عن أي دول وطنية يتحدث دحلان؟

2018.12.06 | 20:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"ما يسمى بالربيع العربي" هكذا وصف قائد التيار الإصلاحي في حركة "فتح" ومسؤول الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة محمد دحلان المطالب الشعبية والثورات التي شهدتها عدد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010، بداية من تونس ومروراً بمصر وليبيا واليمن وسوريا.

جاء ذلك في مقابلة لدحلان يوم أمس مع المذيعة اللبنانية نجوى قاسم على قناة العربية رداً على الأنباء التي تحدثت عن تعرضه للضرب الشديد ونقله إلى العناية المركزة بعدما رفض تحمل مسؤولية مخطط اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

محمد دحلان الذي يقدم نفسه على أنه أحد المقربين من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأنه جزء من حركة

وصف ملايين المهجرين بسبب استبداد الأنظمة الديكتاتورية العربية وأنظمة الثورات المضادة، بضعاف النفوس وأنهم يعملون لصالح تركيا وقطر

تحرر وطنية لها تاريخها المجيد في النضال ضد الظلم والاستبداد كحركة "فتح"، لم يتوانَ عن اتهام ثورات الجماهير العربية التي تاقت للحرية والديمقراطية والإطاحة بالاستبداد بأنها محاولة من قبل تركيا وقطر لتدمير الدول الوطنية.

ولم تقف إساءات دحلان عند هذا الحد، بل ساقه خياله المريض والحاقد لوصف ملايين المهجرين بسبب استبداد الأنظمة الديكتاتورية العربية وأنظمة الثورات المضادة، بضعاف النفوس وأنهم يعملون لصالح تركيا وقطر.

كما وصفهم أيضاً بالمرحلين والهاربين من بلدانهم، وأنهم يجب أن يلوموا أنفسهم بعد أن فروا من بلدانهم "الوطنية" إلى تركيا، ضارباً بعرض الحائط كل قيمة أخلاقية لكلمة لاجئ والتي كانت ومازالت رمزاً من رموز نضال الشعب الفلسطيني المطالب بحق العودة بعد تهجيره من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

هذا التناقض الحاد والصارخ بين من يدعي أنه ابن الثورة الفلسطينية ومقرب من أهم الرموز الوطنية الفلسطينية والعربية الراحل "ياسر عرفات"، وبين اتهامه للملايين الذين هجروا بسبب القتل والظلم والقمع والاستبداد من قبل هذه الأنظمة التي لم يخجل دحلان بوصفها بالـ "الوطنية"، يكشف الوجه الحقيقي القبيح لمعنى ضعاف النفوس و (الأزلام التي تنفذ ما يطلب منها مقابل المال).

وبكل صفاقة يكمل دحلان حديثه موجها التهمة لقطر وتركيا بخراب مصر وليبيا وسوريا وتهجير 15 مليون سوري، وأنها مسؤولة أيضاً عن الانقسام الفلسطيني.

ليس دفاعا عن تركيا وقطر، لكن أن يتم تبرئة الأنظمة الدموية الديكتاتورية وأنظمة الثورات المضادة التي مولتها دول يعرفها دحلان أكثر من غيره، ويعرف أيضاً باعها الطويل في محاربة الديمقراطية والحرية إزاء شعوبها، ومواقفها الوطنية إزاء قضية الأمة العربية المركزية (القضية الفلسطينية)، فذلك أيضاً يجعل كلام دحلان مردودا عليه.

دحلان وفي حديثه عن 15 مليون مهجر سوري (أصحاب الفاتورة الأكبر في دول الربيع العربي) نسي أو تناسى دور نظام الأسد في هذه المأساة، ودعا السوريين للعودة لحضن دولة الأسد "الوطنية"، ليقفز بعد ذلك للاختباء وراء عباءة الراحل ياسر عرفات الذي كان سباقاً في كشف خيانة نظام الأسد بحق قضية العرب المركزية، وما تلاها من تغول في دماء الشعب الفلسطيني بدءا من مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان كمخيم تل الزعتر وانتهاءً بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وعلى رأسها مخيم اليرموك.

استهتار دحلان بمشاعر الشعوب العربية لم ينتهِ عند هذا الحد بل سقط أيضاً في حديثه عن أنباء سعيدة ببقاء ولي العهد السعودي لخمسين سنة قادمة، وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قاعد لكم.

فبخصوص ولي العهد السعودي الذي تلاحقه الاتهامات بالمسؤولية

لم يحترم دحلان إرادة الشعب المصري التي انقلب عليها عبد الفتاح السيسي، بل زاد على ذلك من خلال التأكيد على بقاء السيسي بغض النظر عن الدستور المصري

عن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي فإن دحلان لم يتنظر نتائج التحقيقات للتعرف عمن يقف وراء اغتيال خاشقجي، بل أكد بقاء ابن سلمان في السلطة ضارباً بعرض الحائط أي كلام عن حرية التعبير والرأي وحرية الصحافة كأساس لبناء دولة وطنية حقيقية.

بالمقابل لم يحترم دحلان إرادة الشعب المصري التي انقلب عليها عبد الفتاح السيسي، بل زاد على ذلك من خلال التأكيد على بقاء السيسي بغض النظر عن الدستور المصري الذي يمنع الرئيس المصري من الترشح لأكثر من دورتين رئاسيتين، هذا إن كان رئيسا منتخبا بشكل شرعي فكيف إذا كان الرئيس قد جاء بانقلاب عسكري؟

كلام دحلان هذا يكشف بشكل واضح مفهومه، ومفهوم من يسوق له ويحتضنه عن الدولة الوطنية، هذه الدولة التي تمجد الديكتاتوريين والقتلة والمتهمين بارتكاب جرائم الحرب، هذه الدولة التي تتوعد أبناءها بالقتل والسجون والتشريد بحال طالبوا بحقهم بالحرية والكرامة.