان، وعدم الانجرار إلى وجهة نظرهما بالنسبة إلى التطبيع مع النظام السوري.

يبقى أن الحسابات الأميركية والإسرائيلية في سوريا ولبنان ترتبط بمعايير أمنية لا تتصل بحسابات استراتيجية كتلك التي توليها واشنطن للخليج العربي والعراق، فواشنطن منذ البدايات عملت على تسليم روسيا مقاليد إدارة الملف السوري، ولم يكن الدخول الروسي في سوريا مستفزا لواشنطن ولا لإسرائيل.