غارات مساندة للأسد

2019.01.13 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عقب كل غارة للمحتل الإسرائيلي، على الأراضي السورية وعلى مواقع النظام، يصرخ محتل روسي وإيراني عبر بيانات التنديد بها،  ليبدو الأمر أنه لا يمر برضا روسي كامل، مع أن هناك تنسيقا مفضوحا ومكشوفا بين حميميم وتل أبيب، ووجود اتفاق موقع بين روسيا وإسرائيل لإدارة التنسيق الأمني والعسكري فوق الأجواء السورية. 

تأتي البيانات التي تلي كل غارة، بعدما باتت ملطشة النظام السوري خير متلقٍ لها مع حلفائه من الإيرانيين وميليشياتهم المتعددة لتوحي أنها الغارة الأخيرة التي يقدم العدو عليها، خاصة وأن موسكو أعلنت غير مرة أنها تُمسك بدفة تعزيز وضع النظام ودفاعاته الجوية، مما أعطى إعلام النظام  إفراطا بالثقة بالنفس تارة وبالروس تارة أخرى، وأوحى بوجود حزم روسي أمام سيل الغارات والاعتداءات الإسرائيلية، خصوصاً  بعد إسقاط الطائرة الروسية قبل أشهر.

لم تغادر لغة الحليف الروسي المستهلكة، عتبة التحذير المتفهم للإسرائيلي، عندما كان فوسفور الممانعة الأبيض ونابلمه يتساقط فوق رؤوس السوريين، لعل أبشع ما تفتقت عنه لغة الممانعة السافرة، هي تبريرات غير بعيدة عن منطق حلفائها في موسكو وطهران وتوظيفها بالمكان والزمان ذاته أن تعلق الأمر "بالعدو".

الشكوك والمخاوف الإسرائيلية من مواقف روسية أو من محور " الممانعة"  تُبدد بسرعة من خلال التركيز على قوة التحالف الإسرائيلي الروسي، والتنسيق بما يخص الغارات وتحديد أهدافها بما لا يمس المصالح الروسية، هذا الأمر يشير إلى مسألتين هامتين:

افتعال غضب روسي في بعض الأحيان من الغارات هو للهروب من الأكاذيب التي تطلقها وسائل إعلام محور الممانعة وموسكو

الأولى، أن افتعال غضب روسي في بعض الأحيان من الغارات هو للهروب من الأكاذيب التي تطلقها وسائل إعلام محور الممانعة وموسكو،  ومن التحلل من مسؤولية الرد على الغارات لأن هذا ليس هدفها، ولا هدف وجود القوات الروسية أو قوى الاحتلال المختلفة التي يستعين بها النظام لقتل الشعب السوري، ولا هدف قوات النظام التي يجمع بينهم تحالف الحفاظ على مكتسبات استمرار بطش الطاغية، والثانية: أن طرح المشكلات الحقيقية للمصالح الإسرائيلية بوجود المصلحة الروسية مفهوم ومستوعب لأبعد الحدود، أكثر من الحدود الوهمية التي يرسمها النظام السوري لنفسه من مصلحة تحالفه مع المحتل الروسي.

هذا المدخل ضروري لفهم ما يجري على صعيد استئناف الغارات الإسرائيلية على مواقع النظام، فالمشهد بعد سبعة أعوام، تم ترتيبه بما يناسب المصلحة الروسية والإسرائيلية، باستمرار وجود نظام ضعيف، وباستطاعته الحفاظ على تحطيم المجتمع السوري، وتدمير قدرات السوريين وتشتيتها، خاصة بعدما أثبت الروسي مع الإسرائيلي، بقدرة فائقة على تأكيد التفوق الساحق بتوجيه ضربات، وتقاسمها في بعض المناطق استنادا لخريطة العدوان الشامل والاحتلال الموزع من حميميم الى الجولان ومنهما لشرق وشمال سوريا.

على هذا الأساس، يبدو مفهوماً أن استمرار تثبيت وسيطرة نظام الأسد الضعيف إلا من سلاح البطش بالسوريين، يخدم مجموعة قوية من المجتمع الدولي، بحيث يستطيع الأسد الحفاظ على أدوات القتل، والاحتفاظ بقدرات سحق المجتمع، وتجريده من كل الادعاءات الفارغة عن البطولة والانتصار، هذه الدوافع وغيرها هي التي تتحكم بمعادلة استمرار الخردقة الصهيونية للسيادة السورية مع مصالح محتلين آخرين على الجبهة الروسية الإيرانية، لكن على الرغم من كل الادعاءات الماضية، لجهة فرملة الاندفاعة الإسرائيلية في تحجيم التموضع الإيراني في سوريا، هناك ما يشي بمحاولات حثيثة لإفساح المجال للتمدد المذهبي والطائفي الإيراني المنزوع من أدوات التهديد للإسرائيلي.

صورة فيها طمأنة الآخر لبعضه البعض، محتل يطمئن محتلا

وحتى لا نبدو مبالغين في رسم هذه الصورة، فلنر كيف رسم كل من الروسي والإسرائيلي صورة الآخر المتعلقة بالغارات، "الروسي قلق من الغارة قبل الأخيرة، لأنها هددت الطيران المدني في دمشق وبيروت، لتأتي الغارة الأخيرة على مطار دمشق وتدمر أربع طائرات إيرانية قيل إنها محملة بالسلاح مع مستودع للذخيرة"، والإسرائيلي مصمم على سياسته القاضية بضرب التموضع الإيراني وميليشياته،  ولا شيء سيمنعه من ذلك، صورة فيها طمأنة الآخر لبعضه البعض، محتل يطمئن محتلا، لن تتأثر بحدة التصريحات أو خفوتها، كل الصواريخ الروسية وقاعدتان عسكريتان وجيش ضخم وقطع بحرية ليس هدفها مواجهة المحتل الإسرائيلي أبداً،  ولا تجرؤ على وقفها، المصلحة المشتركة بعمقها التاريخي بين تل أبيب وموسكو، تفيد بأن ما يجمع بينهم أقوى من العلاقة التي تجمع موسكو مع النظام ووظيفته، فعلاقة موسكو مع تل أبيب تختلف كليا عن تلك التي يوظف فيها الروس مصالحهم مع الطاغية

سيبقى الشكل الحالي للغارات الإسرائيلية على سوريا،  أو المتطور مستقبلاً حسب تطور الأحداث، طالما بقيت شروط المحتل الروسي للاستثمار في الطاغية، ليجثم على صدر الشعب السوري، الاحتلال الإسرائيلي مستمر سواء بقي الاحتلال الأميركي في سوريا أم رحل أو الاحتلال الروسي والإيراني وكل قوى الاحتلال التي ساعدت الإسرائيلي على توطيد عدوانه، أكثر من خمسة عقود على الاحتلال لهضبة الجولان لم يأت الروسي ولا الإيراني طيلة العقود الماضية لجر جيوشه لمحاربة المحتل ومساعدة الشعب السوري، إنما لمحاربة حرية الشعب السوري المخيفة للطاغية، و للاحتلال المساند له بالغارات.