عودة إلى طائفية الصراع السوري

2019.04.24 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يحق للسوريين اليوم وبعد ما حدث في الجزائر والسودان أن يتساءلوا مجدداً لماذا لم يتصرف الجيش السوري بنفس الطريقة التي تصرف بها الجيشان الجزائري والسوداني في الرد على المظاهرات والاحتجاجات السلمية التي ملأت شوارع العاصمة، وغيرها من المدن في كل من البلدين العربيين، في الحقيقة كانت إجابة السوريين سريعة بشكل أتوماتيكي بسبب "الجيش السوري طائفي".

في الحقيقة في هذه الإجابة كثير من الصحة بالنظر إلى الأحداث التي شهدتها سوريا خلال السنوات الثمانية الماضية، لكنها لا تفسر كل الإجابة، بمعنى أن الطائفية

كانت الجرائم المؤسسة على أساس طائفي وإثني هي الأكثر انتشاراً في الحرب السورية، كما أنها أحدثت الهدف السياسي المنشود منه تماماً وهو التطهير

وحدها لا تبرر الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الجيش والقوات الأمنية السورية بحق المدنيين العزل، بل إن هناك أسبابا أكثر تعدداً وتعقيداً لابد من محاولة البحث عنها في محاولة لتفسير كيف آلت إليه الأوضاع في سوريا.

لقد كانت الجرائم المؤسسة على أساس طائفي وإثني هي الأكثر انتشاراً في الحرب السورية، كما أنها أحدثت الهدف السياسي المنشود منه تماماً وهو التطهير أو "التجانس" حسب التعبير الذي استخدمه الأسد مراراً، وكما نقل على لسان رئيس الاستخبارات العسكرية جميل حسن حين قال "إن العدد الهائل للمطلوبين لن يشكل صعوبة على إتمام الخطة (خطة تهدف إلى اعتقال أكثر من 3 ملايين سوري مطلوبين داخليا وخارجيا للمخابرات الجوية)؛ فسوريا بـ 10 ملايين صادق مطيع للقيادة أفضل من سوريا بـ 30 مليون مخرب".

كان النظام يصر على إذكائها بدل معالجتها بوصفها الطريقة الوحيدة لدعم صلابة قاعدته المتمثلة في "الطائفة العلوية" كما جرى تكرار رواية أن المتظاهرين استخدموا أو رفعوا شعاراً من مثل "العلوي إلى التابوت والمسيحي إلى بيروت" في الأيام الأولى للثورة في درعا، وبعد بحث كبير فمن المستحيل العثور على فيديو واحد لكل المظاهرات السلمية رفعت هذا الشعار لكن هذه الرواية جرى تردديها

يتبنى فردريك ستوليز هذه الرواية دون أدنى شك لتثبيت روايته أن الطائفية بدأت مع اليوم الأول للثورة السورية مثل رفع شعار "العلوي إلى التابوت والمسيحي إلى بيروت"

بشكل أعمى من قبل كل مؤيدي النظام السوري من محليين ومعلقين على الفضائيات العربية، بهدف نشرها وتحويلها للرواية الرسمية وللأسف كل الباحثين الذي أرخوا لظهور الطائفية في الثورة السورية رددوا هذه الرواية دون حتى محاولة التحقق من تاريخ رفع هذا الشعار أو مكان ظهوره، وحتى مدى هيمنته على خطاب المظاهرات السلمية في المرحلة الأولى للثورة السورية، انظر كيف يتبنى فردريك ستوليز هذه الرواية دون أدنى شك لتثبيت روايته أن الطائفية بدأت مع اليوم الأول للثورة السورية مثل رفع شعار "العلوي إلى التابوت والمسيحي إلى بيروت". كما ينقل جمال باروت أن هذا الشعار ورد في منشورات وزعت في حي باب توما المسيحي في دمشق، وهو ما يثير التساؤل مجدداً أن هذا الشعار لم يتم تردديه أبداً في مظاهرات المعارضة، كما أن توزيعه عبر منشورات في محافظتين كدمشق وحمص في الأحياء المسيحية والعلوية منها يظهر أنها كانت مجرد رواية حكومية رسمية بهدف الكسب من التجييش الطائفي للأقليات العلوية والمسيحية.

أو عبر تكرار رواية "مقتل العميد عبدو التلاوي بالإضافة إلى ابنيه وابن أخيه في حي الزهراء بحمص، وعرض جثثهم المشوهة عبر الإعلام" كدليل على البعد الطائفي المبكر في المرحلة الأولى من الثورة السورية، لقد نشر الخبر للمرة الأولى في صحيفة الوطن المقربة من النظام، انظر: الوطن (دمشق) 19/4/2011 وقد سمعت الرواية ذاتها تتكرر على لسان كل الأصدقاء الذين ينتمون للطائفة العلوية، وكان لديهم تحفظات على الثورة السورية منذ بدايتها، مما يعكس كيف هيمنة هذه الرواية على المخيال "العلوي" بشكل مبكر ودون تدقيق، لكن الطريف في الأمر أن أحداً لم يتوقف أنه كيف سمح النظام السوري في نيسان 2011 حيث سطوته الأمنية والعسكرية على كل أحياء حمص من القوة والسيطرة والرقابة الكلية بتمثيل بالجثث و"عرضها"، ورواية أخرى تردد أنه جرى "سحلها في شوارع حمص"، كما أنه إذا كان هدف النظام وأد الثورة الطائفية كما هو هدف أي نظام سياسي شرعي يرعى إلى حقن الدماء بين المواطنين بهدف ضمان الأمن والاستقرار، كيف لم يُقدم إلى اليوم أياً من مرتكبي هذا الفعل الشنيع إلى العدالة وفق محكمة علنية بهدف تحويل النظر من البعد الطائفي الجمعوي إلى المسؤولية الفردية، كما هي حال كل الجرائم الجنائية في العالم، لقد كان واضحاً أن النظام – سواء أكان مسؤولاً عن هذه الحادثة أم لا – كان يهدف بشكل رئيسي وخاصة الأجهزة الأمنية والمخابرات كما يذكر خضر خضور هو "ضمان الولاء الكامل لعلويي حمص، والذين ينظر لهم بوصفهم مؤسسة يتم التحكم فيها ويهيمن عليها العلويون من الساحل، على الرغم من حقيقة أن العلويين من حمص هم من المدنيين، ومعظمهم من أفراد العائلة أو الجيران الذين يعملون للجيش أو في أجهزة المخابرات، وهو ما ساهم بشكل مبكر في "عسكرة" المجتمع العلوي مبكراً"، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في نسبة المتطوعين المبكرة لعلويي حمص، وخاصة من منطقة الزهراء في ميليشيات ما يسمى "الشبيحة" التي أطلق عليها النظام "الدفاع الوطني".

وبالتالي استفاد النظام مبكرا من "علونة" وتطييف الثورة عبر تجييش قاعدته التي بقيت مخلصة له، حتى ولو كان ذلك على حساب الوطن الأكبر سوريا، واليوم ينظر السوريون إلى الجزائر والسودان ويشعرون كم من الصعب تذكر هذا "الوطن" الذي أصبح طائفيا محضاً.