عودة اللاجئين في خطة طهران السورية.. الولاء مقابل الغذاء

2019.09.26 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يشكّل حزب الله حالياً، محور اهتمام ومباحثات روسية إسرائيلية، عسكرياً وأمنياً. تعمل موسكو منذ فترة، على ضبط مفاصل الجغرافيا السورية، والإمساك بزمام القرارات العسكرية على الأراضي السورية، والتغلغل في مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية. وهي تقدّم نفسها بأنها الضامنة لحصص ومناطق نفوذ الجميع، كما لإيران كذلك لإسرائيل. وتجلّت هذه المواقف في عدم لجوء حزب الله إلى الردّ على الضربة التي استهدفته في سوريا وأدت إلى سقوط عنصرين من مقاتليه. إنما اختار الردّ من لبنان. اختيار حزب الله الردّ من لبنان لم يكن تفصيلاً، بل كان ترجمة لقرار روسي بعدم السماح بجعل الأراضي السورية منطلقاً لأي تهديد لأمن إسرائيل.

هنا ثمة مفارقة أساسية، أن الإسرائيليين يتحدثون عن استهدافات لمواقع إيرانية سقط من جرائها قتلى إيرانيون، ولكن إيران لم تردّ، بينما حزب الله لجأ إلى الردّ. الأمر لافت نوعاً ما، ويقود إلى خلاصة أساسية هو إظهار الخصوصية التي يتمتع بها حزب الله في خياراته العسكرية والأمنية في سوريا بمعزل عن الإيرانيين وبتفويض مباشر منهم. بعيداً عن هذه الملاحظة

روسيا تتعاطى مع إسرائيل وفق منطق أن الضربات الإسرائيلية على مواقع الإيرانيين كبيرة جداً وقوية إلى حدّ بعيد، وتعتبر غير متكافئة أمام التهديد الإيراني

وبالعودة إلى المداولات الروسية الإسرائيلية. فإن الروس وبناء على مطالبات إيرانية، يطلبون من الإسرائيليين لجم عملياتهم العسكرية التي تستهدف مواقع الإيرانيين وحلفائهم في سوريا.

على قاعدة أن موسكو ستكون ضامنة لأمن الجميع و"حقوق" الجميع. ومن بين ما يتكشّف من مداولات بين الطرفين، فإن روسيا تتعاطى مع إسرائيل وفق منطق أن الضربات الإسرائيلية على مواقع الإيرانيين كبيرة جداً وقوية إلى حدّ بعيد، وتعتبر غير متكافئة أمام التهديد الإيراني الذي يدّعيه الإسرائيليون، بمعنى أن التهديد الإيراني للأمن الإسرائيلي أقل بكثير من حجم وفعالية الضربات التي توجهها تل أبيب لطهران وحلفائها. ولذلك تعزز موسكو وساطتها للوصول إلى تفاهم ضمني بين الطرفين، على غرار ما حصل سابقاً بخصوص انسحاب الإيرانيين من الجنوب السوري.

إسرائيل تعتبر أن إيران لم تلتزم بهذا الاتفاق، واستمرت بإنشاء وتعزيز المجموعات المسلحة السورية الموالية لها في الجنوب السوري، ولذلك استمرت إسرائيل بتنفيذ ضرباتها. في المقابل، لإيران أهداف عديدة في سوريا، بعيدة المدى، لا تقتصر على الوجود العسكري، الذي تعرف طهران أنها ستنهيه ولو بعد حين، لذلك هي تركّز على دعم جماعات سورية موالية لها، سياسياً وعقائدياً، تتسلّم زمام المشروع الإيراني في سوريا بعد انسحاب القوات الإيرانية والحلفاء، على غرار ما فعلته إيران في لبنان عبر حزب الله، وفي العراق عبر الحشد الشعبي وفي اليمن عبر الحوثيين، وفي فلسطين عبر جماعات موالية لها. تريد إيران تأمين استمرارية نفوذها في سوريا بالاستناد إلى "أبناء المجتمع والبيئة". على الرغم من حصول عمليات تهجير ديمغرافية ممنهجة.

ما يهم إسرائيل هو الحفاظ على أمنها، وأن تبقى سوريا ضعيفة ومشتعلة، وما يهمّ موسكو هو الإمساك بعمود النظام وركائزه لضمان مصالحها الاستراتيجية على البحر المتوسط والمياه الدافئة، وما يهمّ إيران، هو توفير كوريدور الإمداد لتأمين استمرارية مشروعها ونفوذها في سوريا ولبنان عبر العراق. تجتمع الدول الثلاث على إضعاف الدولة السورية، وسحق الشعب السوري، وهذا ما كان طوال السنوات الماضية. وإن التقت هذه القوى في وجهة استراتيجية، أو تقاطعت مصالحها، فإن أبواب الخلافات والصراعات تبقى مفتوحة على تفاصيل عديدة، وعلى كيفية امتلاك كل طرف لعدد أكبر من أوراق النفوذ التي تكون قابلة للعرض على طاولة التفاوض والمقايضة.

تمزيق النسيج الاجتماعي السوري، الذي حققته إيران، يلبّي طموحاً إسرائيلياً تاريخياً، ويبرر لإسرائيل إعلان يهودية وقومية الدولة، والقضاء على حلّ الدولتين، وهذا ما تحقق، بعمليات التهجير

تعتبر طهران أنها حققت خطوات متقدمة على طريق حماية مشروعها في سوريا، بعد إنجاز عمليات التهجير، واستمرار عمليات التشيّع لجماعات سنية في مناطق متعددة من سوريا

التي حصلت. ولكن أيضاً إيران وحزب الله يعلمان، أن تأمين استمرار نفوذهما في سوريا، لا يمكن أن يستمر في ظل استعداء البيئات السورية المختلفة، وخصوصاً السنّة الذين كانوا يمثلون أكثرية مهددة للمشروع الإيراني.

اليوم تعتبر طهران أنها حققت خطوات متقدمة على طريق حماية مشروعها في سوريا، بعد إنجاز عمليات التهجير، واستمرار عمليات التشيّع لجماعات سنية في مناطق متعددة من سوريا، أو لشحذ الولاءات من قبل هذه المجموعات التي كانت مسلّحة وتقاتل في صفوف المعارضة، لكنها تبحث عن أفق للاستمرار والعيش، فأصبحت تعتاش على المساعدات الإيرانية مقابل سيطرة طهران سياسياً وعسكرياً. هذا الواقع، يحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك، بالنسبة إلى إيران، الحريصة على استمرار مشروعها في سوريا، يحتاج بالتأكيد إلى إظهار جوانب إيجابية وطمأنة فئات اجتماعية سورية.

لذلك، جاءت دعوة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أهالي القصير للعودة إلى أراضيهم. وقال إن حزبه أجرى الترتيبات اللازمة لتوفير هذه العودة، لكن نصر الله كما إيران يعلمان، أن جزءاً كبيراً من الأهالي لن يعودوا وقد أصبحوا في أصقاع العالم المتفرقة. لكن الدعوة لا بد منها، لكسب ودّ شرائح اجتماعية سنية بأن الحزب يسمح لها بالعودة إلى أراضيها، وهو لا يريد تهجيرها ولا يريد إضفاء طابعاً مذهبياً للصراع معها. عودة هؤلاء بلا شك ستكون مشروطة، بما حققه حزب الله، وهو إضعاف هذه البيئة الاجتماعية وسحقها، بحيث إذا ما عادت لن تكون قادرة على التأثير، ولن يكون لها أي دور أساسي يعيق مشروع الحزب، لا بل إن إيران ستحاول استمالة هؤلاء إلى صفها عبر تقديم المساعدات لهم، وإشعارهم بأن أمنهم سيكون مرتبطاً بوجودها، تماماً كما فعلت مع جماعات معارضة عديدة عبر استمالتها وتوفير الحماية لها من النظام.

تسعى إيران إلى تحقيق هذه العودة بعد إضعاف معارضيها، وإفقادهم كل مقومات القوة والتأثير، في لحظة تطور هامة في المنطقة، تتعرض فيها إيران للعقوبات القاسية قبل الذهاب إلى المفاوضات، وهي بذلك تقدّم إشارات إيجابية إلى المجتمع الدولي حول احتمال إعادة اللاجئين إلى أراضيهم، والقول بأنها لا تسعى إلى تغيير ديمغرافي، لكن عودة هؤلاء ستكون مرتبطة بانعدام أي فعالية لهم، تماماً كما هو حال العرب الأحواز في إيران، أو مختلف القوى التي كانت معارضة لها في المنطقة، وأصبحت مجبرة على التطبيع معها وعدم الخروج عن طاعتها خوفاً من السحق. هذا سيكون جانباً أساسياً من لعبة إيران التفاوضية في المستقبل، التي ستكون خلاصتها ضمان أمن إسرائيل مقابل الاحتفاظ بنفوذها في سوريا والمنطقة ككل.