عودة "داعش" في سوريا: ملاحظات وأسباب

2021.01.03 | 00:00 دمشق

unnamed_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

عاد تنظيم "داعش" بقوة إلى المشهد السوري من خلال سلسلة العمليات التي تستهدف جميع الأطراف في البادية السورية وشرقي الفرات. وكانت العملية الأخيرة التي جرت يوم الأربعاء الماضي، في البادية ما بين ريفي دير الزور وحمص هي ذروة العمليات التي بدأت بالتصاعد تدريجيا منذ منتصف السنة الماضية.

وجاءت نتيجة تلك العملية ثقيلة على النظام السوري الذي ألغى المظاهر الاحتفالية بالعام الجديد في التلفزيون الرسمي، تضامنا مع أهالي الضحايا الذين صدرت عن بعضهم ردود فعل تندد بتهاون النظام عن تأمين عساكر ذاهبين لقضاء الإجازة. وذكر بيان داعش الذي تبنى العملية أن عدد القتلى بلغ أربعين من بين الجنود الذين ينتمون إلى الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، والتي تشارك الميليشيات الإيرانية العمل في منطقة شرقي الفرات، وعلى نحو خاص في البوكمال التي تحولت إلى قاعدة إيرانية باسم قاعدة الإمام علي، وتسيطر عليها ميليشيات فاطميون الأفغانية والحشد الشعبي العراقي تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني.

العمليات تستهدف كل الأطراف المسيطرة على هذه الجغرافيا على نحو شبه يومي. وسقط من جرائها قادة أمنيون وعسكريون من "قسد" والروس والنظام والميليشيات الإيرانية

ويمكن تسجيل عدة ملاحظات حيال العمليات التي يقوم بها تنظيم داعش. الأولى هي أنها تجري على رقعة جغرافية واسعة تمتد من محافظة الحسكة وتشمل محافظتي دير الزور والرقة في اتجاه البادية. والثانية هي أن هذه العمليات تستهدف كل الأطراف المسيطرة على هذه الجغرافيا على نحو شبه يومي. وسقط من جرائها قادة أمنيون وعسكريون من "قسد" والروس والنظام والميليشيات الإيرانية، وأبرز القتلى الجنرال الروسي فيتشسلاف غلادكيخ الذي لقي مصرعه مع قيادي بميليشيا الدفاع الوطني، في 18 من آب الماضي، نتيجة انفجار عبوة ناسفة في ريف محافظة دير الزور. والنقطة الثالثة هي أن العمليات في تصاعد واتساع رقعة تدريجي، وتكثفت على نحو ملحوظ في الآونة الأخيرة، رغم التعزيزات العسكرية المضادة.

أما الملاحظة الرابعة فتتمثل بالإخفاق في وقف هذه العمليات أو الحد منها، وهذا الفشل يسجل على الأطراف الموجودة على الأرض في هذه المناطق، أي روسيا، النظام، قسد، والميليشيات الإيرانية. ومن المعروف أن روسيا أعلنت في الصيف الماضي عن حملة عسكرية واسعة تحت مسمى الصحراء البيضاء بهدف القضاء على خلايا داعش في البادية، ما أدى إلى تصفية 327 مسلحاً وتدمير 134 ملجأ و17 نقطة مراقبة و7 مخازن عتاد و5 مخازن تحت الأرض للأسلحة والذخيرة" حسب التصريح الروسي الرسمي عن نتائج العملية.

يعزو خبراء من المنطقة التي تدور فيها العمليات نشاط داعش المتصاعد إلى عدة أسباب. السبب الأول هو سيطرة "قسد" التامة على المنطقة، ماعدا البادية التي آلت إلى النظام وروسيا. ومن دون شك يلقى مشروع قسد السياسي في المنطقة رفضا عاما من الأغلبية العربية، وخصوصا في محافظتي دير الزور والرقة ذات الأغلبية العربية المطلقة بنسبة تتجاوز 95%. ومنذ نهاية دولة داعش باتت المدينتان تحكمان من قبل قسد، الأمر الذي ولد نقمة شعبية غذاها التمييز، ووضع اليد على الثروات، وحرمان أهل المنطقة منها، وفرض مناهج دراسية من قبل الإدارة الذاتية الكردية.

ويعود السبب الثاني إلى سيطرة الميليشيات الإيرانية على مناطق واسعة في ريف دير الزور المحاذي للعراق، وقيامها بممارسات ضد أهل المنطقة، ومن ذلك حملات التشييع الواسعة التي تلقى معارضة شعبية من قطاعات واسعة.

تحتاج هزيمة داعش إلى مشروع مختلف يقوم على معالجة الاختلالات الكبيرة الحاصلة بسبب ممارسات الأطراف المسيطرة على الأرض،

أما السبب الثالث فهو يتلخص في عمل الروس على إعادة تأهيل النظام في المنطقة، وذلك في إطار السياسة التي تتبعها موسكو في كل المناطق التي سيطرت عليها منذ تدخلها العسكري في أيلول 2015. والتي أثبت فشلها كليا كما هو الحال في الجنوب، حيث إنها لم تتمكن حتى اليوم من تنفيذ اتفاقات 2018، ولذلك تشهد المنطقة حالة رفض شاملة للنظام وفوضى أمنية رغم قيام روسيا بإنشاء تشكيلات عسكرية موالية لها كالفيلق الخامس الذي تعمل على تعميمه في دير الزور.

تحتاج هزيمة داعش إلى مشروع مختلف يقوم على معالجة الاختلالات الكبيرة الحاصلة بسبب ممارسات الأطراف المسيطرة على الأرض، وأولها تسليم إدارة المنطقة لأهلها بما في ذلك مواجهة داعش عسكريا. ولابد في الختام من ملاحظة مهمة وهي أن داعش لا يحظى بشعبية في المنطقة، ولم تعد له حاضنة بين السكان، ولكن لا أحد من أهل المنطقة يجد نفسه معنيا بمواجهته، طالما أن ذلك يصب في صالح روسيا والنظام وإيران.