عن طبيعة الدور الروسي في ليبيا

2019.12.16 | 17:03 دمشق

lafrwf_whftr.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتّهم المسؤولون الليبيون مؤخراً روسيا بالتدخّل في الصراع الدائر هناك لصالح الجنرال خليفة حفتر الذي يشن منذ أشهر هجوماً على العاصمة طرابلس للاطاحة بالحكومة الشرعية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وبالرغم من أنّ التقارير حول تدخّل مرتزقة روس في ليبيا ليست جديدة، وتبرز بين الفينة والأخرى منذ العام ٢٠١٧، إلاّ أنّ الاتهامات هذه المرّة أشد حدّة ولا تقتصر على تصريحات المسؤولين في الحكومة الليبية وإنما تطال عدداً من اللاعبين من بينهم الولايات المتّحدة الأميركية.

في بداية شهر ديسمبر، توصلّت وزارة الدفاع الأميركية الى استنتاج مفاده أن أنظمة دفاع جوي روسية قامت باسقاط طائرة أميركية من دون طيّار فوق منطقة قريبة من العاصمة طرابلس أثناء قيامها بجمع المعلومات حول الجماعات المتقاتلة هناك، وهو ما أكّد الانطباع القائل بوجود مرتزقة روس يقاتلون الى جانب الجنرال المدعوم بشكل رئيسي من قبل الامارات ومصر وفرنسا.

القيادة المركزية الأميركية في إفريقيا عبّرت عن قلقها أيضاً من وجود قوات روسية في مسرح العمليات. وزير الدفاع الأميركي مايك إسبر قال إنّ روسيا تحاول أن تجد لها دوراً في ليبيا لخلق حالة تساهم في تحقيق مصالح موسكو. هذه الاتهامات جاءت بعد حوالي أسبوعين من قيام واشنطن بتحذير حفتر من الاستمرار في العملية العسكرية التي يشنها بعد شكوك بحصوله على دعم من مرتزقة روس.

تشير بعض التقديرات إلى انّ حجم هذا التدخّل الروسي في ليبيا يبلغ حولي ١٥٠٠ عنصر من مجموعة فانغر التي تعتبر بمنزلة النسخة الروسية من بلاك ووتر الأميركية.

يثير التدّخل الروسي في ليبيا مؤخراً مخاوف من إمكانية أن يؤدي إلى تغيير المعادلة القائمة هناك لصالح الجنرال خليفة حفتر

ويثير التدّخل الروسي في ليبيا مؤخراً مخاوف من إمكانية أن يؤدي إلى تغيير المعادلة القائمة هناك لصالح الجنرال خليفة حفتر بالإضافة الى إمكانية زيادة العنف بشكل يؤدي الى تصاعد عدد الضحايا بين المدنيين ودول ليبيا في دوامة جديدة من العنف قبل أن تحسم موسكو الأمر لصالح حفتر.

وتنكر روسيا انخراطها رسميا في ليبيا، لكنّ أحد أهم أسباب رواج عمل المرتزقة الروس على الصعيد الدولي هو أنّهم يمنحون الحكومة الروسية القدرة على انكار وجود دور لها، ولكنّهم يوفّرون لروسيا في نفس الوقت القدرة على تحقيق نفوذ مباشر لصالحها. وباستثناء مناكفة الأميركيين ومحاولة توسيع دائرة النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، من غير الواضح ما هي مصالح روسيا في دعم حفتر. هناك من يشير إلى إمكانية يكون موضوع الإسلاميين الذي يروّج له حفتر وداعميه عنصراً في المعادلة، فيما يشير آخرون أنّ الأمر يتعلّق بالمال فقط، وطالما أنّ هناك من يدفع فلا مشكل للمرتزقة بالعمل.

وجود المرتزقة الروس على المسرح الليبي يشير حقيقةً إلى أمرين فيما يتعلق بالوضع داخل ليبيا. الأوّل هو أنّ قوات حفتر تفتقر إلى القدرات الذاتية لتحقيق أي خرق حاسم ضد العاصمة طرابلس وقوات حكومة الوفاق الوطني. والثاني أنّ هناك جهود متجدّدة لداعمي حفتر الإقليمي لحسم الموضوع عسكرياً من خلال الاعتماد على المرتزقة الروس. هناك من يشير إلى أنّ النموذج الروسي في الحسم العسكري أصبح مرغوبا من قبل الديكتاتوريين حول العالم، وهناك نماذج تتكرر الآن في المنطقة من بينها نموذج سوريا، وهو ما يشجّع الديكتاتوريين العرب على تجربة النموذج الروسي في أماكن أخرى من بينها ليبيا.

لكن في المقابل، هناك من يرى أنّ الوضع في ليبيا مختلف، وأنّ موسكو لا تمتلك قواعد عسكرية هناك، ومصالحها غير واضحة أو محددة بعد، وأنّ هدف موسكو هناك ربما جعل الحرب تمتد بحيث تستنزف طرفي المعركة وتمنع الحل السياسي بحيث يشكّل ذلك أيضاً لاحقاً تهديداً أمنيّا لمنطقة جنوب أوروبا. مع ذلك، يستدرج التدخل الروسي تدخلاً مضاداً. وإن كان القرار و/ أو الدور الأميركية في صد التمدد الروسي في ليبيا غير واضح بعد، فانّ تركيا كانت قد أعلنت بشكل واثق عن نيتها تقديم الدعم العسكري لإنقاذ ليبيا في حال قررت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا بقيادة السراج تقديم طلب الى أنقرة بهذا الخصوص سيما وأنّ الحظر الدولي على أطراف الصراع لا يتحدث على ما ينص صراحة على عدم جواز حصول الحكومة الشرعية في ليبيا على دعم مباشر وفق القراءة التركية.

خلاصة الأمر أنّه إذا ما صحّ الكلام عن وجود دور روسي متعاظم لصالح خليفة حفتر، فقد يكون ذلك بمنزلة مؤشر على تغيير في موازين القوى، وهو ما قد يستدعي دوراً تركياً أكبر لموازنته والدفع باتجاه التسوية السياسية المنشودة وتحقيق الخرق السياسي المنشود.