icon
التغطية الحية

عيد "الجيش السوري".. أفكار وحكايات

2021.08.10 | 07:17 دمشق

عيد "الجيش السوري".. أفكار وحكايات
صلاح جديد- حافظ الأسد- نور الدين أتاسي (إنترنت)
خطيب بدلة
+A
حجم الخط
-A

أطلقوا على الجيش العربي السوري اسم "الجيش العقائدي"، استجابة لنصيحة ذلك اللغوي المتحلق الذي كان يفلسف اللغةَ العربية عبر شاشة التلفزيون، فقال إنه لا يجوز أن ننسب الصفة للمفرد، بل للجمع.. لا تقل طليعي، قل طلائعي. و: تخطئ إن قلت إنه "جيش عقيدي"، الأصح: جيش عقائدي!

التسمية التي توصلَ إليها ذلك اللغوي صحيحة بالطبع، ولكنها مضللة، توحي بأن أصحاب العقائد والأيديولوجيات المتنوعة يستطيعون أن ينشطوا في صفوف الجيش. هذه الفرضية تقفز بذاكرتنا، قفزة واحدة إلى ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية، 1972، التي أراد لها حافظ الأسد أن تكون "مدجنة" للقوى السياسية التي قد تعارضه في يوم من الأيام.

الميثاق المذكور اشترط أن تبتعد الأحزاب الجبهوية كلها، عدا حزب البعث العربي الاشتراكي، عن قطاعي التعليم والجيش. ابتعادها عن التعليم يحمي الأجيال الصاعدة من الأفكار الهدامة، ويفسح المجال للأطفال أن يتربوا في كنف مدرسة القائد النضالية دون تأثيرات جانبية، وابتعادها عن الجيش يحمي البلاد من الانقلابات التي جاء حافظ الأسد بحركته التصحيحية ليقضي عليها مرة واحدة وإلى الأبد.

يُحكى، والعهدة على الراوي، أن أحد رؤساء الأحزاب الموقعين على ميثاق الجبهة قرأ الفقرة المذكورة، فغرغرت عيناه بالدموع، وقال لرئيس الجبهة، حافظ الأسد:

- لماذا تبعدوننا، يا سيدي القائد، عن هذين القطاعين الحيويين المهمين، التعليم والجيش؟

فأعطاه القائد منديلاً يمسح به دموعه، وجواباً أكثر إقناعاً مما كان يتوقع، ملخصُه أن الشيوعيين منكم يناصرون قضايا العمال والفلاحين وصغار الكسبة، فليذهبوا إلى المصانع والحقول والدكاكين، وينشطوا، وينظموا الناس على كيف كيفهم، والناصريون يستطيعون أن ينشطوا في المسيرات المؤيدة للرئيس، ولا مانع من أن يحملوا صور الأسمر جمال عبد الناصر جنباً إلى جنب مع صورنا.. (وهنا رفع القائد صوته قائلاً بعصبية): بدي أفهم، بأيش يلزم لكم النشاط في المدارس والجيش؟

فبهت الرجل، وامتثل، وامتثل أمناءُ الأحزاب الآخرون، وذهب كل واحد في حال سبيله.

حوار بين شخصين:

الأول: العقيدة الوحيدة التي يُسمح بتداولها في الجيش، إذن، هي عقيدة البعث العربي الاشتراكي.

الثاني: نعم سيدي، ولكن هذا الكلام، برأيي، غير دقيق.  

الأول: قصدك أن تقول إن الانتساب لحزب البعث في الجيش اختياري.

الثاني: نعم، هو ظاهرياً، اختياري، والإنسان السوري، في المحصلة، حر، ينتسب إلى حزب البعث أو لا ينتسب، هذه مشكلته، والنظام، من جهته، حر في أن يقبل غير المنتسب في صفوف الجيش أو أن يرفضه!

الأول: وصلت الفكرة. يعني نظام الأسد جعل الجيش كله بعثياً بشكل غير مباشر، إذ ما عاد يقبل أي متقدم للانتساب للجيش إذا لم يكن بعثياً. وعلى هذا الأساس بدأ الجيش العربي السوري يتشكل، ويشتد ساعده، ويتحول، بالتدريج، منذ 8 آذار سنة 1963 إلى "جيش عقائدي"، أي بعثي..

الثاني: بقيت نقطة واحدة يجب التنبيه إليها. وهي أن حافظ الأسد يتسلح بحزب البعث، ولكنه لا يشتريه بنصف فرنك مبخوش، ولذلك صار ينتقي من البعثيين أنفسهم مَن يواليه، ويجب أن يكون هذا الولاء أكيداً، ففي يوم من أيام صيف 1979 قام ضابط (منتسب شكلياً لحزب البعث العربي الاشتراكي) اسمه إبراهيم اليوسف، بعملية فظيعة في مدرسة المدفعية بحلب.

انتهى الحوار.

المتابعون لتطورات المشهد السياسي السوري يعرفون أن الضابط صلاح جديد، كان القائد الفعلي للدولة السورية بين 1966 و1970

المتابعون لتطورات المشهد السياسي السوري يعرفون أن الضابط صلاح جديد، قائد الحركة الانقلابية التي حدثت ضمن حزب البعث يوم حركة 23 شباط 1966، كان القائد الفعلي للدولة السورية بين 1966 و1970، ومع ذلك لم يتول منصباً حساساً، واكتفى بالإشراف على سجلات الضباط! لماذا؟ لأنه يريد أن يحكم ويستمر، وينفذ ما في ذهنه.

جاء على أنقاض صلاح جديد وحركته، حافظ الأسد متسلحاً بقناعة ناجمة عن قراءة معمقة لتاريخ سورية في العصر الحديث، ومعرفة لا تخر الماء بتاريخ الجيش السوري الذي لم يعمل شيئاً منذ 1946 سوى تحقيق الهزائم باتجاه الخارج، وتنفيذ الانقلابات باتجاه الداخل، لذلك ألحق "حافظ الأسد" الجيش به، شخصياً، وصار يتولى (ترفيع ونقل وتجميد وتسريح وسجن) الضباط والجنود بنفسه، ومن يومها، كما تعلمون، لم يبق للجيش السوري عمل غير قتل الشعب والحفاظ على سلطة سلالة الأسد الإجرامية.

ملخص:

من يوم أن قام الزعيم حسني الزعيم بانقلابه العسكري على السلطات المدنية، يوم 30 آذار 1949، وحتى انقلاب حافظ الأسد 1970، والأمور تسير على النحو الآتي: تأتي قوات مدرعة مع مشاة، تحتل الإذاعة، وتذهب قوات مداهمة، فتعتقل رموز الحكم في البلاد، ويعلن الانقلابيون للشعب، عبر الإذاعة، أن القيادة السابقة مناورة، متخاذلة، مرتبطة، عميلة، تريد تقديم سورية لقمة سائغة للأحلاف الاستعمارية، ولذا جاء الجيش ليصحح الأوضاع، ويضرب بيد من حديد على أيدي من تسول لهم أنفسهم اللعب بمقدرات الشعب، ويعاهدهم على أنه سيُسلم الحكم، حالما تستقر الأحوال، إلى سلطة مدنية منتخبة من أبناء الشعب، ويعود الجيش إلى ثكناته. ولكن هذا كله لا يعدو كونه كلاماً في الهواء.

حكاية:

لن أسترسل في وصف الأعمال المخجلة التي قام بها جيش سورية الذي يفترض أنه حامي الشعب والوطن، فصفحات الكتب والإنترنت باتت تغص بها.. ولكنني سأروي لكم حكاية سمعتها من الإعلامي الراحل نذير عقيل، وقد أكدها لي أكثر من صديق، منهم المخرج المخضرم الأستاذ رياض دياربكرلي.

تقول الحكاية إن أحد الانقلابات العسكرية وقع، وطُوقت الإذاعة ببضعة دبابات، ودخل عناصر الاقتحام إلى داخل الإذاعة، وأذيع البيان رقم واحد.. واستقرت الأمور، كالعادة. وكان بين الذين دخلوا المبنى، أثناء الاقتحام رجل لا يعرفه الموظفون، احتل أحد المكاتب، وصار يتعامل مع الموظفين الإداريين والكادر الفني على أنه المدير الجديد. يوقع البريد، بشكل يومي، فيمنح إجازة لموظف، وإحالة مرضية لآخر، وينقل عاملاً فنياً من قسم إلى قسم، بناء على طلبه، ووووو...

وبعد مدة قصيرة، شكلت الحكومة الانقلابية وزارتها الأولى، وبعد مضي شهر أو أكثر، وصل إلى الإذاعة قرار من وزير الإعلام الجديد، يقضي بتعيين مدير لهيئة الإذاعة والتلفزيون، ووقتها دهش الجميع وتساءلوا:

- لكان هادا مين؟

وقد تبين أنه رجل من عامة الناس، يبدو أن لديه نوعاً من المرض العقلي، دخل المبنى بالصدفة، وتعامل معه الموظفون على أنه شخص مهم، فادعى الإدارة!