عن كسب قلوب الناس بواسطة الحرب!

2019.12.08 | 19:19 دمشق

mafy_tdhyb_bswrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ وقت طويل بات التعليق على تصريحات بشار الأسد مملاً ولا فائدة منه، ليس فقط بسبب عتهه وأكاذيبه التي تنكشف أكثر كلما تحدث أكثر، ولكن أساساً لأنه بات مجرد تابع لبوتين وخامنئي، لا يملك من أمره شيئاً، فلا يمكن لأي تصريحات تصدر منه أن تحمل أي قيمة. مع ذلك ما زال هذا المجرم قادراً على إدهاشنا ببعض كلامه لشدة غبائه وغبائها. من ذلك مثلاً الحديث المطول الذي أعطاه للإعلام الروسي قبل فترة، وقال فيه، من جملة ما قال، إن "الحرب في سوريا كانت لكسب قلوب الناس" في معرض "إثباته" استحالة أن يقصف جيشه المدنيين، على طريقته الغبية في إنكار الاتهامات الموجهة إلى نظامه بما يعتقد أنها محاكمة منطقية يصل بنتيجتها إلى أحكام قاطعة غير قابلة للنقاش.

في الحديث نفسه يعترف الأسد أن "الاستقرار الذي ترونه" (!) هو نتيجة تضحيات مئة ألف من القتلى! هو يقصد طبعاً قتلى ميليشياته وليس إجمالي القتلى من السوريين. مئة ألف قتيل! يا له من رقم فظيع لعد القتلى من البشر بصرف النظر عن الجهة التي يحاربون فيها. لا نعرف، بعد هذا الاعتراف الذي من المحتمل أنه يخفي حقيقة أفظع مفادها أن العدد أكثر بكثير، كيف يمكن كسب قلوب الناس، حتى لو كان المقصود بالناس جمهور الموالاة حصراً، وهو ما يرجح أنه يعنيه، بالنظر إلى أنه يعتبر السوريين المعارضين، مسلحين أو مدنيين، أعداءً موصومين بالإرهاب أو العمالة لدول معادية أو كلاهما معاً، أو "حاضنة اجتماعية" للإرهاب.

كيف يمكن لنظام ثكل عشرات آلاف الأمهات من البيئة الموالية في أبنائهن أن يكسب قلوبهن وقلوب عائلات المئة ألف الذين تحدث عنهم؟ هذا بصرف النظر عن العوامل الأخرى التي تجعل كل القلوب مكلومة ومملوءة ضد نظام جعلهم يدفعون هذا الثمن الباهظ لهدف وحيد هو البقاء في السلطة جاثماً على صدورهم. ونحن نرى العوامل الأخرى التي تثير الاستياء لدى أشد الأوساط تمسكاً ببقاء هذا النظام من انعدام الأمن والذل والجوع وكل صنوف الحرمان. يرى الموالون اليوم كيف يتنمر عليهم أمراء الحرب من الشبيحة ويستبيحون أمنهم الشخصي وممتلكاتهم من غير أن يسمح لهم بالاعتراض العلني. تمتلئ صفحات الموالاة على فيسبوك بأشكال التعبير عن الاستياء، وإن كانت لا تضع النقاط على الحروف حيثما يجب أن توضع، أي باتهام النظام ورأسه مباشرةً بالمسؤولية عن سوء أحوال من تبقى منهم على قيد الحياة.

كيف يمكن لنظام ثكل عشرات آلاف الأمهات من البيئة الموالية في أبنائهن أن يكسب قلوبهن وقلوب عائلات المئة ألف الذين تحدث عنهم؟

نحن نفهم من تعبير "كسب القلوب" تقديم نموذج مغري يسوغ تحمل ظروف الحرب الصعبة، ويقدم وعوداً بحياة أفضل بعد الحرب، على أن تنتهي هذه في أقرب وقت ممكن، وبأقل الخسائر الممكنة، لتعود الحياة إلى طبيعتها وتتحقق الوعود الوردية. في حين أن رأس النظام بالذات قد اتهم، في حديث سابق، أي انتقاد لـ "الحكومة" على "تقصيرها" في تقديم الخدمات، بالخيانة لا أقل، وقام باعتقال إعلاميين موالين طالما خدموه كحال وسام الطير مثلاً لا حصراً.

فإذا كانت شكوى المواطن الموالي من تدهور حالته المعيشية خيانة، لنا أن نتصور ما يمكن أن يكون الرد على انتقادات مفترضة ذات طابع سياسي أو في ميدان حقوق الإنسان. أهذه هي "الجنة الموعودة" في نهاية "الحرب على الإرهاب" التي تستهدف كسب قلوب الناس الموالين أصلاً أي أنهم منحازون للنظام سلفاً في شيك على بياض؟

أما بقية السوريين الذين يعدون بالملايين، فالنظام غير معني أصلاً بكسب قلوبهم، بعدما أخرجهم من "جنة" وطنه المسقوف بأحذية الشبيحة. تلك الملايين التي رفضت الخضوع لمنطق "الانسجام" ففقدت حقها في موطنها، بل يعتبر من نجحوا منهم في الهروب إلى دول الجوار أو اللجوء إلى دول بعيدة محظوظين لأنهم لم يقتلوا. ذلك لأن النظام يرى أن من حقه قتلهم لا كسب قلوبهم.

وبدلاً من أن تتنعم البيئة الموالية بثمرات التخلص من تلك الملايين، نراهم يعيشون في أحوال كارثية، باستثناء قلة من المنتفعين من أمراء الحرب واقتصاد الحرب

قبيل بداية ثورة الشعب السوري في آذار 2011، توعّد ضباط مخابرات النظام بإعادة عدد سكان البلد إلى مستواه في العام 1970، تاريخ استيلاء الأسد على السلطة، أي نحو ستة ملايين. وقد كاد يحقق هذا الوعيد بعدما تجاوز عدد القتلى المليون، وعدد المعطوبين الملايين، والنازحين إلى خارج الحدود الملايين السبعة. وبدلاً من أن تتنعم البيئة الموالية بثمرات التخلص من تلك الملايين، نراهم يعيشون في أحوال كارثية، باستثناء قلة من المنتفعين من أمراء الحرب واقتصاد الحرب، هذا من غير حسبان الحساب للخسارة "الوطنية" بالنسبة لهم المتمثلة في إلحاق دولتهم بإرادات دول أجنبية واحتلال "وطنهم" من قبل جيوش تلك الدول.

الواقع أن بشار الأسد لم يكسب حتى قلوب خامنئي وبوتين اللذين ينظران إليه نظرة احتقار، وهو المصير الطبيعي لأي عميل لقوى أجنبية. ويتوقف مصيره في الحكم الذي دمر البلد من أجل البقاء فيه، على كلمة تصدر من بين شفتي فلاديمير بوتين.

كلمات مفتاحية