عن الـ "مؤثرين العلويين" والحل الروسي…

2020.07.04 | 00:03 دمشق

download.jpeg
+A
حجم الخط
-A

بدأت القيادة الروسية تحركاً سياسياً، يستهدف شخصيات سورية لها اعتبارات أخرى غير مواقفها السياسية، وهي اعتبارات قد عينها منظور القيادة الروسية، وهو منظور يحدد معاييره على العرقي والديني والقبلي... إلى آخر هكذا تصنيفات، يُفترض أن العولمة قد دفعتها إلى مجال الخاص الخصوصي الذي لا يجوز أن يتعدى عليه السياسي؛ مما يشير إلى أن هناك توجهاً إلى خطوة سياسية ما، تدعمها روسيا، قد تفضي حسب التسريبات إلى عقد مؤتمر وطني موسع، يشكل مخرجاً من الاستعصاء السياسي الذي تواجهه روسيا في الملف السوري.

وضمن هذا التوجه، تم تسريب خبر اجتماع مبعوثي القيادة الروسية مع شخصيات علوية، وُصفت بأنها مؤثرة في جنيف. وبالرغم من ذلك؛ فإن اللبس لا يزال قائماً، بين: هل تم الاجتماع فيزيائياً، أم أنه قد تم عبر وسائط تقنية.

ومع ذلك، أو بالرغم منه، فقد طلب الروسي من الأطراف المجتمعة كلها: عدم تسريب خبر اللقاء والتعتيم على مخرجاته. لكن الجهة الميسرة للقاء سربت خبر اللقاء، وسربت نصاً، اعتبره الطرف المسمى "شخصيات علوية" غير صحيح؛ فقام بنشر وثيقة الاجتماع الأصيلة، لتبيان حقيقة الأمر وللرد على النص المسرب.

وعلى هذا، فإني لن أتناول في هذا المقال حيثيات هذا اللقاء، ولا تفاصيل ما جرى فيه؛ فهذا يحتاج إلى بحث آخر، لكنني سأتناول فكرة اللقاء من حيث المبدأ، وسأتناول دلالاته وغايات الروسي منه، وهل سيسهم في إنهاء الكارثة السورية أم لا.

أولاً- ثمة أربعة مؤشرات مهمة، تشير إليها هذه اللقاءات بغض النظر عن محتواها وعما يطرح فيها:

  • المؤشر الأول، هو: ذهاب روسيا- الذي قد يكون بتوافق مع أميركا وإسرائيل- إلى مقاربة الحل السوري من بوابة التصنيفات العرقية والدينية والطائفية والقومية...إلخ، وليس من بوابة جوهر الصراع وحقيقته، بما هو صراع بين مافيا مستبدة - لها شكل الدولة- وشعب مقموع ومنهوب. وهي مقاربة تنفتح على مخاطر قد تبدأ بنظام سياسي مبني على المحاصصات، ولا تنتهي بتفتيت سوريا وتقسيمها.
  • والمؤشر الثاني هو: حقيقة غياب الجهة السورية الوطنية التي تمثل السوريين، وتدافع عن مصالحهم؛ لأن وجود هذه الجهة يمنع الأفراد أو الشخصيات من التوجه إلى حوار حول الوطن السوري ومستقبله.
  • والمؤشر الثالث هو: عن مدى أهمية التمثيلات السياسية القائمة، كالائتلاف الوطني وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، عند الأطراف الدولية الفاعلة، ومدى اقتناعها بجدوى هذه التمثيلات.
  • أما المؤشر الرابع فهو: يتناول تحديداً ما يخص اللقاء بشخصيات علوية؛ إذ يدل هذا اللقاء- واللقاءات التي جرت قبله- على عدم ما يسمى بالمجلس العلوي الأعلى، ذاك المجلس الذي يخلقونه ساعة يشاؤون، ويفنونه حين يريدون، والغريب أن من يؤكدون وجوده يستندون على حديث ضابط روسي، هو من يخبرنا عن هذا الوجود الموهوم.

ولكن، لماذا يتوجه الروس الآن في هذا المنحى، وما هي دوافعهم؟

إني أرى عدة أسباب خلف هذا التوجه، منها:

  1. حاجة الروس الملحة إلى الخروج من هذا الاستعصاء السوري الذي تورطوا فيه؛ فالزمن ليس في صالحهم، على عكس أطراف فاعلة أخرى قد تكون مصلحتها استنقاع الوضع السوري فيما هو عليه؛ لأنها ليست من يحترق بتداعياته.
  2. هناك التزامات قدمتها روسيا لأطراف داخلة في الشأن السوري- مثل: أميركا، وتركيا، وإسرائيل- عن الوجود الإيراني، وترتيب الوضع الداخلي السوري حتى يصبح مهيأ لحل سياسي.
  3. تداعيات قانون سيزر وإغلاقه الباب أمام مخرجات كثيرة، كان يمكن لروسيا أن تلجأ إليها لولا وجوده.
  4. إنتاج نظام سياسي في سوريا يمكنه أن يؤمن مصالح الأطراف الدولية الأخرى؛ كي توافق على الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار وعودة المهجرين...إلخ، مع اعتبار أن النظام الحالي قد أصبح عاجزاً عن إقناع هذه الأطراف بقدرته على قيادة سوريا في المرحلة القادمة؛ فهو نظام متهم بجرائم لا تعد ولا تحصى، ويحمل فوق كتفيه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وملفات إرهاب وفساد...إلخ.
  5. الوضع الداخلي في روسيا، وهل تحتمل روسيا أن يستمر هذا الاستنزاف في ظل تردي وضعها الاقتصادي، وفي ظل انتشار وباء كورونا، وفي ظل ظهور أصوات مهمة داخل روسيا ترفض هذا الاستنزاف واستمراره؛ لأنه بلا جدوى.

 ثم بعد هذا: ماذا بشأن اللقاء مع شخصيات علوية موصوفة بأنها مؤثرة، وماذا سيقدم هذا التوجه الجديد لها، وكيف يمكن لها أن تتعامل معه؟

من حيث المبدأ، لا يحق لأي شخصية أن تدعي تمثيل الطائفة العلوية، فما تنفرد به هذه الطائفة عن غيرها من مكونات المجتمع السوري – بتفاوت بين مكون وآخر- هو: أنها بلا أي مرجعية، سواء أكانت دينية أم سياسية أم اجتماعية. وبالتالي: إن قبول بعضهم بهذا التمثيل مرفوض، وليس له أي شرعية.

أما من حيث الجدوى، فهل تفيد اللقاءات- كهذه اللقاءات- سوريا الوطن أولاً، والعلويين كطائفة ثانياً؟

قد لا أبالغ إن قلت: إن أي توجه لمقاربة الوضع السوري من غير البوابة الوطنية، هو دفع باتجاه انفراط سوريا، سواء أدرك هذا من يقومون بهذه المقاربة أم لم يدركوه. وبالتالي: إن مهمة السوريين الذين تطلب أطراف خارجية اللقاء بهم في هذه الفترة، هي في استعادة جوهر الصراع في سوريا، وإبعاده ما أمكن عن تصنيفه كحرب أهلية أو انعدام إمكانية التعايش بين مكونات المجتمع السوري...إلخ.

وحتى إذا فرضنا أن هناك من يحق له التحدث باسم مكونات الشعب السوري العرقية، فهل يحق لهؤلاء التحدث في هذه اللحظة من تاريخ سوريا بصفتهم الطائفية أو العرقية أو القبلية أو غيرها؟

برأيي أنه لا يحق لهم ولا لغيرهم؛ لأن ما حدث في سوريا لم يكن سببه التركيبة الديموغرافية، وبالتالي: إن تلمس الحلول من هذه البوابة طمس متعمد لجوهر الموضوع أولاً، وهو طمس متعمد للجرائم التي ارتكبت بحق السوريين طوال نصف قرن من الزمان ثانياً؛ ولأن التاريخ قد أكد دائماً، بأن طمس الحقوق لن يكون غير تأجيل حق لابد من إقراره، وأن الذهاب إلى هذا الاتجاه سيفخخ المجتمع السوري، وسيجعله مهيأ لانفجار قادم لا محالة، انفجار سيطيح بآخر حلم للسوريين بوطن واحد.

وفيما يخص الطائفة العلوية: إن الخطر الأكبر عليها الذي سيفوق الخطر الذي تسببت به عائلة الأسد، هو: الذهاب إلى هذا الاتجاه؛ لأنه سينقل الوزر الهائل للجرائم التي ارتكبتها عصابة آل الأسد على مختلف مكونات الشعب السوري- والعلويين منهم- من أعناق مرتكبيها الفعليين ووضعه على كاهل الطائفة العلوية، إن أفضل الحلول التي يمكن أن يقدمها أحد ما إلى الطائفة العلوية، هو: في تحميل الجرائم على مرتكبيها الحقيقيين لمحاكمتهم ومحاسبتهم، ولكي لا يجري القفز عليها بتوافقات تبويس الشوارب، أو أن يجري تحميل وزر هذا الدم المسفوك وهذا الحقد المتراكم كله على كاهل أجيال العلويين القادمة.

كلمات مفتاحية