عن التوصيات الأميركية الأخيرة بشأن اللامركزية في شرق سوريا

2018.08.15 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

منذ سنوات، باتت قدرة الولايات المتحدة على التأثير في النتائج في سوريا محدودة، بعد تفوق روسيا وإيران عليها، من خلال دعمهما لنظام الأسد الذي يواصل بسط سيطرته على الأراضي السورية، من خلال انتهاك اتفاق خفض التصعيد الذي وقعه ترمب وبوتين في تشرين الثاني 2017.

ورغم ضبابية أهداف الإدارة الأمريكية في سوريا، فإنها أعلنت مؤخرًا على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو، أنها ستلتزم باتخاذ الخطوات اللازمة لهزيمة تنظيم داعش والحيلولة دون عودته، وأنها ما زالت ملتزمة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يضع تصورًا لعملية سياسية في سوريا.

يدعو تقرير “استعراض مساعدة الاستقرار“(SAR) للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووزارة الدفاع الأمريكية، الصادر في حزيران 2018، الإدارة الأمريكية إلى صياغة أهداف سياسية واقعية مدعومة بالتحليل في كل مساعي دعم الاستقرار.

ومع استمرار الوجود الأمريكي في شرق سوريا، فإن على الإدارة الأمريكية حسبما يدعو إليه التقرير، أن تتوصل إلى مساعٍ تُمكّن شرق سوريا إلى الوصول إلى الاستقرار والشرعية، بما يضمن تحقيق نهايات سياسية تتسق مع الأهداف الأمريكية.

ولكن، إذا اختارت الولايات المتحدة عدم تعزيز وجودها في شرق سوريا، فإن أمامها خيارين اثنين، حسب تقرير صادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكي (CSIS)، أعدّته مديرة مشروع الدفاع المشترك في المركز ميليسا دالتون والزميل في مركز كارنيغي فرانسيس براون.

لا ينصح الباحثان بكلا الخيارين. أولهما، مواصلة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكيًا،

قدرة قسد على الحصول على تنازلات من النظام، بشكلٍ من اللامركزية تظل محدودة من دون دعم أمريكي، وبالتالي ستظل المنطقة إضافة إلى شرق العراق عرضةً لعودة تنظيم داعش.

سيطرتها على شرق سوريا للقضاء على تنظيم داعش، ومن ثم تسليم إدارة هذه المنطقة إليها، لتبدأ بدورها تسوية مع نظام الأسد لدمج المنطقة إداريًا مع بقية المناطق التي يسيطر عليها النظام.

لكن قدرة قسد على الحصول على تنازلات من النظام، بشكلٍ من اللامركزية تظل محدودة من دون دعم أمريكي، وبالتالي ستظل المنطقة إضافة إلى شرق العراق عرضةً لعودة تنظيم داعش، مما يجعل هذا الخيار سيئًا لفشله في معالجة دوافع واحتمالية عودة التنظيم.

أما الخيار الثاني، فهو أن تعمل الولايات المتحدة مع تركيا لإدارة شمال وشرق سوريا، بحيث تُسلّم قسد مسؤولية مناطقها إلى تركيا، مما يُنذر حسب الباحثَين، بعودة الصراعين العربي الكردي والتركي الكردي إلى المنطقة، عند ذلك ستعمد تركيا إلى الاتفاق مع نظام الأسد بشأن تعزيز فواعل الحكم المحلي والقوات الأمنية، ولكن الباحثَين شكّكا بقدرة تركيا على فرض ضغوط تكافئ الضغوط الأمريكية، خاصة بالنظر إلى التوترات العربية الكردية والمخاوف الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا.

ويرى الباحثان أن تحقيق نهايات سياسية أفضل لشرق سوريا، سيعتمد على ضغط الولايات المتحدة باتجاه مزيد من اللامركزية الرسمية في المنطقة في المفاوضات الجارية، وتعزيز فكرة أن المنطقة أصبحت تحت حكم ذاتي كأمر واقع، ويُمكن اعتبار “المرسوم التشريعي 107 لعام 2011 قانون الإدارة المحلية” كبداية مبدئية لهذا المسعى، رغم تضمنه بنودًا يمكن للنظام استغلالها مثل الدور القوي للمحافظين المُعيّنين في كل محافظة.

يدعو التقرير الإدارة الأمريكية وشركاءها إلى الدخول أكثر في تفاصيل أي إطار لامركزي لزيادة المحاسبة الإدارية والرقابة على دور الأجهزة الأمنية لنظام الأسد، وإلى تضمين طيف أوسع من الممثلين السوريين في المفاوضات، والتشديد تجاه السبل التي يُعزز فيها النظام قبضته، مثل الأراضي والمساكن وحماية الممتلكات وإصلاح القطاع الأمني وحوار بناء الثقة ومحادثات المصالحة الوطنية بين العرب والأكراد والأقليات.

أما من الناحية الأمنية، فيدعو التقرير إلى إيجاد خيارات لمزيد من فض الاشتباك الأمريكي الروسي، لتحقيق أهداف مكافحة الإرهاب المشتركة، وفي هذه الحالة ستحتاج الإدارة الأمريكية إلى تعديلات من الكونغرس على القيود القانونية الأمريكية على مثل هذه الأنشطة.

وبالمحصلة، يتمثل هذا المقترح بتبني نموذج لامركزي في شرق سوريا مرتبط بدولة سورية موحدة،

المقترح الأمريكي قد يتحول إلى مُدخل أمريكي جديد إلى المفاوضات السورية، رُبّما يُحمَل إلى جنيف أو فيينا، اللتين لم تتوصل المفاوضات فيهما حتى الآن إلى نتائج ملموسة.

يمكن أن يشكّل القرارات المقبلة بشأن الحُكم والدستور في سوريا، وفي حال فشل مثل هذا النموذج، وبناءً على دروس سابقة، فالنهاية المحتملة هي إعادة سيطرة نظام الأسد على المنطقة، الذي ثبت أنّه المُحرّك الأول لعدم الاستقرار والتّطرف في البلاد.

في هذا الأسبوع، وصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة، لمُناقشة قمّة رباعية مُزمعة في تركيا بشأن سوريا، تضم روسيا وتركيا وإيران وفرنسا، في مسعىً ربما يرتبط بعملية أستانة.

ومع ما يُواجهه المقترح الأمريكي آنف الذّكر، من تحديات وتحفّظات، من جانب السوريين ودول الجوار، إلا أن هذا المقترح الأمريكي قد يتحول إلى مُدخل أمريكي جديد إلى المفاوضات السورية، رُبّما يُحمَل إلى جنيف أو فيينا، اللتين لم تتوصل المفاوضات فيهما حتى الآن إلى نتائج ملموسة.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الاتفاقات التي توصّلت إليها الولايات المتحدة مع روسيا، واتفاقات الدول الضامنة في أستانة، لم تتمخض عن نتائج ملموسة، فالحوار ما يزال حوار النار والدمار، ولا يبدو حتى الآن وجود استعداد حقيقي لدى نظام الأسد وداعميه بالجلوس إلى طاولة الحوار لمناقشة هذا المقترح أو غيره.