عودة رفعت الأسد قائد الإمبراطورية العسكرية الضائعة

2021.10.23 | 07:11 دمشق

dc7acd8110b8da849c6e6944c5afa9f3-3.jpg
+A
حجم الخط
-A

لقد عاد رفعت الأسد إلى سوريا صاغراً مهزوماً قضائياً، عاد رفعت الذي لم يقبل يوماً أن يكون تحت سقف الوطن، بل فوقه وفوق الشعب السوري برمته وفوق كل الأوامر العسكرية والسياسية والحكومية، حيث كان ينظر من قلاعه وقصوره التي بناها على قمم جبال قاسيون الشاهقة المحيطة بدمشق، حيث يرى الشعب منها صغيراً خانعاً ذليلا كي يملي عليهم ما يريد من خلال ما كان يسمى فرسان سرايا الدفاع (الفرسان الحمر).

 لقد كانت صلاحيات رفعت فوق كل أقرانه من قادة التشكيلات والفرق وكان دائماً مستأثراً بتمييز تشكيله (سرايا الدفاع) بالعنجهية والتمرد وعدم الانصياع للمستوى الأعلى من وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة وهيئات الجيش وعملياته مهما كانت صفته.

عاد رفعت الأسد إلى دمشق قائد الوحدة (569) سرايا الدفاع سرايا الموت، رجل الرعب والإمبراطورية العسكرية صانع الموت، والذي استأثر في ثروات سوريا، واستغلها لخدمة تشكيله وضباطه من النخبة الساحلية وصف ضباطه المتطوعين من القرى الساحلية الذين كانوا فوق كل اعتبار وفوق كل سلطة.

إن عودة رفعت الأسد بعد أربعين عاماً لم تكن بالقوة نفسها التي خرج منها، حيث كانت قوة سرايا الدفاع العسكرية وسطوتها القتالية فوق كل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، ولا تضاهيها قوة عسكرية من تشكيلات الجيش الأخرى.

قبل أربعين عاماً وبعد أن حطم حافظ الأسد قوائم الفرسان الحمر، أحصنة فرسان سرايا الدفاع وفَرغ من حول رفعت كل الضباط الموالين له حتى النخاع، طرده من سوريا صاغراً مهزوماً، لكن بطريقة ماكرة وخبيثة حيث أرضاه بالنقود والتي هي نقطة ضعف رفعت والتي كان طوال وجوده في سوريا يلهث وراءها، ولم يكن من السهل على حافظ الأسد أن يفرغ من حول رفعت ترسانته العسكرية المتمثلة (بـــ خمس فرق يقدر تعدادها (55) ألف جندي من ضباط محترفين وصف ضباط متطوعين، وجنود إلزاميين متوزعين على أربع ألوية وكتائب ذات مهام خاصة منتقاة بعناية وهي قوة نخبوية خالصة قادتها من أقرب الناس لرفعت مثل (معين ناصيف صهر رفعت، وجودت ندة وفيصل غانم وسليم بركات) جلهم من أبناء جبلة خاصة وجميعهم من أبناء الطائفة الحاضنة لآل الأسد، التي يعتمد عليها رفعت في سراياه والتي كانت بمنزلة «جيش مستقل لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بالجيش. بالإضافة لرواتبهم المغرية وامتيازات أخرى لا حصر لها، حيث كان الملازم في سرايا الدفاع يحصل على امتيازات ضابط برتبة العميد في الجيش النظامي).

لقد شكل رفعت قوة عسكرية لها دروعها الخاصة ومدفعيتها ودفاعها الجوي وأسطول كامل من المروحيات الناقلة للجنود، كما يسيطر على مشارف العاصمة بولاء تام، بينما القوات الأخرى التابعة لباقي الجنرالات بعيدة خارج العاصمة.

كل هذه الاستثناءات التي حصل عليها رفعت مستغلاً وجود أخوه حافظ بالسلطة جعلت منه أخطبوط سوريا الذي شكل أذرع الرعب في كل مؤسسات سوريا، ووصل رعب سراياه إلى كل بيت وشارع وزقاق وحارة في سوريا من شرقها إلى غربها.

سرقة ممتلكات أهل الشام

لقد حاول رفعت تأسيس مجتمع عسكرة من أبناء الساحل السوري في قلب دمشق وتغير ديمغرافيتها، حيث بدأ بوضع حجر الأساس لتأسيس أول مستوطنة في جبل المزة حيث خطط بأوامر من حافظ الأسد بإخلاء الكتيبة (586) دبابات من أماكن تعسكرها في جبل المزة، ونقلها إلى المعضمية وتخصيص الجبل لعناصر سرايا الدفاع على شكل مقاسم لبناء أول منازل لهم في قلب دمشق.

 

كما عمل رفعت على سرقة ممتلكات أهل الشام عنوة بحجة الاستملاك لوزارة الدفاع، والدفاع عن الوطن والمصلحة العسكرية، ومن ثم انتقل رفعت إلى العمل بطرق أخرى بالاستيلاء على العقارات الدمشقية وتخصيصها لعناصر سرايا الدفاع الذين سيطروا على الشام بكل مفاصلها من خلال المساكن الواسعة التي طوقت دمشق من السومرية إلى الصبورة إلى يعفور، بالإضافة إلى السماح بالبناء العشوائي في ركن الدين وعش الورور وجبل الرز وركن الدين والقابون والمعضمية وبناية الكويتي وصحنايا وعرطوز وغيرها من عشوائيات التي شوهت دمشق ودمرت حضارتها كأقدم مدينة عريقة في التاريخ.

حب المال والسيطرة على سوريا

لم يكتف رفعت بالسيطرة العسكرية على سوريا إلى جانب أخيه حافظ الذي سيطر عسكريا وأمنيا على مفاصل سوريا بل بادر رفعت إلى إقامة معسكرات ودورات المظليين التي أراد منها رفعت تشكيل كانتونات جديدة كي يسيطر من خلالها على القرار السوري كوريث لحافظ الأسد.

استغل رفعت الأسد دورات المظليين من أجل إدخالهم إلى أعلى فروع الجامعات السورية من طب وهندسة بغض النظر عن تحقيق شرط الحد الأعلى المطلوب من العلامات، والسيطرة على الطبابة والمستشفيات والتسلل إلى مؤسسات الدولة التعليمية والإعلامية وحتى الدينية، حيت يتم التسجيل في كلية الشريعة لكل عضو عامل بالحزب دون النظر إلى مجموع علاماته، كي يصبح في المستقبل من مشايخ السلطة

ومن علامات حبه للمال كان رفعت يقوم بإقامة معسكرات في المناطق التي تحتوي على كنوز تحت الأرض بحجة تنفيذ مشاريع عسكرية، وتقوم الجرافات والبلدوزرات بالتنقيب عن الذهب كما حصل في منطقة المسمية في الشمال الشرقي من حوران شرقي مدينة الصنمين، المليئة بالآثار الرومانية ومنطقة تل المسيح بالسويداء التي سواها بالأرض بهدف التنقيب عن الذهب وسرقة كل الآثار منها.

قائد عمليات غرفة معركة حماة

كان لرفعت الدور الأكبر في مجزرة حماة (فبراير/شباط 1982): عندما عين قائد غرفة عمليات (معركة حماة) وقاد القوات المهاجمة التي نفذت "مجزرة حماة"، وأعطى تعليمات لقواته بقصف المدينة، مما أسفر عن مقتل الآلاف من سكانها، وهو ما أصبح يعرف باسم "مذبحة حماة".

 

وشهد الصحافي الأميركي توماس فريدمان في كتابه: "من بيروت إلى القدس" الصادر في العام 1989 أن رفعت تفاخر في وقت لاحق في العدد الإجمالي للضحايا وقال إنهم لا يقلوا عن 38000 ألفا، حيث لم يعد لتغيير أقواله في لقاءاته الصحفية اللاحقة أي مصداقية، كما فشلت كل محاولات رفعت في تجميل صورته ومسيرته التاريخية المشبوهة، حيث لا تزال في الذاكرة السورية مجزرة تدمر التي دفن بها رفعت المساجين في حفر جماعية وهم أحياء. عندما أعطى الأوامر والتعليمات للضابط فيصل غانم الذي قام بتنفيذ المجزرة البشعة التي لا تمحى من ذاكرة السوريين.

طرق حافظ الماكرة للتخلص من سطوة وهيمنة رفعت

لقد استعان حافظ على انقلاب رفعت بفرقتي البعث والثورة الوحدات الخاصة، وبقية الفرق العسكرية الأخرى، والتي كان من أشهر قادتها وأكثرهم ولاءً إبراهيم صافي وشفيق فياض وعلي حيدر الذين يشكلون الأثافي الثلاثة لحكم حافظ الأسد.

في عام (1983) عندما اشتد المرض بحافظ الأسد وأوشك على الموت اختار مقر استراحة اللواء إبراهيم صافي قائد الفرقة الأولى المطلة على دمشق من جهة مدينة الكسوة في الجنوب مكاناً لعلاجه بعيداً عن الضجيج، هنا بدا الأمر كأن لحظة رفعت المنتظرة قد حانت، وبدأ في العمل بصفته «وريثاً شرعياً»، فرأى أنه الخليفة الوحيد، وبدأ في حشد تأييد جنرالاته، ما أثار استياءً شديداً لدى حافظ الأسد وخاصة عندما قامت كتائب من «سرايا الدفاع بالانتشار في شوارع دمشق كأن رفعت أراد أن يقول للناس: "أنا قادم" ولكن سرعان ما وجد رفعت أن الجنرالات، الذين التفوا في البداية حوله قاموا بالانقلاب عليه في النهاية، لتصبح دمشق بحلول شباط ١٩٨٤ على مشارف حرب دموية أمام أوامر حافظ أسد إلى «علي حيدر» و«شفيق فياض» بتحريك الدبابات للمواجهة وتطويق دمشق، وإلى الفرقة الأولى التي يقودها اللواء إبراهيم صافي والفرقة الثالثة التي يقودها اللواء شفيق فياض كما أسلفت، وانتشرت في دمشق تشكيلات الوحدات الخاصة التي كان يقودها اللواء على حيدر وتوترت الأجواء لكن عندما عرف رفعت بالإجراءات، كما عرف بعض الضباط الكبار الذين بايعوه أن الرئيس حافظ تجاوز الخطر تخلوا عنه وأصبح معزولاً. ومن أشهر الضباط الذين تخلوا عنه في البداية الضابط الرائد (بهجت سليمان) الذي رفض النزول إلى ساحة الأمويين واحتلال إذاعة دمشق. فصفعه رفعت صفعته المشهوره على وجهه، والذي ستكون لأبنائه (أي بهجت سليمان) عداوة كبيرة مع رفعت، وبدا ذلك واضحا في انتقاد أبناء بهجت سليمان لمن هللوا ورحبوا برفعت عند عودته من فرنسا إلى دمشق.

لقد أقنع حافظ شقيقه رفعت عن طريق والدته ناعسة، بالمغادرة بعد الاتفاق على أن يعود ريع إيجارات كل ممتلكات سرايا الدفاع لحساب رفعت في المنفى من مساكن السومرية والصبورة ويعفور وكل مرافق الوحدة 569 سرايا الدفاع مع مبالغ مالية كبرى لم يستطع البنك المركزي وقتها تسديدها، فاستعان حافظ بالقذافي واستدان منه (2مليون دولار) من أجل إسكات رفعت والدفع به لمغادرة البلاد.

كما تم الاتفاق على اصطحاب (500) شخص من مختلف الرتب من مرافقة وأطباء وممرضين وخدم وسائقين ومرافقين ورجال أعمال على أن تبقى رواتبهم سارية الدفع من قبل الوحدة المالية 205 التابعة لوزارة الدفاع.

معضلة رفعت مع القيادة السياسية

اصطدم رفعت برفض القيادة السياسية عندما أوعز للقيادة القطرية بعزل وفصل قادة كبار من الحزب وعلى رأسهم:

علي دوبا (مدير المخابرات العسكرية) - إبراهيم صافي (قائد القوات السورية في لبنان) - علي حيدر (قائد الوحدات الخاصة) - محمد خولي (مدير المخابرات الجوية) لأنهم أعلنوا وقوفهم ضده حيث اعتبر نفسه كونه شقيق الرئيس بأن له الحق في الرئاسة ويجب أن يعامل كالرئيس. وقال وقتئذ "إذا لم تتخذوا القرار بفصلهم، فإن قواتي ستنزل فوراً لتحتل دمشق"، ويقصد بها هنا سرايا الدفاع ولم يتحقق له ذلك

يغلب على رفعت المزاج الإقصائي وعدم قبول الآخرين ففي كثير من الأحيان كان يضرب ضباطا كبارا ومسؤولين سياسيين في الاجتماعات الحكومية على مرأى حافظ الأسد، ولم يتخذ حافظ الأسد أي إجراء رادع بحقه.

العقبات التي ستواجه رفعت مع الحرس القديم والجديد

إن أهم ما يحيط بهذه المرحلة هي عداوة أنصار حافظ من القادة السابقين وصولاً إلى أبنائهم الذين يرفضون عودته الأمر الذي سيشق الصفوف ويأزم المشكلة ويعيد أحقاد رفعت وحافظ وأنصاره الذين أفشلوا الانقلاب، حيث سنلحظ في قرى الساحل وخاصة ريف جبلة تأزم الولاءات والمشاحنات بين شبيحة هذه القرى بين مؤيد لبشار وماهر من جهة، وبين مؤيد لرفعت الذي طالبت حاضنته في عام 2014 بالسماح له بالعودة إلى سوريا من أجل إنقاذها لأن بشار قد فشل في القضاء على الثورة المعارضة لحكمهم، وكانوا يرون في رفعت صاحب خبرة كبيرة في وأد ثورة حماة في الثمانينات.

لا شك أن الثارات القديمة التي ما زالت تحكم ضباط الحرس القديم ستنتقل فجأة إلى الحرس الجديد وسينقسم الشارع إلى فرقاء متشاكسين وسينعكس ذلك على الحاضنة الشعبية، التي أصبحت تتفكك من جراء تصرفات بشار وماهر وشبيحتهم الطغاة الذي أصبحوا يهددون الإجماع على نصرة بشار ظالماً أو ظالماً.

القاعدة الشعبية الواسعة لرفعت الأسد في الجيش

بلا أدنى شك ما زالت حتى الآن الشريحة الواسعة من ضباط سرايا الدفاع الذين شتتهم حافظ الأسد ووزعهم على الفرق النظامية محتفظة بولائها لرفعت الأسد ونقلوا هذا الولاء لأبنائهم، وهذا الولاء هو بمنزلة الجمر تحت الرماد فالقادم من الشأن السوري سيكون خطيرا بوجود رفعت الأسد وربما ستتعدد الولاءات وستتشعب الآراء.

لا يخفى على أحد أنه حتى هذه اللحظة لم يتم الانتهاء من تقاسم التركة بين رفعت وأبناء حافظ الأسد حيث ما تزال بدائل إيجار مساكن السومرية والصبورة ويعفور لا تدخل لخزينة وزارة الدفاع بل لحساب رفعت في الخارج.

إضافة إلى الاتفاق بين رفعت وحافظ الذي ما زال ساري المفعول على تشغيل رأس مال كبير بمليارات الدولارات ما زالت في ذمة رفعت الأسد وبشار وماهر في صورة هذه التركة التي ما زالت بحوزة رفعت، والعقبة الكأداء تتمثل في ضباط سرايا الدفاع السابقين الذين لا يزالون يحفظون الود لرفعت وأولاده، ويرفضون فكرة الولاء لبشار وماهر خاصة الذي استلم الفرقة بعد رفعت ويعتبرون أن لاحق له فيها وهي من حق رفعت فقط وأولاده.

وعلى الرغم من عودته إلى سوريا في عام1985: وفي عام 1992عند وفاة والدته لكنها لم تكن عبارة عن تسامح وتصالح وتصافي النفوس بل كان يغلب عليها طابع الروتين الجامد.

في ضوء ذلك كله من المتوقع أن رفعت سيلاقي مصير غازي كنعان ومحمود الزعبي ورستم غزالي وجامع جامع عما قريب قبل أن تقع الفأس في الرأس ويندم بشار على إعادة رفعت إلى سوريا.