عندما تحطم هرم ماسلو على رؤوس السوريين

2019.07.21 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ما الدافع أو الحاجة وراء رغبة العديد من الناس في لعب دور قيادي للمجتمع ومؤسساته العامة؟ رغم أن المتصدرين لهذه المسؤولية سيواجهون مشاكل وهموم المجتمع المستدامة الصعبة الحل, نظراً لتنوع المشاكل المجتمعية ولمحدودية الموارد المادية التي تلزم لإنجاز الحلول, هذه المشاكل تصبح أكثر حدة في المجتمعات التي تواجه كوارث طبيعية أو تعيش أزمات سياسية  أو ثورات كحال المجتمع السوري.

هل الدافع هو إيمان برسالة ما؟ أو بما تولده خدمة المجتمع من شعور بالرضا عن الذات؟ أم أنه البحث عن الشهرة والسمعة؟ أو أن الجواب ببساطة هو "لقمة العيش" وفي حال تضاربت المصلحة العامة للمجتمع مع مصلحة المتصدرين؟ هل سيضحون بمصالحهم الخاصة في سبيل عدم خيانة الأمانة؟

حاول العديد من الباحثين والعلماء الإجابة عن هذا السؤال وتحديد دوافع الإنسان التي تقف خلف سلوكه وتصرفاته, إحدى الدراسات قام بها العالم ماسلو Abraham Maslow المتخصص في علم النفس عام 1943، معتمداً نماذج لأشخاص حققوا إنجازات فارقة على مستوى المجتمع, قدمت الدراسة تفسيراً لسلوك وتصرفات الإنسان انطلاقاً من تطور حاجاته البدنية والنفسية والتي حسب النظرية تكون على خمسة مستويات تشكل ما سماه هرم الاحتياجات ولاحقاً عرف بـ" هرم ماسلو".

لاحظ ماسلو أن الإنسان يبدأ بتلبية الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب والتي تشكل قاعدة الهرم التي تشترك كل البشرية في طلبه,  وبعدها يبحث عن الأمان المتمثل بالمأوى والشريك, وبعد أن يضمن عدم انقطاع احتياجاته الأساسية ويحقق نوعاً من الأمان الوجودي, يعزز انتماءه إلى جماعة إنسانية, أي يسعى لإشباع حاجة روحية تتمثل بالانتماء, مع تلبية هذه الحاجة يصبح لديه رغبة بالتمايز عن هذه الجماعة أو المجتمع أي ألا يبقى مجرد رقم, إما من خلال اكتسابه وحيازته الأشياء المادية التي لاتحوزها الأغلبية كبيت مميز أو سيارة فارهة.. أو من خلال التميز الفكري والمعنوي مثل التفوق الدراسي والتحصيل العلمي أو إنجاز أبحاث فكرية وعلمية,.. مما يكسبه احترام المجتمع الذي ينتمي له.

عموم الناس ونتيجة لظروفهم, حظوظهم, إمكانياتهم الجسدية أو الفكرية, لا تستطيع أن تتجاوز المراحل السابقة من هرم ماسلو حيث تبقى طيلة حياتها تصارع من أجل إثبات ذاتها ضمن مجتمعها, وبدرجة أشد من أجل تأمين لقمة العيش وأجرة المأوى وما تفرزه الحياة المعاصرة من احتياجات أساسية كالكهرباء والانترنت.... .

القلة التي نجحت بتحقيق الاكتفاء المادي أولاً ومن ثم النفسي من خلال تمايزها الإيجابي المادي أو المعنوي, مما أكسبها احترام المجتمع, تصل إلى المرحلة الأرقى والمتمثلة بتحقيق الذات "العليا" والتي تشكل قمة الهرم من خلال تقديم مساهمات (لاتبتغي الربح المادي ) إلى مجتمعها, وابتكار الحلول لمشاكله, وهنا يكون على المجتمع أن يلتقط هذه الفرصة ويفوض هذه الفئة , لتعمل بشكل مباشر أو غير مباشر,على تقديم رؤيتها لمستقبل المجتمع لتساعدفي ازدهاره ورخائه  في الحالات العادية , أووضع أسس بناء دولته الجديدة بعد ثورة أو حرب تحرير أو استقلال .

العديد من المجتمعات التي تتبنى الديمقراطية كنهج لإفراز القيادات في المجال العام, لا تغفل الدور الريادي للأفراد الذين وصلوا إلى مرحلة تحقيق الذات العليا, قد يكون الدور رسمياً, أو غير رسمي من خلال إفساح المجال لهم لإبداء آرائهم من خلال المنتديات, واللقاءات العامة الإعلامية وغيرها, حيث تكون ذات دور واضح في رسم السياسة العامة.

من نجا من القتل والاعتقال على يد زبانية النظام الأسدي تحول إلى نازح أو لاجىء

بما يتعلق بالحالة السورية, نجد أن من نجا من القتل والاعتقال على يد زبانية النظام الأسدي تحول إلى نازح أو لاجىء, رافق هذا التحول لأغلبية السوريين خسارة الرصيد المادي وتمايزه عن مجتمعه الذي تفكك نتيجة النزوح واللجوء,  وفرض عليه الواقع البدء من جديد, العودة إلى المرحلة الأولى لهرم الاحتياجات, ليواجه تحدي تأمين المطالب الأساسية من مأكل ومشرب وتأمين أجور البيت, والعمل الذي قد يجده في مثل هذه الظروف قد يكون في مؤسسات غير ربحية, أو مؤسسات المعارضة الرسمية والتي تملك هيكلية يقع على رأسها المدير الذي يمثل المؤسسة وبالتالي نظرياً يمثل المصلحة العامة.

بالنظر إلى واقع مؤسسات الثورة نجد أن أغلبية من يترأسها, لم يعد يسعى لهذا الدور لتحقيق المصلحة العامة, بل يقوم بهذا الدور استجابة لمصلحته الخاصة وأمانه الوجودي لشخصه وعائلته, وليس هناك مشكلة في حال تطابقت المصلحتان ولكن في حال حصل التضارب, فإنه سيقوم بمواقف وإجراءات تخالف وبشدة المصلحة العامة إلا أنها تضمن استمراره بمنصبه لأنه ببساطة يريد أن يتمايز عن مجتمعه الجديد والأهم, أنه لايستطيع ضمان أمانه الوجودي في حال أصبح خارج هذه الدائرة.

يمكن ملاحظة هذا التوجه بالعديد من الأحداث أذكر كمثال :مقاربة  الشخصيات المحورية في المؤسسات السياسية وتعاملها مع المحتل الروسي, فمع أن الدلائل فاضت عن العد والإحصاء ,بأن فناء السوريين يتم بتغطية وقرار روسي, وأن قرار دعم نظام الأسد هو قرار بوتين الاستراتيجي,  وبالتالي فإن المصلحة العامة تقتضي القطع مع المحتل الروسي,  إلا أن هذا القرار سيؤدي إلى غضب بعض  الدول الفاعلة في المشهد السوري على  هؤلاء الأشخاص, وربما استبدالهم , و بالتالي عودة العديد منهم إلى المستوى الأول من  الصراع من أجل لقمة عيشهم بالمعنى الحرفي للكلمة,  أوفقدانهم لتمايزهم الذي وفره المنصب , عن باقي المجتمع, ففضلوا التناغم مع مصلحتهم الخاصة بالبقاء في "وظائفهم",  على حساب القضية والدماء السورية, وأن يزيدوا من رصيدهم المالي والمعنوي المتمثل بعلاقات مع شخصيات دولية لأطول فترة ممكنة.

هناك من سيقول إن بعض قيادات المعارضة كانت موجودة في الخارج منذ أمد بعيد وبالتالي قد حققت كفايتها المادية خارج دائرة العمل العام وانخراطها في قيادة المؤسسة ناجم عن أهداف سامية, قد يكون هذا صحيح من حيث المبدأ إلا أن العديد منهم أيضاً كان على هامش الحياة في تلك الدول, ولم يستطيع أن يكون متمايزاً في مجتمعاتهم الجديدة,  فوجد فرصة تحقيق تمايزه, وليس تقديم خدماته وإبداعاته, بأن يكون في  مؤسسات المعارضة ولهذا نجد مساهماتهم على مستوى المؤسسات التي ترأسوها ضئيلة أو حتى صفرية.

ليس المقصود من هذا العرض إدانة شخصيات بعينها, ولكن هي محاولة لشرح أحد أسباب قصور "القيادات" الموجودة على رأس مؤسسات المعارضة العاملة و غياب الروح الثورية, لتبقى هذه المؤسسات دون روح هياكلاً تسعى للحفاظ على الأمان الحياتي لمديريها والنطاق الضيق من العاملين بها ,والتمايز عن باقي السوريين, بغض النظر عن عدم تمثلها للدور الذي تدعي لعبه.