icon
التغطية الحية

عوائق كبيرة أمام تعلم أطفال السوريين في لبنان

2021.04.30 | 14:01 دمشق

https_d1e00ek4ebabms.cloudfront.net_production_126325af-bddf-43f2-a25e-15fcbe4c5a86.jpg
اللاجئة السورية زينب العوض وهي تدرس في مركز أقامته منظمة غير حكومية في الشمال اللبناني
فاينانشال تايمز- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تعاني زينب العوض كثيراً لتتابع دروسها عبر الشابكة، شأنها في ذلك شأن الكثير من الطلاب في مختلف بقاع العالم خلال فترة إغلاق المدارس بسبب تفشي كوفيد-19. ولكن في لبنان، حيث تدرس تلك الفتاة البالغة من العمر 18 عاماً آخر سنة لها في الثانوية، ثمة تحديات أكبر بكثير، منها فترات انقطاع الكهرباء والإنترنت.

تصف لنا زينب الوضع فتقول: "أحياناً ينقطع الإنترنت طوال يوم كامل، وعندها يتعين علي أن أرجع يوماً للوراء وأنا أتابع ما تم تسجيله من دورس ثم أسأل أساتذتي عما فاتني".

وبالرغم من تلك المصاعب، تستعد زينب لتدخل الامتحانات النهائية في هذه السنة، كما أنها قدمت أوراقها لتحصل على منحة في الجامعة الأميركية ببيروت.

وعن تلك الطموحات تحدثنا فتقول: "أرغب بمتابعة دراستي حتى أصبح طبيبة إن شاء الله، لأساعد المحتاجين، وأعود لأبني بلدي إلى أن يعود إلى سيرته الأولى. كما أنني أريد أن أعيل أبوي وأن أقدم لهما حياة مريحة، وأن أساعد أشقائي وشقيقاتي الأصغر مني سناً على إكمال دراستهم".

وحتى الآن يبدو نجاح زينب أمراً نادراً بين صفوف اللاجئين السوريين في المنطقة، وخاصة في لبنان، تلك الدولة التي تستقبل أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد مواطنيها على مستوى العالم، كما أن نجاح زينب أمر غير مألوف أيام تفشي الجائحة على وجه الخصوص. فمعظم زملائها السوريين في الصف قد تركوا المدرسة الواحد تلو الآخر، وذلك لينتقلوا إلى سوق العمل، تماماً كما فعل شقيقها الأكبر منها سناً، أو ليتزوجن كما فعلت بعض الفتيات في مدرستها وهن بعمر الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة. في حين ترك قسم آخر الدارسة بسبب مشكلات تتصل بعدم القدرة على متابعة الدروس عبر الشابكة، غير أن كثيرين من هذه الفئة لن يعودوا للدراسة عندما تفتح المدارس أبوابها من جديد.

إذ يخبرنا حسن نابلسي، وهو الناطق الرسمي باسم صندوق الطفولة (اليونيسيف) التابع للأمم المتحدة لدى مكتبه للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأنه قبل الجائحة، كان هنالك 759 ألف لاجئ سوري بعمر المدرسة خارج المنظومة التعليمية في عموم تلك المنطقة، وهنالك 2.4 مليون طفل آخرين خارج المنظومة التعليمية داخل سوريا، أما الأسباب فتتصل بالضغوطات الاقتصادية، وعدم توفر أماكن ضمن المنظومة التعليمية المحلية، إلى جانب أمور أخرى تتصل بالمخاوف الأمنية، والعوائق البيروقراطية التي تواجهها عملية التسجيل في المدرسة.

اقرأ أيضاً: النظام والدول المضيفة تطالب السوريين بالعودة.. فما رأي اللاجئين؟

ثم إن لبنان يعاني بالأصل من أزمة سياسية واقتصادية قبل ظهور الجائحة، فقد فقدت الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها منذ شهر تشرين الأول لعام 2019، ولهذا أعلنت الأمم المتحدة بأن 89% من اللاجئين السوريين في لبنان أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع. وخلال شهر آب الماضي، اشتعل مخزن مملوء بنترات الأمونيوم فأحرق ميناء بيروت، متسبباً بأحد أكبر الانفجارات غير النووية في العصر الحديث، كانت حصيلته أكثر من 200 قتيل، وجرحى بالآلاف، ناهيك عن تدمير أجزاء كبيرة من مدينة بيروت، وشمل ذلك المدارس الموجودة فيها.

وعن ذلك تحدثنا ناتالي لاهير وهي خبيرة اقتصادية عالية الشأن تعمل لدى البنك الدولي، كما تعمل على ملف التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتقول: "أعتقد أنه من الصعب فصل كوفيد-19 عن غيره من الأزمات في لبنان، إلا أن الأضرار المضاعفة التي تعرض لها من خسروا فرصتهم في التعليم أصبحت بالغة".

إذ في عموم هذه المنطقة بوسع نحو 55% من الطلاب المسجلين في المدارس قبل جائحة كوفيد أن يحصلوا على التعليم عن بعد بحسب ما أوردته منظمة اليونيسيف في شهر تشرين الثاني الماضي. وفي لبنان، أعلن وزير التعليم بأن نسبة الطلاب القادرين على المشاركة في عملية التعليم عن بعد بلغت نحو 50%. غير أن أدوات التعلم عبر الشابكة كانت بالأصل قليلة الاستخدام في لبنان قبل تفشي الجائحة، لاسيما في المدارس العامة.

وفي الوقت الذي أثبتت فيه الدراسة عن بعد فعاليتها في بعض الحالات ترى السيدة ناتالي بأن: "النتائج مختلطة، إذ إن أكثر من 20% من المدارس العامة في لبنان ليس لديها أي شكل أو صيغة للتعليم عن بعد".

اقرأ أيضاً: دراسة: 75% من اللاجئين السوريين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة

أما بالنسبة للاجئين، فقد أصبحت المشكلات أكثر حدة، إذ كشف تقرير مواطن الضعف الصادر عن الأمم المتحدة خلال العام الماضي بأن 17% فقط من الأطفال السوريين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6-14 عاماً من 4563 أسرة تعيش في لبنان استطاعوا أن يشاركوا في الدروس التعليمية التي تعطى عن بعد.

شقيقان سوريان خارج خيمتهما في مخيم للاجئين بمدينة عرسال اللبنانية

وبصرف النظر عن مصاعب الوصول الرقمي إلى التعليم عن بعد، تم تعليق الدروس التي تعطى عبر الشابكة أمام الكثير من طلاب الدوام الثاني وذلك بسبب الإضراب الذي أعلنه المعلمون من أجل رواتبهم المستحقة التي لم تصرف لهم. وفي الوقت الذي تم فيه تسجيل بعض الأطفال السوريين في صفوف تجمعهم بطلاب لبنانيين في المدارس العامة، إلا أن غالبيتهم يحضرون دروساً خصوصية بعد الظهر بعد انتهاء جلسات الدوام النظامية، حيث تم إطلاق هذا البرنامج في عام 2013 عبر تمويل دولي.

وفي الفترة ذاتها، تسببت حالة إغلاق المدارس بتعليق برنامج التعليم الخاص السريع الذي يعتبر حالياً السبيل الوحيد لتسجيل الأطفال السوريين الذين انقطعوا عن الدراسة لعدة أعوام.

وبعد مرور أكثر من سنة على الجائحة، لم تقم وزارة التعليم والتعليم العالي اللبنانية بطرح خطة رسمية للتعليم عن بعد، بالرغم من تداول مسودة تلك الخطة. بيد أن السيدة ناتالي ترى بأن تلك الخطة تقدم بعض الاستراتيجيات الواعدة، خاصة في مجال استخدام التقانة والتكنولوجيا بالنسبة للمدارس التي تخلفت عن اللحاق بالركب. غير أن المسؤولين في الوزارة لم يردوا عندما طلبنا منهم التعليق على الموضوع.

ثم إن المشكلات التي تتصل بالوصول إلى التعليم عن بعد هي من يضعف نسبة تسجيل اللاجئين في المدارس على ما يبدو. إذ هنالك 190600 طفل سوري مسجل في التعليم الإبتدائي العام في لبنان خلال هذا العام، وهذا العدد أقل من عددهم في العام الدراسي 2019-2020 والذي بلغ 196238 طفلاً، والذي كان بالأصل أقل من عددهم للعام الدراسي الذي سبقه والذي بلغ 206061 طفلاً، كما أن نحو 6400 طالب سوري فقط قد تم تسجيلهم في المدارس الثانوية.

وهنا تحدثنا سعاد قاضي، وهي لاجئة أتت من إدلب لتعيش في منطقة بعلبك على حدود لبنان الشرقية، عن ابنتها نهى، البالغة من العمر 13 عاماً، والتي كانت من بين هؤلاء الذين وقعوا في تلك المطبات، إذ كانت نهى ترتاد مدرسة عامة في بلدة مجاورة، لكنها انقطعت عن الدراسة قبل عامين وذلك لأن أسرتها لم تعد قادرة على دفع تكاليف تنقلاتها. ومع إغلاق المدارس، الذي لم يعد يعتبر مشكلة أصلاً، ظلت نهى غير قادرة على المشاركة في الدروس التي تعطى عبر الشابكة، وذلك لعدم توفر خدمة الإنترنت لدى أسرتها.

وعن ذلك تحدثنا سعاد فتقول: "أخبرتني عدة مرات في هذا العام بأنها تريد أن تعود لمدرستها عندما تفتح المدارس أبوابها وينتهي التعليم عبر الشابكة، إذ بكت كثيراً عندما انقطعت عن الدراسة، لأنها تريد أن تذهب إلى المدرسة وتتعلم، إلا أن الظروف أتت هكذا".

وبالنسبة للطلاب السوريين الذين لم يتمكنوا من التسجيل في المدارس العامة أو الذين يعانون كثيراً مع المنهاج، ثمة برامج تعليمية إضافية تجريها المنظمات غير الحكومية ناهيك عن المبادرات غير الرسمية التي تساعدهم على مواصلة التعلم.

إذ مع بداية وصول زينب إلى لبنان، عندما كانت في الثامنة من العمر، قام والداها بتسجيلها في مدرسة عامة محلية في بكرزلة وهي قرية تقع في شمالي لبنان، استقرت فيها أسرة زينب لتعمل في بساتين الزيتون. إلا أن زينب عانت كثيراً كغيرها من الأطفال القادمين من سوريا، وذلك لأنها لم تكن تفقه شيئاً من الأبجدية اللاتينية أو الفرنسية، والتي تعتبر لغة التعليم الأساسية في المدارس اللبنانية.

ولحسن حظ زينب، افتتحت منظمة غير حكومية صغيرة تدعى الإغاثة والمصالحة من أجل سوريا مركزاً في تلك القرية، وفيه أخذت مجموعات من المتطوعين تقدم المساعدة في كتابة الوظائف وحلها بعد الدوام، إلى جانب تقديم دروس تعويضية في اللغة الفرنسية، وكان من بين هؤلاء المتطوعين بولين سمعان عبود، وهي معلمة لبنانية تدرس اللغة الفرنسية في المدارس العامة، وخلال فترة إغلاق المدارس، استمرت بولين بالعمل عبر واتساب في شرح الدروس للطلاب.

المعلمة بولين سمعان عبود التي تعلم الطلاب اللاجئين وتدعمهم

ويرى السيد حسن نابلسي من اليونيسيف بأن هذه البرامج مهمة لسد النقص في نظم التعليم المحلية، إلا أنه يرى بأنه على السلطات المحلية والمنظمات الدولية أن تتعاون على دعم ورفد قدرات المعلمين في نظم التعليم الرسمية، إلى جانب تطوير الدروس التي أعطيت خلال فترة الجائحة، ويشمل ذلك معالجة الفجوة الرقمية، حيث يقول: "إنها فرصة تلوح اليوم للاستثمار في التعليم الرقمي ولزيادة وتحسين قدرة الطلاب على الوصول إلى هذه الموارد"، وأضاف بأن هذا يشمل المذياع والتلفاز، إذ يمكن لهاتين الأداتين أن تستكملا وتدعما جهود المعلمين حتى بعد جائحة كوفيد-19، كما بوسعهما دعم التعليم المنزلي".

غير أن الاستثمار بشكل أكبر في تعليم الأطفال اللاجئين، لاسيما ضمن برامج مكلفة تسعى لتحسين وزيادة وصولهم إلى الأجهزة الرقمية والإنترنت، قد يكون أمراً شاقاً جداً في الوقت الذي تعب فيه المانحون من البذل والعطاء. إذ خلال مؤتمر بروكسل السنوي الذي عقد للسنة الخامسة على التوالي خلال الشهر الماضي، كونه قد خصص لجمع التبرعات ضمن الاستجابة للأزمة السورية، تعهدت الدول المانحة بدفع مبلغ 5.3 مليارات يورو، أي أن هذا المبلغ يقل عن المبلغ الذي دفع خلال العام الفائت بنسبة 1.6 مليار يورو، كما أن المبلغ الذي دفع خلال السنة الماضية كان أقل من المبلغ الذي دفع في السنة التي قبلها.

اقرأ أيضاً: أزمات البرازيل تنعكس على حياة اللاجئين السوريين فيها

وبالرغم من تعدد الأولويات التي تتنافس على الصدارة في هذه المنطقة، وتلك التي ظهرت عقب تفشي الجائحة، يرى حسن نابلسي بأن على المجتمع الدولي ألا يشيح بنظره عن الطلاب اللاجئين الذين أوشك الجميع على التخلي عنهم، ولهذا يقول: "سيتحول هؤلاء الأطفال إلى جيل ضائع في حال عدم حصولهم على التعليم والدعم الذي يستحقونه".

    

المصدر: فاينانشال تايمز