icon
التغطية الحية

عناصر النظام تزوجوهن دون تسجيل وتركوهن.. نساء ضحايا زواج الإكراه في دير الزور

2021.09.08 | 06:57 دمشق

17359277_1140386956073506_5643550606547679571_o.jpg
دير الزور - خالد نور الدين
+A
حجم الخط
-A

امتلأت مكاتب المحكمة الشرعية في مدينة دير الزور بأضابير قضايا إثبات الزواج وإثبات نسب الأطفال وقضايا الطلاق الغيابي، في ظاهرة خلفت كثيرا من الضحايا النساء اللواتي أجبرن على الزواج من هؤلاء العناصر في فترة الحرب في المدينة بين النظام وتنظيم الدولة، وذلك بهدف الاستفادة من سطوة هؤلاء العناصر وحصولهم على الطعام الذي كان مفقوداً في منازل الأهالي نتيجة انقطاع الإمدادات إلا من مطار دير الزور العسكري.

ففي حين يتربع الزواج وأصوله وتقاليده على رأس هرم الأعراف المصانة اجتماعياً في مدينة دير الزور، إلا أن الظروف القاهرة دفعت الكثير من العائلات لتزويج بناتهن لعناصر وضباط النظام الذين كانوا في المدينة خلال الحرب الدائرة بينهم وبين تنظيم الدولة بعد عام 2015.

بدأت التغريبة الديرية منذ العام 2012 عندما بدأ النظام بقصفها عقب سيطرة كتائب محلية من الجيش السوري الحر على معظم أحياء المدينة ليتبقى تحت سيطرة النظام فقط حيي الجورة والقصور إلى جانب المطار العسكري.

وسيطر تنظيم الدولة عام 2015 على كامل الأحياء التي كانت تحت سيطرة المعارضة في المدينة وفرض على الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام حصاراً مطبقاً ليكون مطار دير الزور العسكري السبيل الوحيد للنظام لإمداد قواته بالسلاح والطعام وغيره من المستلزمات المعيشية والعسكرية.

ومع مرور الأيام واشتداد المعارك التي شنها التنظيم في محاولة منه للسيطرة على كامل المدينة ومطارها العسكري، بدأت الآثار الكارثية للحصار بالظهور بشكل واضح، وبدأت المواد بالنفاذ، من رغيف الخبز وحبة الدواء إلى قطرة الوقود.

استغلت قيادات النظام وعناصره في المدينة والمطار هذا الواقع الأسود لبيع المواد الأساسية للعيش للأهالي بأسعار مرتفعة جداً، وبات على العائلة تأمين مبلغ لا يقل عن 800 ألف ليرة سورية ثمن تأمين مغادرة للشخص الواحد إلى خارج المدينة، أي ما يعادل 1500 دولار أميركي تقريباً حينذاك.

بدأ الناس بالبحث عن حلول للخروج من دائرة الموت هذه، ولم يكن هنالك خيار آخر سوى تزويج بناتهم لعناصر النظام رغم الاستهجان المجتمعي حينذاك لهذه الحالات.

لم يكن الاستهجان مقتصراً على فكرة تزويج عناصر النظام وإنما رفضاً لتزويج شخص غير معروف عنه أي شيء ولا من أي منطقة ينحدر، بالإضافة إلى النفور المجتمعي من عناصر النظام لما رأوه من استغلال ومتاجرة وتصرفات وأخلاق منحطة.

أسباب هذه الظاهرة

  • الحرب الدائرة وما خلفَّته من جوع وفقر وأمراض وعازةٍ شديدة، إضافة إلى انعدام الأمن والخوف والرعب، ومجتمع "الغابة" الذي طالما سعى النظام على ترسيخه.
  •  ممارسات عناصر النظام بكل أصنافهم، على المدنيين الذين باتوا الحلقة الأضعف، واستغلالهم والتجارة بأرواحهم.
  • الجورة من الأحياء الحديثة نسبياً في مدينة دير الزور وسكنها وافدون للمدينة من مختلف المناطق الأخرى، وبالتالي لا يوجد فيها التعارف والتماسك المجتمعي الموجود في باقي الأحياء حيث تعرف هناك العائلات بعضها جيداً، وبالتالي يكون الخروج عن العادات المجتمعية في مثل هذا المكان أكثر سهولة ولا يُحسب حساب كبير للمجتمع المحيط.

بدأت هذه الزيجات بحالات فردية بعد الأشهر الأولى لحصار الحيين التابعين للنظام، لكنها أخذت تزداد واستمرت - ولو بنسبة أقل - حتى بعد انتهاء الحصار وسيطرة النظام على كامل المدينة وطرد تنظيم الدولة منها، بحكم أن الظروف المعيشية القاهرة ما زالت مستمرة حتى هذا الوقت.

قصة إحدى الضحايا

تروي سمية قصتها لموقع تلفزيون سوريا والتي بدأت منتصف عام 2016 عندما كان تنظيم الدولة يحاصر حيي الجورة والقصور وفتك الجوع والفقر بأهلها، فوالد سمية متوفٍ ولها أخ يكبرها بعام واحد و3 إخوة صغار.

وقالت: " تزوجت بأحد عناصر النظام في الحي رغم معرفتي بأن هذا الزواج لن يدوم، فأنا لا أعرف من هو بالضبط، ولا أعرف إلا ما قد أخبرني به عن نفسه، وهو أيضاً وافق على هذا الزواج لأنه يعلم أنه مؤقت وبإمكانه المغادرة متى يشاء".

وأضافت: "لم يستمر هذا الزواج أكثر من ثمانية أشهر، فبعد ثلاثة أشهرٍ فقط، بدأ يتململ من طلبي له بمساعدة أهلي، لأن وضعهم كان صعباً جداً، وزواجي هذا كان أصلاً من أجلهم".

بدأ زوج سمية بالتغيب عن المنزل لفترات طويلة ويتهرب من طلباتها، وفي نهاية المطاف اتصل بها وأخبرها أنها طالق منه.

كانت العلاقة بين سمية وعنصر النظام الذي تزوجها سيئة للغاية، وعندما اكتشف درجة عوز أهلها وحاجتهم لأي مقوم من مقومات الحياة، ساءت معاملته لها أكثر.

أما حنان وهي ضحية أخرى من ضحايا تزويج البنات لعناصر النظام، تروي لنا ما عايشته تلك الفترة، وقالت: "كان متوحشاً ويعاملني كخادمة مستأجرة، بل أحياناً يُشعرني بأني من بنات الهوى اللواتي صاحبَهن".

وأضافت: "احتملت كثيرا من الضرب والإهانة، واحتملتُ حالته المزرية التي كان يأتي بها، عندما كان يعود مخموراً بنظراته المرعبة، وكم كنتُ ألوم نفسي وعائلتي على الحال التي وُضعتُ فيها، وكم تمنيتُ الموت".

أساس المشكلة.. زواج غير مسجل في المحاكم

تكمن المشكلة في أن الزواج كان عند شيخ ولم يتم تسجيله في المحكمة الشرعية بحجة أن القانون يمنع العسكريين من الزواج أثناء فترة الخدمة.

وبالتالي وبعد انقضاء فترة خدمة هؤلاء العناصر والضباط وسيطرة النظام على كامل المدينة، عادوا إلى مدنهم وقراهم وقطعهم في يوم وليلة تاركين وراءهم نساء وأطفالاً، فالزواج غير المسجل في المحكمة لا يتطلب نفقة أو مؤخراً وهكذا قرر هؤلاء العناصر والضباط إنهاء هذا الزواج المرحلي دون طلاق أو تثبيت زواج أو تسجيل الأولاد.

وأوضح محام في مدينة دير الزور لموقع تلفزيون سوريا أن المحاكم لا يمكنها في هذه الحالات من الزواج إصدار أوراق ثبوتية للنساء الضحايا ليكملن حياتهن بعد أن تحولن من أبِكارٍ إلى ثيِّبات ودون دليلٍ مسجلٍ ومُثبَت.

وأضاف: "بعض النساء حصلن على طلاقهن عن طريق المحكمة بعد أن قدمن للقاضي ورقة العقد بشهادة الشهود، ومنهن من حصلن على الطلاق بفتوى من شيخ".