icon
التغطية الحية

عين روسيا على "خاصرة" إدلب.. ما خيارات الجيش التركي؟

2021.07.02 | 06:39 دمشق

 عين روسيا على "خاصرة" إدلب.. ما خيارات الجيش التركي؟
عربات مدرعة تركية في دورية بريف إدلب (إنترنت)
ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

قضى 35 شخصاً وأصيب 74 آخرون بينهم أطفال ونساء في محافظة إدلب شمال غربي سوريا خلال شهر حزيران الماضي، بسبب التصعيد العسكري الروسي المفاجئ، والذي استُخدمت فيه الطائرات الحربية والقذائف المدفعية والصواريخ في قصف الأحياء السكنية بالريف الجنوبي لإدلب، ومنطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي.

ويعتبر التصعيد الحالي من الجانب الروسي، هو الأكبر من نوعه منذ توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في إدلب بين تركيا وروسيا في آذار من عام 2020، لكن وتيرته انخفضت وسط حديث عن التوصل إلى هدنة مؤقتة بين أنقرة وموسكو.

مصادر عسكرية أكدت لـ موقع تلفزيون سوريا، أن روسيا أوعزت في ليلة 28 من حزيران الماضي لقوات النظام المنتشرة في محيط محافظة إدلب بتخفيف وتيرة القصف المدفعي والصاروخي على مناطق سيطرة المعارضة.

وقالت المصادر إن غاية روسيا من هذا التعميم لم تتوضح، ولا سيما أن قوات نظام الأسد واصلت عمليات القصف في اليوم التالي، مستهدفة مناطق جنوبي إدلب، وسهل الغاب غربي حماة، في حين انتشرت أنباء عن التوصل إلى تهدئة، لكن عضو مكتب العلاقات الإعلامية في "هيئة تحرير الشام"، تقي الدين العمر، نفى لموقع تلفزيون سوريا وجود اتفاق جديد ينص على وقف إطلاق النار.

ما غاية روسيا من التصعيد؟

التصعيد الروسي أخيراً لم يستثن القواعد العسكرية التركية في ريف إدلب الجنوبي، حيث تعرضت بعضها للقصف المدفعي، ما أدى إلى جرح عدة جنود أتراك، في حين ردت القواعد التركية وفصائل المعارضة على القصف، باستهداف غرف عمليات ومواقع عسكرية لقوات النظام في ريفي إدلب وحماة.

وتشير مصادر متطابقة إلى نية روسيا في الضغط على تركيا من أجل تنفيذ بروتوكول 5 آذار 2020، الذي يقضي بإنشاء ممر أمني على طرفي الطريق الدولي "حلب - اللاذقية" (إم 4) بعمق 6 كيلومترات شمال الطريق، ومثلها جنوبه، وإنهاء الوجود العسكري لفصائل المعارضة في هذا الممر، ما يسهل إعادة الحركة التجارية على الطريق بإشراف روسي - تركي.

 

وأواخر العام الماضي قال المجلس الروسي للشؤون الدولية إن روسيا، ومعها نظام الأسد، يرغبان بالسيطرة على إدلب، وخاصة طريق "إم 4" الدولي، من دون القيام بعمليات عسكرية "واسعة النطاق".

وأضاف في تقريرٍ أن الروس يعتبرون أن فتح طريق "إم 4" سيعيد ربط حلب باللاذقية وشرقي سوريا، وهو ما يعتبر ضرورياً "لعودة الأنشطة الاقتصادية والتجارية في سوريا لسابق عهدها"، كما نقل المجلس عن مسؤول روسي "رفيع" قوله إن خطة موسكو تهدف إلى استعادة السيطرة على طريقي "إم 4" و"إم 5" الدوليين، "لإغلاق ما تبقى من مناطق في إدلب، وتحويلها إلى مشكلة تركية".

ومساء الأربعاء الماضي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي عقده برفقة نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، إن الطرفين تحدثا عن الوضع في إدلب، بما في ذلك تنفيذ البروتوكول الروسي التركي الموقع في آذار من عام 2020، والذي يقضي بإنشاء منطقة خالية من السلاح في المحافظة (على طرفي الطريق الدولي إم 4)، بحسب ما ورد على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية.

وأفاد الباحث في الشأن الروسي، سامر إلياس، بأن حديث لافروف يدور حول تنفيذ اتفاق سوتشي 2018 وبروتوكول موسكو الإضافي (5 آذار 2020)، مشيراً إلى أن هذا التصريح يفتح الباب أيضاً على تفسيرات مختلفة بخصوص الطرق الدولية والمنطقة منزوعة السلاح.

ولفت "إلياس" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن روسيا ربما تطلب شيئاً إضافياً خاصة أن "النظام بدعم من ميليشيات إيران الطائفية والروس تقدموا عبر سياسة القضم التدريجي لآخر منطقة من مناطق خفض التصعيد (إدلب)، وأعادوا احتلال مناطق واسعة من ريف إدلب الجنوبي والسيطرة على طريق دمشق حلب، والوصول إلى مشارف طريق حلب اللاذقية"، مضيفاً أن الروس يواصلون الضغط على الأتراك باستخدام ورقة عدم إتمام فصل "هيئة تحرير الشام" عن "المعارضة المعتدلة".

واستبعد أن تُقدم روسيا على هجوم واسع في إدلب، وقال إن التصعيد الأخير منذ بداية حزيران جاء تزامناً مع فتح النقاشات حول تمديد آلية إدخال المساعدات العابرة للحدود، ثم اشتد مع الحديث عن تفاهمات وتقارب بين أميركا وتركيا بشأن المنطقة الآمنة عقب اجتماع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن على هامش قمة الناتو الأخيرة.

وأضاف: "منذ الثلاثاء الماضي كانت هناك إشارات لتراجع العمليات العسكرية والتصعيد، ما يشي بتفاهمات ما بين الروس والأتراك، ومن المعروف أن روسيا بحاجة إلى تركيا من أجل الاستمرار باجتماعات أستانا التي ستعقد الجولة 16 منها في نور سلطان بعد أيام، إضافة إلى أن البلدين تجمعهما علاقات متشعبة في مجالات الاقتصاد والسياحة والطاقة ومنها الطاقة النووية، وكذلك التسليح، وهناك خلافات كثيرة في ملفات ليبيا والقوقاز وأوكرانيا ومسألة ضم القرم، ولكن يبدو أن القرار هو مواصلة العمل وفق مبدأ فصل الملفات ومواصلة الحوار، لكن هذا للأسف لم يمنع ولن يمنع مستقبلاً من استخدام إدلب كصندوق رسائل دموية للضغط على تركيا في حال أرادت روسيا الحصول على تنازلات في ملفات أخرى".

"خاصرة" إدلب محط اهتمام الروس

من المستبعد أن تغامر روسيا في شن عملية عسكرية للوصول إلى طريق "إم 4"، من جهة جبل الزاوية جنوب الطريق، وذلك بسبب كثافة الانتشار التركي عبر القواعد المجهزة بالأسلحة الثقيلة والصواريخ المضادة للطائرات.

وربما تستغل روسيا تأخر الجانب التركي في فتح الطريق، وتأمين الممر الأمني، للجوء إلى الخيار العسكري للسيطرة على الطريق، وإذا ما قررت ذلك، فلن تجد ثغرة للدخول منها، أسهل من منطقة ريف اللاذقية الشمالي المطلة على معظم أجزاء الطريق، وترصد مساحات واسعة من الأراضي في إدلب وريفها.

وقال الباحث فراس فحام، إن روسيا تضع - على الأرجح - ضمن أهدافها السيطرة على تلال حاكمة في ريف اللاذقية، وعلى منطقة جسر الشغور غربي إدلب، بما يضمن تعزيز مواقعها المشرفة على طريق إم 4، وتحقيق المزيد من التأمين لقاعدة حميميم، ومعاقل النظام في الساحل.

وأضاف "فحام" أن "المعلومات تفيد بأن روسيا ستعرض فكرة انسحاب القوات التركية والفصائل العسكرية من المواقع المذكورة خلال جولة أستانا المقبلة، وذلك بعد محاولات للحصول على موافقة أميركية لشن حملة عسكرية محدودة في شمال غربي سوريا".

وذكر أن القوات التركية تجري من جهتها ترتيبات تهدف إلى تعزيز المناطق المستهدفة، لكن - وبحسب فحام - يبدو أن "جولة أستانا المقبلة ستتضمن  نقاشات جديدة حول واقع إدلب في ظل مواقف متباينة من الدول الراعية".

من جانبه قال الصحفي عقيل حسين، في حديث لموقع تلفزيون سوريا: "يبدو لي أن الروس والنظام يتطلعون بقوة لاستعادة السيطرة في هذه المرحلة على جسر الشغور وما تبقى من ريف اللاذقية الواقع تحت سيطرة المعارضة، إضافة إلى الرغبة بالضغط على تركيا من أجل تسريع وتيرة العمل على إعادة فتح الطريق الدولي إم 4 أمام الحركة التجارية وتفكيك هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل التي تعتبرها موسكو إرهابية".

ويوضح "حسين" أن التصعيد الروسي الأخير في جبل الزاوية جاء لكي يجد الجانب التركي ووفد المعارضة نفسيهما تحت الضغط في لقاء أستانا المقبل، وتقديم تنازلات تحت تهديد الاجتياح العسكري.

وتابع: "لذا، ومقابل الإصرار على استهداف المدنيين للضغط على فصائل المعارضة، لا يجد النظام والروس طريقة للضغط على تركيا بشكل خاص أفضل من استهداف نقاطها العسكرية المنتشرة في ريف إدلب".

ما خيارات الجيش التركي؟

تشير التطورات الأخيرة في إدلب، المتمثلة بالتصعيد العسكري، إلى غياب الرؤية لدى الجيش التركي وفصائل المعارضة، للتعامل مع التهديدات الروسية المحتملة، وبالرغم من أن القواعد العسكرية التركية قصفت مواقع لقوات النظام رداً على استهدافها لإدلب، فإن ذلك القصف لا يشير إلى وجود حزم لدى أنقرة، لردع روسيا والنظام ومنعهما من تهديد المصالح التركية.

وعمل الجيش التركي منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار على تدعيم قواعده ونقاطه، وتزويدها بالمعدات اللازمة للتصدي لأي هجمات محتملة، إذ تحتوي القواعد في الوقت الحالي على دبابات ومدافع بعيدة المدى، وصواريخ مضادة للطائرات، ومنظومات دفاع جوي في بعضها، خاصة الرئيسية منها.

وأصبح الجيش التركي يتوزع على عدة قواعد عسكرية جنوب طريق "إم 4"، الغالبية منها تتمركز في جبل الزاوية، وقرب خطوط التماس مع قوات النظام والميليشيات التابعة له.

وأحصى موقع تلفزيون سوريا القواعد المنتشرة في المنطقة، وبلغ عددها 26، توزعت على كل من البارة وكنصفرة وتلة النبي أيوب، وشنان وسرجة وبليون، واحسم (نقطتان)، وفركيا، وتل معراتا، وقوقفين وترعان، ومعرزاف، ونحلة والرويحة، ومعترم، والنيرب، وكفرحايا، وأرنبة وقسطون، ومرج الزهور، ومحمبل، وأبديتا، والزيادية، ومجدليا، ومعر طبعي.

وعن نشاطات الجيش التركي، يقول المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير، النقيب ناجي مصطفى، إن القوات التركية تواصل انتشارها في مختلف بلدات وقرى جبل الزاوية، وتعمل على تحصين وتعزيز قواعدها باستمرار، وتركز جهودها على المناطق الاستراتيجية والهامّة.

ويعتقد الباحث في مركز الحوار السوري، محمد سالم، أن القصف الذي طال قواعد للجيش التركي أخيراً، يحمل في طياته رسائل روسية لأنقرة، تتضمن الإذعان للعديد من المطالب، ومنها - غالباً - الانسحاب من جنوب الطريق "إم 4"، وفتح الطريق نفسه أمام الحركة التجارية، وفتح معابر تفصل بين مناطق سيطرة المعارضة، ومناطق سيطرة النظام، وعدم التنسيق مع الولايات المتحدة.

وأفاد "سالم" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، بأن للقواعد التركية في جبل الزاوية جدوى كبيرة، كونها تقف في وجه النظام، وقد تشتبك معه في حال شنت قواته هجمات برية.

وقال إن الوضع الميداني في إدلب يبدو مختلفاً عمّا كان قبل معركة "درع الربيع" ضد قوات النظام، مضيفاً أن القوات التركية كانت قبل المعركة تُسند فصائل المعارضة عبر الطائرات المسيرة وسلاح المدفعية، من دون الاشتباك المباشر، لكن القواعد التركية باتت حالياً ترد بنفسها على قصف قوات النظام، من دون الاستعانة بالطائرات المسيرة.

وبحسب "سالم" فإن سياسة تركيا بعدم التدخل لمواجهة قوات النظام، باتت اليوم مستبعدة التطبيق على أرض الواقع، حيث رجح أن تشارك القواعد التركية - على الأقل - بقصف الأرتال العسكرية التابعة للنظام، إذا مرت من جانبها، عكس ما حدث العام الماضي، عند سيطرة النظام على مدينة سراقب التي كانت محاطة بأربع نقاط تركية، إذ لم تشارك النقاط فعلياً في مواجهة النظام والاشتباك المباشر معه.

ما الذي يمنع تكرار سيناريو مورك؟

اتبعت روسيا في حملتها العسكرية في عامي 2019 و2020 سياسة خاصة في مواجهة النقاط والقواعد التركية، وهي الالتفاف على تلك القواعد من دون الاشتباك المباشر معها، ومن ثم حصارها وعزلها عن بقية المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، لتجد نفسها مضطرة إلى الانسحاب في نهاية المطاف.

وتكرر هذا السيناريو في أرياف إدلب وحماة وحلب، ومن أبرز القواعد التركية التي حوصرت بهذا الشكل، كانت تلك الموجودة في مدينة مورك بريف حماة الشمالي، وفي شير مغار غربي حماة، حيث التفت قوات النظام عليها، من خلال السيطرة على مدينة خان شيخون، ما دفع أنقرة إلى سحب تلك القواعد لاحقاً.

وتعود هذه السياسة إلى الأذهان حالياً، إذ تُطرح تساؤلات في الأوساط المعارضة عن جدوى القواعد التركية في جبل الزاوية، إذا شنت روسيا هجوماً برياً على إدلب، انطلاقاً من سراقب (شرقاً)، ومناطق ريف اللاذقية الشمالي (غرباً)، ومن ثم السيطرة على طريق "إم 4" وعزل القواعد التركية.

ولكن لا يبدو أن الخيار المذكور سهل التطبيق من قِبل الجانب الروسي، كون التوغل في عمق مناطق سيطرة المعارضة بهذا الشكل، يهدد القوات الروسية وقوات النظام، بسبب رصدها من قبل النقاط التركية والفصائل، التي ستكون موجودة في جبل الزاوية وجبل الأربعين، وبطبيعة الحال شمال الطريق الدولي.

ومن وجهة نظر الباحث محمد سالم، فإن ما يمنع تكرار سيناريو مورك وغيرها، هي الإرادة التركية التي تبدو موجودة على سريان قواعد اشتباك عملية درع الربيع.

من جانبه قال الصحفي عقيل حسين، إن للنقاط العسكرية التركية المنتشرة في منطقة جبل الزاوية أهمية كبيرة في تكريس واقع توازن القوى المستحدث بشكل عام، ولقطع الطريق على أي نيات للنظام وحلفائه من أجل شن هجوم على إدلب انطلاقاً من هذه الخاصرة على نحو خاص.

وعن الطريقة المتوقعة لتعامل الجيش التركي مع الهجمات البرية، ذكر "حسين" أن هذا "يتوقف على ماذا تريد تركيا من منطقة إدلب، وتحديداً من جبل الزاوية، وهل تنظر إلى المنطقة كجزء من أمنها القومي ومن ثم ستكون مستعدة للقتال من أجلها وتقديم كل الدعم اللازم للفصائل من أجل الدفاع عنها إذا شن النظام أي هجوم جديد عليها، أم أنها تتعامل معها كورقة تفاوض ومساومة يمكن أن تتخلى عنها في حال عقد أي اتفاق مع الروس".

وأضاف: "أعتقد أن الأتراك لن يسمحوا بتكرار سيناريو مورك، فبعد أن خسروا 14 نقطة، فإنهم أحدثوا في المنطقة 60 نقطة جديدة خلال الفترة الماضية، بعضها يكاد يكون قاعدة عسكرية، ولذا فإن تعزيز القوة من جانب الجيش التركي، ونشر أعداد إضافية من الجنود والضباط واستقدام أسلحة ثقيلة ونوعية باستمرار إلى هذه النقاط والقواعد، يوحي منطقياً بأن أنقرة لن تسمح بتكرار سيناريو خسارتها للنقاط قبل عامين".

وذكر المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، أنه وفي حال حدوث اتفاق روسي تركي على منطقة ما، فلا يُستبعد أن يتكرر سيناريو مورك، مضيفاً أنه لا يوجد ما يمنع تكرار الأمر إلا الاتفاق بين القوى الفاعلة في الملف السوري وخاصة حلف الناتو، والظاهر حالياً أن هنالك رغبة دولية ببقاء الأوضاع على حالها بانتظار مرحلة الحل السياسي.

وتوقع "بكور" في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن يشارك الجيش التركي هذه المرة بفعالية أكبر من ذي قبل في حال حدوث هجوم بري لقوات النظام على إدلب، مع مراعاة عدم الاصطدام مع الروس بشكل مباشر.