عن رئة سوريا الجنوبية المريضة

2018.11.23 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يكن افتتاح معبر نصيب فأل خير على الفريق الاقتصادي في نظام الأسد، فبعد نحو شهر من دعاية مكثفة عن منافع اقتصادية تبدأ ولا تنتهي، سجلت الليرة تراجعاً أفقدها نحو 10 في المئة من قيمتها في غضون شهر في سوق يعاني جفافاً في القطع الأجنبي. حصل النظام على عوائد سياسية جراء تشغيل المعبر، لكن ليس بمقدور "نصيب" إحياء اقتصاد ميت سريرياً.

قبل عدة أيام احتفلت (سانا) بخبر "أكثر من 92 ألف قادم ومغادر عبر معبر نصيب الحدودي خلال شهر من افتتاحه"، لكن الخبر، وكمعظم أخبار

إجراءات المركزي، التي تدعو المستوردين، ممن اشتروا القطع الأجنبي قبل خمس سنوات وحتى الآن، إلى تقديم وثائق عن البضائع المستوردة، قد تكون سبباً في تراجع سعر الليرة

إعلام النظام، يفتقر إلى الإشباع. البيانات تشير إلى أعداد المغادرين والقادمين، غابت معلومات سلّة الواردات والصادرات وقيمها، وكأن الخبر كتب خصيصاً لتبريد سوق الصرف، والإيهام بأن التعويل على المعبر، كضامن لحماية الليرة، لا غنى عنه.

إجراءات المركزي، التي تدعو المستوردين، ممن اشتروا القطع الأجنبي قبل خمس سنوات وحتى الآن، إلى تقديم وثائق عن البضائع المستوردة، قد تكون سبباً في تراجع سعر الليرة، لكنها ليست كلمة السر الوحيدة.

هناك قائمة اعتلالات طويلة في الاقتصاد السوري؛ سببّها نظام الأسد، وخاصة خلال سنوات الثورة، التي أنفق على وأدها نحو 20 مليار دولار، هي احتياطي العملات الأجنبية في مصرف سوريا المركزي في عام 2011، ومنذ ذلك العام توقفت الروافد التقليدية للقطع مثل الصادرات وإيرادات السياحة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة. يضاف إليها توقف عجلة الإنتاج، وانعدام الثقة بالعملة المحلية، دون أن ننسى المضاربة، وقد يكون من بين الأسباب أيضًا حزمة العقوبات الأميركية الثانية على إيران، وتهديات واشنطن بـ"عصْر إيران".

بعض صحف النظام نقلت عمن سمتهم "باحثون ورجال أعمال"، أنه لا توجد عوامل اقتصادية تبرر تراجع الليرة، بل على العكس، فإن افتتاح معبر نصيب وما رافقه من زيادة الطلب على الليرة وفّر عامل دعم للأخيرة. السبب الرئيس-في رأيهم- يعود إلى المضاربة، وساعد على ذلك فارق بحدود30 ليرة بين السعرين "الرسمي" والسوق السوداء، وأن المركزي قادر على دفع الليرة إلى مستوى 480 ليرة لكل دولار. الجميع كان يبحث عن الدور الاقتصادي لمعبر نصيب.

بالفعل كان المعبر، الذي يتم التبادل من خلاله بنحو ملياري دولار سنوياً، ليقدم مروحة دعم كاملة لليرة ولخزينة "الدولة" وللاقتصاد السوري كاملاً، لو أنه استعاد طاقته التشغيلية الكاملة قبل الثورة؛ فعبور 90 ألف شخص في شهر حالياً، كان يتم خلال ستة أيام فقط. حينها كان يسجل يومياً عبور نحو 15 ألف بين مسافر وسائح، ويمر فيه أيضاً نحو 6300 شاحنة و4 آلاف تكسي، على ما تعنيه هذه الأرقام من عوائد الضرائب والرسوم المباشرة على عبور الأشخاص والبضائع، وغير المباشرة التي يتم تحصيلها على تجارة الترانزيت وتصدير البضائع وغيرها من أنشطة.

في تلك الأيام كان "نصيب" رئة سوريا الجنوبية حقاً، ورئة الأردن الشمالية. والمعبر البري

بعد إغلاق المعبر عام 2015 نقل أحد المواقع الإلكترونية، المقربة من النظام، عن "مصادر تجارية" أن خسائر الاقتصاد السوري جراء إغلاق المعبر هي 10 ملايين دولار يوميًا في حدها الأدنى، و20 مليون في الأعلى

الوحيد للسلع اللبنانية نحو الدول العربية. وكانت الخسائر وفق حجم الرئة؛ فالاقتصاد الأردني تكبد خسائر بنحو مليار دولار جرّاء توقف 17 ألف شاحنة عن العمل. وتراجعت صادراته إلى سوريا بنحو 84 في المئة من 238 مليون دولار في 2010 إلى 7 ملايين فقط في 2017. وسجل التبادل التجاري بين البلدين 615 مليون دولار في 2010.

بعد إغلاق المعبر عام 2015 نقل أحد المواقع الإلكترونية، المقربة من النظام، عن "مصادر تجارية" أن خسائر الاقتصاد السوري جراء إغلاق المعبر هي 10 ملايين دولار يوميًا في حدها الأدنى، و20 مليون في الأعلى، فيما قدّر خسائر لبنان بنحو 2.5 مليون دولار يوميًا.

تحتاج الليرة السورية لتتعافى، إلى مسببات التعافي. تغيير حاكم المصرف المركزي لا يمكن أن يوقف تدهور الليرة. لايمكن للحاكم نفخ الحياة في عملة بلد شبه ميت، مهما امتلك من قدرة على هندسة السياسة النقدية. العناوين الخضراء الحقيقية مثل: الصادرات تسجل رقما قياسياً، ارتفاع عائدات السياحة إلى كذا مليار دولار، العجز التجاري عند أدنى مستوياته في خمس سنوات، تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر هي الأعلى في عشر سنوات، خمسة مليارات دولار تضاف إلى الاحتياطي الأجنبي...هي من تعطي قيمة للعملة. الشعارات والصوت العالي، والدبكة، وتغيير الطرابيش، وتوقع الحصول على نتائج مختلفة بنفس الأدوات يعني أنك في "سوريا الأسد".