عندما تفوق أبو اليقظان على المقدسي!

2020.07.01 | 00:00 دمشق

untitled-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالكاد حفلت أوساط الثورة والمعارضة بالقتال الذي نشب الأسبوع الماضي، بين الفصائل السلفية الجهادية الرئيسية في إدلب، حتى المواطن العادي في تلك المنطقة لم يهتم لصوت المدافع والرصاص، بعد أن ضجر الجميع من هذه الظاهرة.

خلف غبار المعارك العسكرية كانت تدور معركة إعلامية عنيفة بين أطراف المواجهات ومؤيديهم من مشايخ التيار وجمهوره، بينما كان المحايدون منهم يسابقون الزمن من أجل إقناع الجانبين بعقد هدنة والقبول بمبادرات الصلح التي تعددت.

تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة دعائية بالنسبة لهيئة تحرير الشام وخصومها من فصائل غرفة عمليات فاثبتوا، وسعى كل منهما إلى إقناع جمهور التيار السلفي الجهادي بأحقية موقفه وجناية الطرف الآخر، بينما كان متوقعاً ألا يبالي أيٌّ منهما بالتوجه إلى الجمهور العام، أي المواطنين في إدلب، ساحة المواجهات، والسوريين من حاضنة الثورة والمعارضة، من أجل شرح حقيقة الموقف وحشد الدعم والتأييد، بعد أن بات معلوماً لهذه الفصائل أنه لم يعد لها أي قبول بين السوريين، حتى لدى أولئك الذين جذبتهم شعاراتها البراقة يوماً وخدعوا بنفاق قادتها خلال السنوات الماضية.

ولعل أبرز مظاهر هذا النفاق هو حديث الفصائل السلفية المناهضة لهيئة تحرير الشام، ومشايخ التيار المؤيدين لهذه التشكيلات عن ظلم لحق بهم على يد الهيئة، ما دفعهم لإعلان الحرب عليها، بينما كانت هذه الفصائل نفسها شريكة لتحرير الشام في كل المعارك التي خاضتها ضد فصائل الجيش الحر والقوى الإسلامية المحلية، كما أنهم كانوا جزءًا منها عندما اعتقلت وقتلت كثيرا من القادة والناشطين الثوريين.. وقتها لم يتذكر هؤلاء أن "الظلم" جريمة محرمة، بل غالباً ما اعتبروا تلك الأفعال من الجهاد في سبيل الله !.

وفي هذا السياق كم كان مندهشا أبو اليقظان المصري، صاحب الفتوى الشهيرة إبان المعركة الأخيرة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام عام ٢٠١٧، عندما كان للشرعي العسكري للهيئة، فتوى "اضرب بالرأس وأنا المسؤول أمام الله" التي وقف يحرض بها مقاتلي التنظيم يومها، المترددين في قتل إخوانهم وأقربائهم وجيرانهم فقط لأن قادة فصيليهما اختصموا.. كم كان مدهشاً أن يطلق مبادرة للصلح بين المتحاربين مؤخراً، وكم كان مستفزاً أن يتباكى في تويتر وتيليغرام على الدماء التي تسفك في هذا الاقتتال، رغم أن ضحاياها لم يبلغوا حتى معشار ما سفك من دماء بسبب فتواه عندما كان جزءًا من هيئة تحرير الشام وقائداً فيها !

أما أبو محمد المقدسي، شيخ مشايخ هذا التيار، كما يقدم نفسه ويقدمه أتباعه، وهو الذي قال يوماً "أنا شيخهم الذي علمهم التوحيد"، فقد تحول إلى ناشط إعلامي فرّغ نفسه لنشر الأخبار العاجلة والعاجلة جداً (!!)، والتي كان كثير منها مختلقاً وجزءًا من الحرب الإعلامية، فكم كانت صدمته كبيرة بنجاح مبادرات التهدئة بين طرفي القتال، كيف لا وهو الذي كان يحلم بأن تتمكن فصائل (فاثبتوا؛ الناشئة للتو وغضة العود بالانتصار على تحرير الشام والقضاء عليها، فقط لأن الأخيرة خلعته من إمامتها ولم تعد تعترف بمشيخته عليها منذ أن انفصلت عن تنظيم القاعدة عام ٢٠١٦.

لقد كان أبو اليقظان المصري وغيره من مشايخ التيار السلفي الجهادي في دعوتهم للصلح أبعد نظراً من المقدسي، لأنهم كانوا يعلمون بفارق القوة بين هيئة تحرير الشام وخصومها من فصائل غرفة عمليات "فاثبتوا"، وأن الهيئة تستطيع سحقهم في يوم واحد لو أرادت، لكنها ترى أن الوقت ليس مناسباً بعد، وعندما فهم المقدسي هذه الحقيقة، وبعد أن فشل تحريضه لمقاتلي تحرير الشام على الانشقاق عنها والقتال ضد قادتها، لم يتردد في دعوة الفصائل التي يؤيدها إلى حل نفسها وعدم المشاركة في أي قتال قادم محتمل ضد النظام !

ثمان سنوات منذ العام ٢٠١٢ حتى الآن والسلفيون يقاتلون الثوار ويفككون فصائلهم بحجة أنهم عملاء للغرب وأنهم سيقومون بقتالهم والاعتداء على (المهاجرين) والتنكر لهم، وإذ بهم اليوم هم من يسفك دم بعضهم البعض، وهم من يقتل المهاجرين والأنصار تحت دعاوى زائفة لطالما استثمروا فيها واستغلوا عاطفة الآلاف باسمها !

يسود اعتقاد خاطئ عند كثيرين، وأكثر من يروجه خصوم هيئة تحرير الشام من الجهاديين، أن الهيئة تنتظر أوامر خارجية، لم تأت بعد، للإجهاز على تنظيم "حراس الدين" والتشكيلات المتحالفة معه، والواقع أن هذا السيناريو موجود فقط في خيالات أصحابه، فلا حاجة لأحد، لا في الداخل ولا في الخارج إلى استخدام أي قوة من أجل التخلص من هذه الجماعات، التي ستظل تنشق عن بعضها وتقاتل بعضها البعض حتى تفني نفسها بنفسها وتخرج من دائرة الفعل، لكن بأوامر مشايخها وقادتها.