عن ضياع الهوية.. وحرب الانتماء

2022.08.04 | 06:33 دمشق

اتحادات الكتاب العرب الذي عقد اجتماعه في دمشق
+A
حجم الخط
-A

على وجه الخصوص لم يكن تاريخ اتحاد الكتاب العرب في سوريا مشرفاً ووطنياً، سيطر على توجهاته رجل واحد هو علي عقلة عرسان الذي حكمه منذ عام 1977 حتى 2005 بشعارات الوطن العظيم والقائد التاريخي والالتزام بقضايا الأمة ووحدة مصيرها، وهكذا ببساطة لا يمكن الاعتداد بهكذا مؤسسات ثقافية تم حكمها بالأسلوب والمصير نفسه من أشخاص لم يتركوا مناصبهم إلا بحكم القدر أو الملل، وعلى هذه الشاكلة كان مصير اتحاد الصحفيين بيد صابر فلحوط على مدى عقود من الإذلال والنفاق.

من أتوا بعد هؤلاء كان مقدراً لهم أن يكونوا في حقبة مغايرة وشائكة من تاريخ سوريا، ولكنهم كسابقيهم لم يتخلوا عن إرث السلف الصالح في الاختباء خلف الشعارات الكبرى الفارغة، والوقوف في وجه حركة التغيير التاريخية التي تحصل في البلاد، ولم يعتبروا حتى من صغائر المصائر التي نتجت من بين أصابع كتاب العقود السالفة التي حكمها عرسان حيث امتلأت المستودعات بالكتب التي أكلها العفن، وباتت تباع بالكيلو لتجار الورق والمحال التجارية أو توزع مجاناً عبر أكشاك الاتحاد المنتشرة في الشوارع.. فبئس ما أنتج عصر النفاق والتصفيق.

صعد إلى سدة ما بقي من صحف تحولت إلى مواقع إلكترونية بعض من كانوا في الظل واستفادوا من فجور المرحلة

صاحبة الجلالة السورية أيضاً لم تكن أحسن حال من اتحاد الكتاب فبقيت الصحف الثلاث لأربعة عقود تردد نفس العناوين الصارخة عن الوطن والمقاومة والكيان الصهيوني المجرم وعن الحلفاء والأصدقاء إلى أن صاروا محتلين بحكم المرحلة التاريخية التي وصلنا إليها بجهود من تم تنصيبهم أولياء كفاح وحماة أمة، وهكذا لم يكن سهلاً التراجع عن الخطاب القديم بل تم الاستغاء نهائياً عن طباعة ثلاثية (الثورة وتشرين والبعث) بحكم الواقع الاقتصادي المتردي الذي تسببت به قوى الظلام والتكفير والعصابات الإرهابية، وهكذا بالضبط صعد إلى سدة ما بقي من صحف تحولت إلى مواقع إلكترونية بعض من كانوا في الظل واستفادوا من فجور المرحلة، وصارت أم أحمد روائية كبيرة توقع روايتها الأولى في فندق خمس نجوم، وتنشر أم حسن خلال عام ديواني شعر نفّست بهما عن عقدها من الذكور والإقصاء والمتأسلمين بالرغم من حماسها للبدايات الثورية.

الفصام الفج في بيان الكتاب هو التأكيد على حرية التعبير في بلد تم تهجير كتابه وصحفييه وناشطيه طبعاً من ضمن الملايين الذين طردوا إلى شتات الأرض

هذه المقدمة الطويلة والمملة عن تاريخ الثقافة السورية الشائنة في مرحلة البعث العظيم فقط للوصول إلى ما هو أكثر خيبة وألماً، فالعقلية هذه في إدارة الثقاقة ليست سنة الحكم البعثي لسوريا بل هي تقليد عربي متبع في التعاطي مع القضايا الكبرى على مساحة هذه الأوطان التي قزمت من المحيط إلى الخليج، وهذا ما اختصره البيان الختامي لاتحادات الكتاب العرب الذي عقد اجتماعه في دمشق هذا الأسبوع ليؤكد فيه هؤلاء عن لاءاتهم الكبرى وأحلامهم وشعاراتهم حول فلسطين واليمن والسودان وليبيا ولبنان والقدس والإرهاب الفكري وعودة الجولان، ووقوفهم في وجه قوى الظلام وتعاطفهم مع سوريا الأسد.. واختصر البيان عقداً من الدم بهذه المقدمة: (أكد البيان الختامي لمجلس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب على ضرورة دعم سوريا في تصديها للعدوان الدولي الإرهابي وتأييد حقها في الدفاع عن أراضيها ضد الأطماع الصهيونية والتركية والأميركية).

الفصام الفج في بيان الكتاب هو التأكيد على حرية التعبير في بلد تم تهجير كتابه وصحفييه وناشطيه طبعاً من ضمن الملايين الذين طردوا إلى شتات الأرض، واستكمل البيان أهزوجة الحرية بما لا تفك شيفرته من لغة وتعابير لا معنى لها: (أكد التقرير على أن حرية الرأي والتعبير هي من الحقوق الأساسية والمبدئية المكتسبة بعد نضال وكفاح طويل وهي من ضرورات الإبداع الثقافي لافتاً إلى أن الاتحاد سيظل متمسكاً بها في مواجهة الظلم إضافة إلى توفير المناخ الصالح للإبداع الفكري والأدبي في الوطن العربي).

هكذا مؤتمرات لا بد أن تفضي إلى نتيجة خالصة قالها الأسد في لقائه مع هؤلاء: (أخطر ما يمكن أن تتعرض له المنطقة العربية هو ضياع الهوية، وأنّ ما يحصل في سوريا هو ليس حرباً عليها بالمعنى الضيق، بل لا بد من أن نرى هذه الحرب بالمعنى الأكبر وهي الحرب على الانتماء).. فهؤلاء لا ينتمون إلى شعوبهم وتاريخهم وأمانة رسالة الكتابة على الأقل في أوطان لا يحكها الطغاة وصبيان البلاط وخصيانه.