عن حماس... إيران والقضية الفلسطينية

2020.01.24 | 23:02 دمشق

g7yvv.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أثارت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى إيران من أجل تقديم التعازي بمقتل الجنرال قاسم سليماني، ردود فعل واسعة فى فلسطين وحتى الساحتين العربية والإسلامية بشكل عام، الأمر لا يتعلق فقط بالزيارة من حيث المبدأ وما قيل فيها، وإنما أيضاً بتداعياتها التنظيمية والوطنية مع حديث عضو المكتب السياسي خليل الحية الأربعاء الماضي عن عتب مصري على الحركة، بينما قالت صحيفة هآرتس الثلاثاء أن التصعيد الميداني الأخير بغزة مرتبط بشكل ما بالزيارة، وما تضمنته من لقاءات ومواقف وردّ نظام عبد الفتاح السيسي عليها عبر مزيد من التضييق على غزة وأهلها.

لا بد من التذكير أن هنية زار طهران على رأس وفد رفيع من قيادة حماس، والتقى كبار المسؤولين الإيرانيين. وزار بيت سليماني نفسه لتعزية عائلته، بينما كان الموقف أو التصريح الأبرز وصفه للقتيل بشهيد القدس مع مبالغات، تضمنت تضخيم الدعم الإيراني لحماس والمقاومة الفلسطينية حتى وصل أحد الكتّاب المحسوبين على الحركة إلى حد القول أنه لولا إيران لاحتلت إسرائيل عواصم وحواضر عربية عديدة.

بداية؛ وفي السياق التاريخي العام، لم يكن لإيران دور كبير أو مؤثر في الصراع الفلسطينى الإسرائيلي خلال مائة عام أي القرن العشرين بأكمله تقريباً، ومع اندلاع الثورات وحملات الجهاد لمواجهة الهجمة الصهيونية أوائل القرن الماضي لم تكن ثمة مساهمات إيرانية كما كان الحال مع دول عربية وإسلامية أخرى، أرسلت مئات بل آلاف المقاتلين والمتطوعين إلى فلسطين.

وعندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965 كانت إيران الشاه تقوم بدور شرطي الخليج العربى وإحدى أدوات السياسة الأمريكية والغربية في المنطقة، وأكثر من ذلك فإن الثورة الفلسطينية احتضنت وساعدت ودرّبت في معسكراتها معارضين إيرانيين ساهموا بعد ذلك في الثورة الشعبية ضد نظام الشاه، كما خرجت من صفوف الثورة الفلسطينية تنظيمات لبنانية مقاومة انحرفت بعد ذلك عن طريقها لتتحول إلى ذراع إقليمي مركزي لإيران وأداة لها في قمع الثورات العربية والهيمنة، واحتلال عواصم وحواضر عربية، بل وحتى استجداء الاحتلال الأجنبي لها.

إذن خاض الشعب الفلسطيني ثورته المعاصرة من دون أي علاقة أو حضور لإيران في الصراع - من عمان إلى بيروت - وعندما انتقلت المقاومة للداخل، فجّر الشعب الفلسطينى انتفاضته العظيمة الأولى، انتفاضة الحجارة التي ألهمت أجيالا وأجيالا من دون أي علاقة  للفصائل مع إيران - حتى العلاقة مع الجهاد الإسلامي لم تكن قد بدأت جدّياً أو أخذت طابعا رسميا - بينما كانت العلاقات عادية جدّاً أو مقبولة في الانتفاضة الثانية

في السنوات العشرة الأخيرة خاضت غزة ثلاث حروب مع إسرائيل في ظل علاقات عادية مع إيران وقطيعة حتى أثناء الحربين الأخيرتين.

لدرجة أن حضور صدام حسين ونظامه كان طاغياً ويفوق بمراحل الحضور الإيراني، كما اعتبرت إسرائيل الغزو الأمريكي لإسقاط النظام العراقى واحتلال بغداد – 2003 - الذي ساعدت عليه، بل استجدته وتواطأت معه إيران ضربة سياسية ومعنوية قوية للانتفاضة، الثورة والقضية الفلسطينية بشكل عام.

في السنوات العشرة الأخيرة خاضت غزة ثلاث حروب مع إسرائيل في ظل علاقات عادية مع إيران وقطيعة حتى أثناء الحربين الأخيرتين، ففي الثانية مثلاً – 2012 - كان حضور الثورات والربيع العربي طاغياً ما دفع أو أجبر إسرائيل على إنهائها بعد أسبوع واحد مقابل ثلاثة أسابيع للحرب الأولى – 2009 – فى زمن الفلول القدامى والأنظمة الساقطة، وسبعة أسابيع للحرب الثالثة -2014 –فى زمن الفلول الجدد والثورات المضادة التي تماهت إيران معها في سوريا ومصر والعراق واليمن.

أما فيما يتعلق بحماس تحديداً، فعند تأسيسها وانخراطها في الانتفاضة الأولى – 1987 - لم تكن قد امتلكت بعد أي علاقة ولا اتصالات مع إيران، بأي شكل من الأشكال علماً أن تلك الانتفاضة كرّست حماس كلاعب مهم ومؤثر ورقم صعب فلسطينياً، ثم إقليمياً بعد ذلك.

في الانتفاضة الثانية – 2000 - كانت العلاقات بين الجانبين في مراحلها الأولى، عادية أو جيدة في أحسن الأحوال، ورغم حدوث انفتاح إيراني أوسع على الفصائل في تلك المرحلة، إلا أنه لا يمكن الحديث عن دور مركزي أو مؤثر لإيران في الانتفاضة وفعاليتها، وما تمخض عنها من نتائج.

تطورت العلاقات بعد ذلك نحو الأفضل خاصة إثر فوز حماس في الانتخابات التشريعية -2006- مع الانتباه إلى أن إيران كانت ضد مشاركة الحركة فيها وفوجئت كما آخرون بالفوز الذي حققته، ومع ذلك ظلت العلاقات تتراوح بين المقبولة والجيدة.

خاضت حماس والمقاومة الفلسطينية حرب غزة الأولى بأسلحة وتكيتكات بسيطة ودون حضور إيراني قوي، وبعدها فقط تم الخوض جديّاً في أفكار لتطوير العلاقات والنظر في تزويد الحركة والفصائل بأسلحة نوعية أفضل وأنجع، كما كان الحال مع حزب الله في حرب تموز 2006.

هذا حصل في ظل سياسة إيرانية إقليمية عامة وسلبية وضارة ترافقت مع السيطرة على العراق، والعمل كمحتل صغير إلى جانب المحتل الأمريكي والتدخل السلبي والضار في اليمن أيضاً، بينما أصرّت حماس وقيادتها في الخارج على إبقاء القنوات مفتوحة مع الدول العربية، ولبّت كل الدعوات لاستضافة الحوارات الفلسطينية الثنائية والموسعة من القاهرة إلى صنعاء، والرياض وصولاً إلى اتفاق مكة 2007.

في هذه الفترة اعتمدت حماس الداخل بشكل رئيسي على الأنفاق لتهريب البضائع والسلاح عبر شبكات التهريب القبلية البدوية العاملة في سيناء، بينما كان العامل الإيراني هامشي غير مركزي أو مؤثر في تطور وصعود حماس السياسي والعسكري.

هنا يمكن التذكير باغتيال الشهيد محمد المبحوح في دبي-يناير 2010- الذي عمل ضمن

اندلاع الثورات العربية ضرب العلاقة بين الجانبين بشكل عام، والعلاقة العسكرية الناشئة في مهدها مع تأييد حماس الداخل والخارج لها واصطفاف إيران إلى جانب محور الفلول والثورة المضادة

خلية تولت إيصال السلاح والدعم إلى غزة، والتسريب الشهير لعضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق-فبراير 2016- الذي تحدث فيه عن الدعم الإيراني الكلامي والباطنية واللؤم، وأن ما يصل فعلاً من دعم إلى حماس هو فتات ويكاد لا يذكر.

اندلاع الثورات العربية ضرب العلاقة بين الجانبين بشكل عام، والعلاقة العسكرية الناشئة في مهدها مع تأييد حماس الداخل والخارج لها واصطفاف إيران إلى جانب محور الفلول والثورة المضادة، خاصة مع اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، ورفض قيادة الحركة تأييد النظام أو تبني وترويج روايته عن المؤامرة المزعومة، ما اضطرها لمغادرة دمشق بعد تهديد أمني مبطن لها.

استمرت القطيعة خمس سنوات على الأقل وخلالها خاضت حماس حربين ضد إسرائيل، بينما وصلت القطيعة ذروتها في الحرب الأخيرة – 2014 - التي استمرت سبعة أسابيع تقريباً، حيث اكتفى قاسم سليماني بالدعاء فقط بعد خمسة أسابيع، بينما اقتصر دور ذراعه الإقليمي في لبنان على الاتصالات الهاتفية - حملة شيطنة حماس وتخوينها كانت وصلت ذروتها عند الحشد الشعبي الإعلامي - دون أي حضور ميداني جدّي أو حتى تهديد ما يسمى محور الممانعة بفتح الجبهة الشمالية، كما يقال أو يطلب الآن من غزة جنوباً.

خلال هذه الفترة قامت إيران بأمر غير مسبوق في العلاقة وحتى في تاريخ حماس بشكل عام، وبعد رفض قيادة الحركة زيارة طهران والتقاط صورة مع علي خامنئي لتبييض صفحة إيران وسياساتها الإقليمية، سارعت هذه الأخيرة إلى إرسال مبلغ مالي لقيادة الداخل من وراء ظهر القيادة المركزية للحركة في سابقة لم تحدث أبداً وهدفت أساساً إلى دق إسفين وبث الفتنة في صفوفها.

 وبالعودة إلى قاسم سليماني فقد قاد لعقدين تقريباً الدور الإيراني في القضية الفلسطينية الذي كان عادياً ومحدوداً، أو حتى لايذكر حسب وصف موسى أبو مرزوق، وفي أحسن الأحوال فإن ما قدمه لا يسمح أبداً بإطلاق وصف شهيد القدس عليه، وحتى لو قدّم أكثر فإن جرائمه في سوريا العراق واليمن تنزع عنه بالتأكيد هذا الوصف الأخلاقي والسامي.

وعموماً لم يغير ما قدمته إيران على محدوديته خلال السنوات الأخيرة القاعدة التي تأكدت خلال قرن من الزمان ومفادها أن إسرائيل عاجزة عن هزيمة الشعب الفلسطيني أو فرض الاستسلام عليه. أما تحقيق الانتصار فهو أكبر من قدرة غزة وفلسطين كلها ويمثل مهمة ومسؤولية للحواضر العربية المركزية والتاريخية التي دمرتها إيران وأذرعها واستجدت الغزاة لاحتلالها.