icon
التغطية الحية

الشعر العربي بين القديم والحديث (1).. أنواع الشعر وموضوعاته وأغراضه

2021.07.03 | 17:24 دمشق

alshr_byn_alqdym_walhdyth-_tlfzywn_swrya.png
عن الشعر العربي بين القديم والحديث (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

اختلف كثير من الأدباء وعلماء اللغة في تعريف الشّعر، حيث لا يمكن اعتماد مفهوم واحد للشعر إذا تحدثنا عن الشعر العالمي بلغاته المختلفة. وقال أحدهم: "الشعر كلام، وأجوَدُه أشْعَرُه". وقال آخر: "الشعر شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا". إلا أن ما سبق من تعريفات يبقى كلاماً في العموميات.

تعريف الشعر

أما تعريف الشعر الأكثر اتفاقاً بين الأدباء فيقول: "الشعر شكل من أشكال الفن اللغوي الذي يستعين بالجمالية ويتضمن وصف الأشياء لتجسيد المعنى المراد إيصاله للمتلقي بطريقة جمالية".

ولأن الحديث هنا سيتناول الشعر بلغته العربية، فيمكن عرض بعض أهم التعريفات التي جاء بها اللغويون والمفكرون العرب:

  • ابن طباطبا:
    عرف ابن طباطبا الشعر العربي بأنه "الكلام المنظوم البائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم ونظمه معلوم محدود".
  • ابن منظور:
    "الشّعر مَنظومُ القول غلب عليه؛ لشرفه بالوزن والقافية، وإن كان كلّ عَلَم شعراً".
  • الجرجاني:
    "إن الشعر علم من علوم العرب ويشترك فيه الطبع والرواية والذكاء".
  • أحمد بن محمد بن علي الفيومي:
    "النظم الموزون وحده ما تركّب تركباً متعاضداً، وكان مقفى موزوناً مقصوداً به ذلك".
  • أما ابن خلدون فيقول عن الشعر بأنه:
    "الكلام المبني على الاستعارة والوصف المفصّل بأجزاء متفقة في الوزن والروي مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده".

ويتضح من التعريفات الآنفة أن الشعر مشروط بالقافية والوزن، وهي مرتبطة بالتأكيد بصورة الشعر العمودي المعاصر لأصحاب تلك التعريفات، ما يُبقي حالة قصائد التفعيلة والنصوص النثرية بين مؤيد لتصنيفها ضمن أشكال الشعر ومعارض له.

وعلى أية حال، فإن الشّعر شكل من أشكال الفنّ العربي الأدبي الذي اقترن ظهوره مع بروز شعراء منطقة الجزيرة العربية خلال القرنين أو الثلاثة قرون السابقة لظهور الإسلام، والتي أُطلق عليها فترة "الجاهلية"، وما تلاها لاحقاً.

والشعر تعبير إنسانيّ يتّسم بأنّه كلام موزون ذو تفعيلة محدّدة، ويلتزم بوجود القافية، ويستخدم الصّور الشعريّة والفنيّة، ويلجأ إلى الرمزيّة، ويحمل في طيّاته معاني عميقة وتشبيهات وكلمات ذات مضامين جمالية؛ يكتبه الشّاعر ليُعبّر عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، وعن قضايا إنسانية عديدة.

ووصِف الشعر بأنه (ديوان العرب)، إذ كان العِلم الأهمّ والأكمل عند العرب ووسيلة تخاطبهم في ذلك الزمان، يعبّرون فيه عن أخبارهم وأحوالهم وأفكارهم، ولأنه أصبح موزوناً صار يسمى شعراً عند العرب، وأغلب الظن لأنه نابع من الشعور والمشاعر.

شروطه..

للشعر العربي (العمودي) ضوابط ثلاثة لا بد من توافرها حتى يمكن تصنيف القول شعراً. وهذه الضوابط هي: القافية والبحر والوزن.

وتقوم القافية بدور أساسي في الشعر العربي، بحسب واضع علم العَروض الأول "الخليل بن أحمد الفراهيدي"، وهي قرينة "الوزن/ التفعيلة" في هذا الدور، ولكنّ وضوحها السمعيّ، وبروزها الصوتي جعل منها ملمحًا كاشفًا، ومعلمًا دالاًّ بحيث تطلق القافية ويراد بها القصيدة، أو القوافي ويراد بها الشعر.

وتشتمل القافية على "المقطع المتّحد" في القصيدة كلّها في أواخر الأبيات. وتكون في "آخر حرف ساكن في البيت إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك الذي قبله". والأمثلة على ذلك: 

قال زهير بن أبي سلمى:

لِمَن طَلَلٌ بِرامَةَ لا يَريمُ  عَفا وَخَلا لَهُ حُقُبٌ قَديْمُ 

تَحَمَّلَ أَهلُهُ مِنهُ فَبانوا  وَفي عَرَصاتِهِ مِنهُم رُسوْمُ

أو في قول امرئ القيس (المعلّقة):

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ  بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَوْمَلِ

فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُه  لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمْأَلِ

أما "الوزن/ التفعيلة"، فيُقصد بها بناء اللفظ من الحروف الثلاثة الأصلية، الفاء والعين واللام (فعل)، والتي يتم الاعتماد عليها لاستنباط بحور الشعر من القصائد من خلال ما يُطلق عليها "الكتابة العَروضية".

قال عنترة بن شداد (من البحر الكامل):

هلَا سألت الخيل يا ابنة مالك   إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

مُتْفاعِلُنْ مُتْفَاعِلُنْ مُتَفَاعِلُنْ

وقول امرئ القيس في معلّقته (البحر الطويل):

ألاَ أَيُّـهَـا الـلَّـيْـلُ الـطَّـوِيْــلُ ألاَ انْـجَـلِــي   بِـصُـبْـحٍ، وَمَــا الإصْـبَـاحُ مـنِـكَ بِأَمْثَلِ

فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فعولن مفاعِلِنْ

بحور الشعر الـ16

تخضع قصائد الشعر لوزن وتفعيلة محدَّدين، ويُسمى هذا النسق بـ "البحر الشعري"؛ فتكون أبيات القصيدة العمودية (الشطر من كل بيت) كلّها مبنيّة على تفعيلة واحدة تتبع لبحر معين من بحور الشعر العربي (كما في المثالين السابقين في قصيدتي عنترة وامرئ القيس).

 وبحور الشّعر عددها 16 بحراً وهي:

المُتدارَك، المُتقارِب، المُجتثّ، المُقتَضَب، المُضارِع، الخفيف، المُنسرِح، السّريع، الرَّمَل، الرَّجَز، الهَزَج، الكامل، الوافر، البَسيط، المَديد، الطّويل.

موضوعات الشّعر

تختلف كل قصيدة عن غيرها من حيث الموضوع والفكرة والهدف المُراد من نظمها، وأهم الموضوعات التي تتناولها قصائد الشعر العربي:

- الشّعر الغنائي:

هو شعر ذاتيّ يُعدّ من أقدم ألوان الشّعر، ويُطلَق عليه اسم الشعر الوجداني، ويتّسم بارتباطه بالموسيقا والغناء وبالتّعبير عن العواطف البَحتة؛ كالحبّ والكره والفرح والحزن والحنين.. إلخ.

- الشعر المسرحي:

وهو شعر موضوعي، ويتميّز بالوحدة العضويّة؛ أي ترتيب الأحداث ترتيباً زمنيّاً أو سببيّاً، ونظمهُ لأول مرة خليل اليازجي سنة 1876 ويعد أحمد شوقي رائد الشعر المسرحي. وهو عبارة عن مسرحيّات كُتِبَت بشكل شعريّ أو نثر مَسجوع، وتكثر فيها المَقطوعات الغنائيّة.

 

شوقي
أحمد شوقي (1868 - 1932)

 

- الشّعر الملحمي:

وهو شعر أسطوريّ ازدهر في عصر الشّعوب الفطريّة، الذين تميّزوا في خلط الواقع والخيال والحكاية والتّاريخ، ويُعالج الشّعر الملحميّ بشكلٍ عامّ موضوعاً بطوليّاً يرتكز على فكرة قوميّةٍ، كما يتضمّن الشّعر الملحميّ في الغالب فكرةَ الحرب والدّفاع عن البلاد، وتمجيد أبطال الحرب.

- الشّعر القصصي:

ويقدّم هذا النوع قصة على شكل شعر، وتتوفر فيه كامل عناصر القصة الأساسية المتمثّلة في السّرد، وتقديم أحداث القصّة، والوصف في إبراز صفات الأشخاص والحوار والنّهاية.

أشكال الشعر

تختلف أنواع الشّعر في شكلها، وهي:

1- الشعر العمودي:

ويعدّ الجذر الأصلي لكل أنواع الشعر. وتتسم القصيدة العمودية، كما مرّ سابقاً، بأنها تضم مجموعة أبيات كل بيت يتألف من مقطعين (شطرين)؛ يُسمّى الأول (الصّدر)، والثّاني (العَجْز).

وكثيرون هم شعراء القصيدة العمودية، كونها القصيدة الأم للشعر العربي، نذكر منهم:

العصر الجاهلي: امرؤ القيس، عنترة بن شداد، النابغة الذبياني، عمرو بن كلثوم، عروة بن الورد..

العصور الإسلامية: المتنبي، جرير، الفرزدق، أبو فراس الحمداني، الأخطل. بالإضافة إلى شعراء عديدين معاصرين أمثال أحمد شوقي ونزار قباني والأخطل الصغير وعمر أبو ريشة..

 

نزار.jpg
نزار قباني (1923 - 1998)

 

2- الشعر الحرّ:

أو ما يُطلق عليه "شعر التفعيلة" أو "الشعر الحديث".. وهو شعر لا يلتزم بشروط الشعر العمودي من حيث القافية أو الوزن أو حرف الروي (الحرف الأخير من الأبيات). بدايات هذا النوع من الشعر ظهرت من العراق عام 1947 على يد الشاعر بدر شاكر السياب، وبعض الشعراء ينسبونه لـ نازك الملائكة التي عاصرته.

ويمتاز الشعر الحرّ بحرية اختيار الوزن؛ فلا يلتزم الشّاعر بتفعيلة أو قافية واحدة أو طول محدد للأسطر، كما يمتاز أيضاً باللّحن الموسيقي المُصاحب للأبيات/ المقاطع الشعريّة، وهذا يُعطي الشاعر مجالاً واسعاً من حرية نظم الأبيات لعدم التزامه بتفعيلات البحور الـ16، وكذلك تمنحه عدداً أكبر من الكلمات التي من الممكن أن تضيف لحناً خاصاً للقصيدة.

ومن رواد قصيدة التفعيلة بالإضافة إلى السياب ونازك الملائكة: محمود درويش، عبد الوهاب البياتي، لميعة عباس، نزار قباني.

قال بدر شاكر السياب:

"من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف

من أي وكر للذئاب؟

من أي عش في المقابر دفَّ أسفع كالغراب؟

قابيل أخفِ دم الجريمة بالأزاهر والشفوف

وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء

ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء!

عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينهْ

والليل زاد لها عماها

والعابرون".

 

Sayab0.jpg
بدر شاكر السياب (1926- 1964)

 

3- شعر النثر:

وهو الشعر الذي لا يلتزم بأي معيار من معايير الشعر العمودي أو الحرّ، لذا نجد أن غالبية الأدباء والقرّاء العرب لا يسمّونه شعراً -بصورة صريحة- فيقولون أحياناً إنه "شعر منثور أو نص
نثري أو قصيدة نثرية.. إلخ"، إلا أن النثر يستهوي كثيرين من القراء والأدباء نظراً لاحتوائه عبارات ذات مضامين شعرية جمالية، سواء أكان قصصياً أو وجدانياً أو وصفاً لحالات إنسانية أخرى.

وبرز روّاد قصيدة النثر في العالم العربي في كل من سوريا ولبنان مقارنة ببقية الأقطار العربية، نذكر منهم:

محمد الماغوط، أنسي الحاج، جبرا إبراهيم جبرا، سليم بركات، بول شاوول، توفيق صايغ، أدونيس، إسماعيل العامود. ومن العراق برز الشاعر مظفّر النّواب.

وتزخر الساحة العربية بكثيرين من شعراء/ كتّاب قصيدة النثر الذين سنفرد لهم جزءاً خاصاً من هذه السلسلة للحديث عنهم وعن نتاجهم الأدبي المتميّز.

قال محمد الماغوط:

"ولن أنام بعد الآن
في مكان واحد مرتين متتاليتين
وكالطغاة أو الأنبياء المستهدفين
سأضع شبيها لي
في أماكن متعددة في وقت واحد
لا لتضليل الوشاة والمخبرين فلقد صاروا آخر اهتماماتنا
ولكن لتضليل القدر".

 

19_2019-636898787259559566-955.jpg
محمد الماغوط (1934- 2006)

 

4- الشّعر المُرسَل:

هو شعر موزونٌ دون قافيةٍ مُحدّدةٍ، أي أنّهُ يلتزم بالتّفعيلة الواحدة للبحر دون الوزن الشعريّ. وكتابة هذا اللون من الشعر أشد عسرا من كتابة الشعر الملتزم بالأوزان والقوافي التقليدية في بحورها المحددة. ومن القصائد الجميلة في الشعر المرسل قصيدة نزار قباني "إني مسافرة" :

صديقتي صديقتي الحبيبة

غريبة العينين في المدينة الغريبة

شهر مضى.. لا حرف.. لا رسالة خضيبة

لا أثر... لا خبر

منك يضيء عزلتي الرهيبة

أخبارنا

لا شيء يا صديقتي الحبيبة

نحن هنا

5- شعر الرُباعيّات:

هذا الشكل من الشعر دخل اللغة العربية من الأدب الفارسي، وهو نوع خاصّ من الشّعر؛ عبارة عن بيتين من الشّعر مُتّفقين في الوزن والقافية، وعادةً تكون الرُباعيّات مكونة من أربعة أبيات فقط، تحمل فكرة تنتهي بانتهاء الأبيات الأربعة.

ومن أشهر شعراء الرباعيّات: عمر الخيّام، صلاح جاهين، وجلال الدّين الرومي.

في "رباعيات الخيام" اضطر الشاعر أحمد رامي إلى تغيير بعض الكلمات، وأخذ معناها العام، بدل المعنى الحرفي، كي يُخضِع القصيدة للوزن:

لَبستُ ثَوبَ العَيشِ لمْ أُستشَر   وحِرتُ فيهِ بَينَ شَتّى الفِكرْ

وسوفَ أنضو الثوبَ عني ولَمْ   أدرِك لماذا جِئتُ؛ أينَ المَقرْ

لغة الشّعر وأغراضه

الشّعر من حيث اللّغة نوعان، هما:

1- الشّعر العاميّ/ الشعبي/ المَحكي/ أو المَكتوب بغير اللّغة العربيّة الفصيحة، وإنّما بلهجة الناس المُتداولة بينهم، مثل الشعر (النبطي) و(الزَّجَل) و(المَوَّال).

2- الشّعر الفصيح: وهو المكتوب والمُلقى باللّغة العربيّة الفَصيحة.

ويختلف الشّعر من حيث أغراضه ومضمونه، فهناك على سبيل المثال وليس الحصر، شعر الغزل والوصف والمدح والرّثاء والهِجاء والحكمة والفخر والحماسة.

المصادر:

1- 2- 3- 4- 5