icon
التغطية الحية

الشعر العربي بين القديم والحديث (2).. الشعر الجاهلي وأصحاب المعلّقات

2021.07.07 | 06:30 دمشق

عن الشعر العربي بين القديم والحديث.. الشعر الجاهلي وأصحاب المعلّقات (ج2)
تمثال لأحد الشعراء العرب (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

"الجاهلية" توصيفٌ اعتمده عرب منطقة الجزيرة العربية للحالة العامة التي كانوا عليها قبل الرسالة الإسلامية، وذُكرت الكلمة في القرآن الكريم للدلالة على الفترة السابقة للبعثة وصولاً إلى فتح مكّة، بالرغم من ورودها ضمن مرويات وأشعار العرب قبل البعثة كما في قول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا              فنجهل فوق جهل الجاهلينا

والجهل والجهالة والجاهلية، يُراد بها العصبية والبغض والتسلّط، وهي نقيض الحكمة والحُلم والتفكّر. ولتوصيف حالة الجاهلية ونمطها الاجتماعي المتردّي بصورة أوضح، نستعرض حديث الصحابي جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة خلال هجرته ومجموعة من المسلمين إلى الحبشة، حين قال: "أيها الملك كنّا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه..".

وجاء في القرآن الكريم، الآية 154 من سورة آل عمران: (يظنّونَ باللهِ غيرَ الحقِّ ظَنَّ الجاهلية). وفي أقوال العرب بعد الإسلام، جاء قول ابن عباس: "سمعت أبي في الجاهلية يقول كذا وكذا..".

ومن هنا جاء تنسيب الـ "جاهلي" للشعر والأدب وغيرهما من العلوم التي سبقت البعثة في منطقة الجزيرة العربية بصورة عامة، كدلالة زمنية بمعزل عن الوضع الاجتماعي.

الشعر الجاهلي

ومهما يكن من أمر، فإن الجزيرة العربية في تلك الفترة -الجاهلية- تعدّ المنبع الرئيس للشعر العربي بالرغم من الزمن الطويل نسبياً الذي يفصل بين شعراء الجاهلية وبين تدوين قصائدهم التي تم تناقلها شفوياً لأكثر من قرنين من الزمن. وبالتالي لا نملك نصوصاً مدونة عن مبدأ الشعر عند العرب، وعن مسيرة تطوره وصولاً إلى الصورة التي كان عليها بعد الإسلام.

وغالبية المصادر تتفق على أن أقدم المعلومات المتعلقة بالشعر الجاهلي لا تتجاوز قرنين قبل البعثة أو الهجرة. وكان الجاحظ قد أشار إلى هذه القضية حين قال: "أما الشعر فحديث الميلاد، صغير السن. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له -إلى ظهور الإسلام- مئة وخمسين عاماً. وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي عام".

ويتفق كثير من الباحثين اللغويين على أن أقدم الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم من تلك الفترة كان (امرؤ القيس الكندي) الذي تدلّ قصائده على أنه أول من بكى على الأطلال ووقف بالديار. إلا أن كل قبيلة من قبائل العرب زعمت أن شاعرها هو الأقدم (عبيد بن الأبرص في قبيلة بني أسد، والمهلهل بن ربيعة في تغلب، وعمرو بن قميئة والمرقش الأكبر في بكر..)، ويصعب التحقّق من صحة ذلك في ظل غياب تدوين للقصائد أو لسِيَر الشعراء. كما وأن غالبية العرب في ذلك الزمان كانوا يجهلون القراءة والكتابة ما جعلهم يعتمدون على النقل الشفوي.

وبدأ نشاط تدوين الشعر في القرن الأول للهجرة، وذلك مع بروز طبقة من الرواة الذين نشطوا في نقل الأشعار والأخبار المرويّة عن الجاهلية وأيامها، وأدّى ذلك لظهور أشعار مزوّرة تم تنسيبها لشعراء جاهليين، لأسباب مختلفة، غالبيتها ذات منشأ عصبي قبلي.

ورغم ذلك ظهرت كتبٌ ودراسات حديثة عملت على توثيق الشعر الجاهلي وتصحيح ما صحّ منه، ونوّهت بكثير من مصادره الأصلية. كما وجد الباحثون المعاصرون بين أيديهم عدداً من مصادر الشعر الجاهلي التي جاءت عن طريق الرواة الأمناء الصادقين، الذين جهدوا في التحري والتثبّت من الأشعار الجاهلية وكشف الصحيح منه من المزوّر.

ومن أهم مصادر الشعر الجاهلي الموثوقة والموجودة بين يدينا اليوم:

  • دواوين الشعراء القدماء التي جمعت في عصر التدوين: كزهير، والنابغة، وامرئ القيس.
  • دواوين القبائل العربية: كديوان الهذليين الذي لم يصل إلينا كاملاً.
  • المجموعات الشعرية الموثوق بها: كالمعلقات وشروحها، والمفضليات، والأصمعيات، والنقائض وشروحها، والحماسات.
  • كتب الأدب، واللغة، والنحو: كالبيان والتبيين، والحيوان، ومجالس ثعلب، وعيون الأخبار، والكامل، والأمالي. وكذلك بعض كتب المتأخرين التي احتفظت بكثير من الأشعار الجاهلية التي ضاعت أصولها: كخزانة الأدب، وشرح أبيات مغني اللبيب، وكلاهما للبغدادي، وشرح شواهد المغني للسيوطي.
  • الكتب النقدية البلاغية: كالموشح، والصناعتين، والموازنة والوساطة.
  • كتب التراجم والطبقات: كمعجم الشعراء، والمؤتلف والمختلف، وطبقات ابن سلاّم، والشعر والشعراء، والأغاني.

خصائص الشعر الجاهلي:

للشعر الجاهلي خصائص عديدة منها الموضوعي ومنها المعنوي ومنها الفني.

  • الخصائص الموضوعيّة:

الاستطراد: يوصف الشعر الجاهليّ بأنَّه مستطرد؛ وذلك بسب تعدد موضوعاته، فلا يقف على موضوع واحد، وتبدو القصيدة كأنَّها مجموعة من الخواطر التي ترتبط مع بعضها البعض بوحدة الوزن والقافية. افتتاح القصيدة الجاهليّة بالمقدمة الطللية، وذلك من خلال الوقوف على الديار والتغني بها. توظيف الحكمة بشكل كبير في القصائد الجاهليّة، بحيث تُعبّر الحكمة عن تجربة الشاعر وخبراته في الحياة.

  • الخصائص المعنويّة:

وأهمها: توصيف الواقع على حقيقته وعدم الجنوح إلى المبالغة في التصوير.

ميل معظم شعراء الجاهليّة إلى الاشتراك في المعاني التي يُصورن فيها واقعهم الحسيّ.

الحضور الجمالي في البيئة والطبيعة، وذلك من خلال تصوير المرأة وتشبيه جمالها بجمال الطبيعة.

  • الخصائص الفنيّة:

وأهمها: كثرة التشبيه في القصائد الجاهلية.

تصوير الطبيعة وعناصرها، وتمثيل الحياة فيها.

توظيف الاستعارة.

توزيع الجانب الموسيقي على القصائد بحسب موضوعاتها، فتكون هادئة أحياناً وصاخبة في أحيان أخرى.

التراكيب الفخمة في اللغة، واستخدام كلمات ذات معان صعبة غالباً ما تحتاج معجماً لغوياً لتفسيرها.

أغراض الشعر الجاهلي

تناول شعراء الجاهلية الموضوعات التي تمسّ شؤونهم وحياة مجتمعهم العربي، فتحدّثوا عن مظاهر تلك الفترة، وعن أخلاقه وعاداته وتقاليده، فكتبوا في: الغزل (وهو أهم الموضوعات في الشعر الجاهلي) والمدح والفخر والهجاء والوصف والرثاء والحكمة.

شعراء الجاهلية

شعراء العصر الجاهلي كثر جداً، ولم يستطع المؤرخون حصر جميع الشعراء في تلك المرحلة، إذ كان كل شاعر يختلف عن غيره من الشعراء في نتاجه وانتشاره وشهرته، وكانت كل قبيلة تدَّعي أنّها أكثر القبائل عدداً في الشعراء وأكثرهم موهبة. ولن نبالغ إذا قلنا بأنه لم يخلُ مكان سكنٍ في الجزيرة العربية من شاعر جاهلي.

ونذكر من بين أهم شعراء العصر الجاهلي:

  1. امرؤ القيس 
  2. عنترة العبسي 
  3. زهير بن أبي سلمى
  4. النابغة الذبياني
  5.  عمرو بن كلثوم

وغيرهم الكثيرون وخصوصاً شعراء المعلقات كما سيمر معنا.

الشعراء المخضرمون

والمقصود بهم الشعراء الذين شهدوا الإسلام ودخلوا فيه، وعددهم بحسب ما أحصت كتب السِيَر والتراجم 28 شاعراً، وهم:

أبو ذؤيب الهذلي - أبو كبير الهذلي- أوس بن مغراء- الأغلب العجلي- الشماخ بن ضرار- الطفيل بن عمرو الدوسي- العباس بن مرداس- القلاخ العنبري- المخبل القريعي- النابغة الجعدي- النمر بن تولب- تميم بن مقبل- الحطيئة- حسان بن ثابت- حميد بن ثور- الخنساء- ربيعة بن مقروم- سراقة بن مالك المدلجي- سويد بن أبي كاهل- ضابئ البرجمي- عبد الله بن الزبعرى- عبد الله بن رواحة- عبدة بن الطبيب- عمرو بن الأهتم- عمرو بن حممة الدوسي- كعب الغنوي- كعب بن زهير- لبيد بن ربيعة.

شعراء المعلقات

إن أهم شعراء العصر الجاهلي هم أصحاب "المعلّقات" السبعة الذين أُضيف إليهم لاحقاً كل من النابغة الذبياني وعبيد بن الأبرص والأعشى الأكبر ليصبحوا 10 شعراء، وهم:  امرؤ القيس وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى والحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد ولبيد بن ربيعة والأعشى الأكبر وعبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني.

 

 

والمقصود بـ المعلقات هي تلك القصائد التي من أشهر ما كتب العرب في الشعر. وقيل لها معلقات لأنها مثل العقود النفيسة تعلق بالأذهان. ويقال إن هذه القصائد كانت تكتب بماء الذهب وتعلق على أستار الكعبة قبل مجيء الإسلام، وتعدّ هذه القصائد أروعَ ما قيل في الشعر العربي القديم وأنفسَه؛ لذلك اهتم الناس قديمًا بها ودونوها وكتبوا شروحًا لها، وهي عادة ما تبدأ بذكر الأطلال والديار والمحبوبة، كما كانت سهلة الحفظ.

مِن معلقة امرئ القيس

وامرؤ القيس هو حُندج بن حجر بن الحارث يكنى بأبي وهب وأبي الحارث، ويلقب بذي القروح والملك الضليل وأشهر لقب عرف به هو امرؤ القيس ومعناه الرجل الشديد والقيس هو صنم من أصنام الجاهلية. ولد في بني أسد من "'قبيلة كندة'" أي في '"حضرموت'" شرق اليمن، التي هيأت له عوامل البراعة والفصاحة والنعيم. يعدّ امرؤ القيس رأس شعراء العرب وأعظم شعراء العصر الجاهلي.

وهذه الأبيات الأولى من معلقة امرئ القيس:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ ومَنْزِلِ       بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَـــلِ

فَتُوضِحَ فَالْمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها      لِـمَا نَسَجَتْها مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ

كَأَنِّيِ غَداةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُـــــوا     لَدَى سَمُراتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

وُقُوفًا بِها صَحْبيِ عَلَيَّ مَطِيَّهُـمْ     يَقُولُونَ لا تَهلِكْ أَسًى وتَجَمَّــــلِ

وإنَّ شِفائِيِ عَبْرَةٌ مُهَراقَــــــــةٌ     فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

كَدَأْبِكَ مِن أمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهــا     وجارَتِها أمِّ الرَّبابِ بِمَأْسَـــلِ ..

أَلَا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صالِحٍ     ولا سِيّمَا يَوْمٌ بِدارَةِ جُلْجُـــــــلِ

ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذارَى مَطِيَّتِي      فَيا عَجَبًا مِنْ كَوْرِها المُتَحَمَّـلِ

فَظَلَّ العَذارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِها    وشَحْمٍ كَهُدّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّـلِ

 

 

من معلقة عمرو بن كلثوم

وهي من أغنى الشعر الجاهلي بالعناصر الملحمية والحماسة والعزة. وتضم مئة بيت. والشاعر عمرو بن كلثوم (توفي نحو 584م) من قبيلة تغلب، ولد في بلاد ربيعة شمالي الجزيرة العربية، وتجوّل فيها وفي الشام والعراق. ساد قومه في الخامسة عشرة من عمره.

 

أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا      وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا

مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا       إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا

تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ      إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا

تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ  عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا

صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو      وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا

وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو        بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا

وَكَأْسٍ قَدْ شَـرِبْتُ بِبَعْلَبَـكٍّ          وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَـا

وَإِنَّا سَـوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَـايَا          مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَـدِّرِيْنَـا