عنصريو لبنان وحزب الله..استبدال اللاجئين بعودة "الوصاية"

2019.06.23 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

رحّلَ "الأمن العام" اللبناني، ليل الثلاثاء 18 حزيران، لاجئين سوريين من بينهم ثلاثة مجندين منشقين عن قوات النظام، إلى سوريا، حسب تقرير نشره موقع "المدن". ويؤكد التقرير علم الجهاز الأمني اللبناني بالخطر المحدق بهؤلاء الشبان الثلاثة، وأن تسليمهم يناقض تعهدات لبنان القانونية ويخرق أعرافاً دولية وإنسانية.

وتزامن هذا الترحيل القسري مع مفاوضات "أمنية" وسياسية لإطلاق سراح شابين لبنانيين هما عنصران في جهاز "أمن الدولة" اللبناني، كان النظام السوري قد اختطفهما عند سفوح جبل الشيخ. وسبق هذا الخطف إقدام عناصر من جيش النظام، على خطف ثلاثة شبان من جرود بلدة عرسال وقتل أحدهم.

والحال، أن حادثتي الخطف، التي سبقتها طوال السنوات الأخيرة أفعال مشابهة، ثم عملية "التسليم"، تبدو كلها متسقة ضمن سياسة أمنية يفرضها النظام في التعامل مع لبنان، ابتزازاً أو ترهيباً. وهي سياسة تلاقي بدورها من الجانب اللبناني، حملة منظمة يشنها قسم راجح من السلطة السياسة والأمنية اللبنانية تستهدف اللاجئين السوريين بمستويات عدة: هدم مخيمات أو إحراق بعضها، ممارسة دعاية وضغوط تتراوح بين الترهيب والترغيب لتنظيم "قوافل عودة" إلى سوريا، شن حملات تحت عنوان "مكافحة العمالة غير الشرعية"، إجراءات إدارية وأمنية يستحيل معها إنجاز معاملات إقامة، يليها مطاردات ومداهمات تطال كل من ليس لديه إقامة!

وتصل ذروة هذه الإجراءات في الحملة العنصرية الشاملة والتعبئة الدعائية التحريضية ضد كل ما هو سوري.. وحض البلديات وسكان البلدات والقرى على منع السوريين من الإقامة أو العمل أو التجول وطردهم حين يتسنى لهم ذلك، في حين يتم تشجيع القوى الأمنية على التشدد القمعي والزجري والسلوك المهين والإذلالي لمطلق سوري موجود على الأراضي اللبنانية، وخلق مناخات كراهية وأجواء إعلامية مسعورة.

مطلب "تسهيل عودة اللاجئين" منح النظام باباً للدخول إلى السجال اللبناني وإلى التلاعب والتفاوض مع الدولة اللبنانية، ليس فقط في مسألة "العودة" بل في مسائل بالغة الأهمية والخطورة

ولا غرابة أن يصمت النظام السوري عما يلحق بـ "مواطنيه" داخل لبنان، طالما أنه أخرجهم وسائر ملايين السوريين، من "مجتمعه" ورَكَنَهم في خانة الإبادة. بل لا غرابة في أن حلفاءه بالتحديد هم الذين يشعلون الغرائز العنصرية ضد اللاجئين السوريين، طالما أنه سبق هؤلاء الحلفاء في حربه العنصرية ضد السوريين وحولهم إلى لاجئين.

علاوة على ذلك، فإن خبث النظام يشجع على تسعير العنصرية اللبنانية وتشجيع الانقسام اللبناني حول هذه القضية، لما تستدعيه من اصطفافات طائفية، وتحويل اللاجئين أنفسهم إلى مادة تفاوض وورقة ابتزاز للحكومة اللبنانية. فمطلب "تسهيل عودة اللاجئين" منح النظام باباً للدخول إلى السجال اللبناني وإلى التلاعب والتفاوض مع الدولة اللبنانية، ليس فقط في مسألة "العودة" بل في مسائل بالغة الأهمية والخطورة، منها قضية "ترسيم" الحدود البرية والبحرية، السياسة الخارجية اللبنانية، العلاقات مع الدولة السورية وتطبيعها بالكامل وأهمها "التنسيق الأمني"، ترجيح كفة حلفائه في السلطة أكثر.. وصولاً إلى الثأر والمعاقبة لخصومه من اللبنانيين.

نموذج خطف الشبان اللبنانيين من قبل جيش النظام ولا يطلق سراحهم إلا بعد تسليم شبان سوريين من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية لـ "المخابرات الجوية"، هي السياسة والعلاقة التي يريدهما النظام مع لبنان. أما الحملات الممنهجة البالغة العنصرية والناضحة بالكراهية ضد اللاجئين السوريين، فهدفها إقناع اللبنانيين أن هؤلاء هم "خطر وجودي"، ولا مجال للتخلص منه سوى بالتفاهم مع النظام، طالما ما من قدرة على رمي اللاجئين بالبحر!

هكذا، يتهيأ رأي عام لبناني يرغب ويتقبل إعادة الدفء إلى العلاقات مع نظام الأسد بوصفها "مصلحة لبنانية عليا"، بل ولا يمانع بالرضوخ للشروط التي يريدها هذا النظام، بما في ذلك إعادة صوغ السياسة اللبنانية برمتها، والعودة إلى بندها الأهم: "وحدة المسار والمصير"، شعار الوصاية الأسدية على لبنان.

إذاً، يعمل حلفاء وأصدقاء النظام السوري على التنكيل باللاجئين من جهة، وابتزاز المجتمع الدولي بهم مالياً واقتصاديا (المساعدات المالية والغذائية والاستشفائية..إلخ) تحت شعار تخويفي: سنرميهم في البحر المتوسط ليجتاحوا شواطئ أوروبا، من جهة ثانية، وإقناع اللبنانيين والدول المعنية بضرورة "التفاوض" والتفاهم مع النظام والرضوخ لشروطه

إذاً، يعمل حلفاء وأصدقاء النظام السوري على التنكيل باللاجئين من جهة، وابتزاز المجتمع الدولي بهم مالياً واقتصاديا (المساعدات المالية والغذائية والاستشفائية..إلخ) تحت شعار تخويفي: سنرميهم في البحر المتوسط ليجتاحوا شواطئ أوروبا، من جهة ثانية، وإقناع اللبنانيين والدول المعنية بضرورة "التفاوض" والتفاهم مع النظام والرضوخ لشروطه، من جهة ثالثة. وهذا بالضبط ما يطمح إليه الأسد عبر الإمساك بمصير اللاجئين كورقة ابتزاز يحصّل منها تعويماً لسلطته، وتمويلاً لخطط "إعادة الإعمار"، وتطبيعاً دولياً لعلاقاته. وعلى الأرجح، هي بنظره ورقة رابحة.. وسيسعى إلى جعل قضية اللاجئين بلا حل نهائي لأطول فترة ممكنة، بسبب المكاسب الهائلة التي سينالها من المتاجرة بها.

حلفاء النظام من اللبنانيين، يريدون طرد اللاجئين ولو كان الثمن "عودة" الوصاية السورية وجيشها ومخابراتها للتحكم بمصير لبنان. وهذه هي المفارقة الكبيرة التي تجعلنا نفهم هذا الصمت اللئيم الذي يميز "حزب الله" إزاء السجال اللبناني – اللبناني حول اللاجئين، خصوصاً عندما يتغافل رئيس "التيار الوطني الحر" (العونيون)، الوزير جبران باسيل، رأس الحربة في الحملة على اللاجئين، عن الحقيقة الفاقعة أن النظام السوري هو الذي هجّر وطرد مواطنيه، وهو الذي يمنع "العودة الآمنة" ويرفض تقديم أدنى الضمانات الأمنية والإنسانية لهؤلاء الذين يرغبون بالعودة.. بل ويتغافل عن حقيقة أن "حزب الله" هو الذي يحتل ويستولي على معظم المناطق التي نزح منها اللاجئون المقيمون في لبنان. والأخطر من كل هذا، أن العونيين وحزب الله، يعرفون يقيناً أن كل هذه الحملات ضد اللاجئين (السوريين والفلسطينيين أيضاً) وكل المبادرات والاتصالات مع النظام السوري وكل السياسة التي ينتهجانها عربياً ودولياً، إنما هي استفزاز بالغ الخطورة للطائفة السنية في لبنان خصوصاً، على نحو ينسجم مع وقائع سياسية داخلية قوامها غلبة عونية حزبلاهية تستضعف السنة ومواقعهم في الدولة والإدارة وتهمشهم.