icon
التغطية الحية

"عمل مع الموت".. مهجّرون يفرّغون مخلفات الحرب لتأمين لقمة العيش في إدلب |صور

2021.12.08 | 05:30 دمشق

photo_2021-12-07_19-44-06.jpg
إدلب - عز الدين زكور
+A
حجم الخط
-A

"بهدوءٍ تامٍ وبمفكّ البراغي حصراً.. العمل لا يحتاج لأية انفعالات أو شدّة لأنها من الممكن أن تودي بحياتك".. بهذه الكلمات يلخّص "أبو كرمو"، خطورة عملهم في ورشة لجمع وتفريغ مخلفات الحرب في ريف إدلب الشمالي، بهدف تأمين مصدر رزق لعائلاتهم.

"أبو كرمو" مهجّر من مدينة اللطامنة شمالي حماة، ومعيل لـ (5 أطفال)، لجأ من مهنة الحدادة إلى العمل في ورشة مخلفات الحرب، يقص حديد الصواريخ والأعيرة الأخرى، بعد أنّ تعذّر عليه إعادة افتتاح ورشة حدادة عقب تهجيره خلال الحملة العسكرية الأخيرة.

بين أكوام من الخردة وبقايا أشياء قديمة مصنّعة من الحديد، ملاصقة للطريقة الدولية (إدلب ـ باب الهوى)، تجمّع 6 أرباب أسرٍ لتفريغ مخلفات الحرب من المواد المتفجرة يدوياً في ورشة لجمع وفرز الخردة المعدّة للصهر.

واختار مهجّرون من ريفي إدلب الجنوبي وحماة، بينهم "أبو كرمو"، مهنةً خطرةً لتأمين قوت عوائلهم، بعد أن تحوّلت القذائف والصواريخ التي يقصف بها النظام وروسيا المدنيين في منطقة شمال غربي سوريا، مصدر رزق لهم في ظل البطالة وشحّ فرص العمل.

 

"من أدوات الموت إلى أدوات الحياة"

في مهنةٍ يحفّها المخاطر في كل تفصيل، تعمل الورشة على عدة مراحل تبدأ من جمع الأجسام إلى تفريغها من المواد المتفجّرة وتشمل صواريخ "الطيران الحربي بأنواعه ميغ وسيخوي، وصواريخ الغراد"، وفي مرحلة أخرى يأتي تفكيكها وقصّها لتكون معدّةً لعملية الصهر أو توزيعها على ورشات الحدادة لإعادة تصنيعها.

شادي أبو مهند، وهو مهجّر من مدينة حلفايا بريف حماة وعامل في الورشة، يشير لموقع تلفزيون سوريا إلى أن الحديد الذي تخلّصه ورشتهم من مخلفات الحرب، يدخل في إعادة تصنيع عدد من الأشياء أبرزها مدافئ قشر الفستق والحطب، و"ببُّور الطهي" وأنابيب التمديدات الصحية التي تتحمل ضغطاً كبيراً، وهذه الأشياء غالباً ما تطلبها العائلات الفقيرة، غير القادرة على شراء الجديدة منها.

ولجأ "أبو مهند"، لديه 4 أطفال، إلى هذه المهنة، بعد أن خسر عمله في فرن مدينته التي تهجّر منها بريف حماة الشمالي الغربي، وكانت خياره الوحيد للعمل مع باقي أفراد الورشة.

يجد "أبو مهند" باتّفاق مع باقي عمّال الورشة، أنهم في "عملهم لا يجنون مصدر عيشهم فقط، إنما يحوّلون معدات كانت في طريقها إلى قتل المدنيين من قبل النظام وروسيا والميليشيات الإيرانية، إلى أدوات حياة يستفيد منها السكّان الفقراء".

"لا بديل عنها"

حمود حزب الله مهجّر من مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، اتّخذ من مهنة تفريغ مخلفات الحرب وجمعها مصدر رزقٍ، بعد أن تخلّى عن "تربية المواشي" بسبب الخسارة الكبيرة التي يمنى بها المربون، إضافةً إلى ارتفاع أسعار العلف.

يقول "حمود"، لديه 3 أطفال، وهو مشرف الورشة، لموقع تلفزيون سوريا، إنّه "شرع في مهنة تفريغ مخلفات الحرب بناءً على خبرته التي يحملها من الخدمة الإلزامية، واكتسب من خلالها الخبرة في فكّ الأسلحة والذخائر وتفكيك القطع وتفريغها من المواد المتفجرة مثل الـ(تي إن تي) والبارود والصواعق".

ويؤكد أنه "لن يتردد في ترك هذه المهنة، لو توفر فرصة عمل مناسبة، لأنّها خطيرة للغاية وتهدد حياته بشكل مستمر، لكن لا بديل حتى الآن عنها"، مبيناً أنه إلى "جانب الحاجة لتأمين معيشة عائلته، يعاني من التهاب في الكبد ويحتاج شهرياً إلى 100 دولار أميركي، كمصاريف أدوية".

 

على خطوط التّماس

يوضح حمود، أنهم "يواصلون بحثاً عن مخلفات الحرب بمختلف أشكالها من بقايا صواريخ وقذائف وذخائر وبراميل، إلى خطوط التّماس مع قوات النظام، وحتى إلى أماكن القصف، حال وقوعه وأحياناً يتروُّون في ذلك، خشية على حياتهم".

ويلفت إلى أنّ "التحليق المكثّف لطيران الاستطلاع خلال الاستهداف أو في المناطق القريبة من خطوط التّماس، حيث مكان عملهم، يحول من وصولهم إلى موقع العمل أو يعرقلها، تخوفاً من استهدافهم بشكل مباشر، وهو ما يعرّض حياتهم للخطر".

ويشير إلى أنّ "بعض الأهالي يتواصلون معهم لبيعها أو ينسّقون مع الورشة لتشتريها من أرضها وتعمل بدورها على نقلها لمكان العمل وتفكيكها وتفريغها ضمن آلية عملهم المتّبعة".

"عمل مع الموت"

لا تتوقف مخاطر مهنة تفريغ مخلفات الحرب والذخائر على تأمين المواد من "المناطق الساخنة" وإيصالها إلى ورشة العمل، إذ ينتقل الخطر إلى تفاصيل عمليات التفريغ.

يسرد "أبو مهند" عن حادثة كادت تودي بحياتهم، حينما اشتعل صاروخ بالنيران لمدة ربع ساعة فقط، بعد أن وصلت شرارة نارية إليه، مصدرها "مقصّ الحديد"، خلال عملهم في الورشة.

يقول: "حين اشتعلت النيران بالصاروخ، لم نجد أمامنا إلا الهرب نحو الأراضي الزراعية خشية انفجاره، ليتبين لاحقاً أنّ هناك حشوة دافعة في الصاروخ لم يتمّ تفريغها بعد".

يُداخل، محدّثنا "حمود" عن أبرز مواطن الخطورة في العمل، والتي غالباً ما تكون خلال "تفكيك الصواعق" عبر معدات خاصة، معتبراً أنّ مهنتهم هي عبارة عن "عمل مع الموت".

وحول استمرارهم في هذه المهنة الخطرة وإمكانية التنسيق مع مؤسسات مختصة توفّر لهم ظروفاً مناسبة وآمنة، أشار محدّثنا حمود، إلى أنهم "حاولوا التواصل مع منظمات تؤمّن لهم معدّات للعمل إلا أنها لم تتجاوب معهم على الشكل المناسب ويعملون حتى اليوم بجهود جماعية وكلفة شخصية".

وتفتقر الورشة إلى معدّات خاصة بها، وتعتمد على استعارة أدوات القص والتفكيك، وهو ما يعدّ عاملاً معرقلاً إضافياً لعملهم بحسب "حمود"، والذي يطمح أن يجد جهة تتبناهم بظروف عمل مشجّعة وآمنة.

 

 

مختص ينتقد

ينتقد مختصون في إزالة الذخائر والتخلص من مخلّفات الحرب، بشدة عمل السكّان في مجال جمع المخلفات وتفريغها بسبب خطورتها على حياتهم، والأشخاص من حولهم.

في هذا السياق، تحدث لموقع تلفزيون سوريا سامي المحمد، وهو منسّق برنامج الذخائر المنفجرة في "الدفاع المدني السوري، عن "انتشار واسع لأشخاص ليس لديهم أدنى خبرة بالتعامل مع الذخائر المنفجرة، يفككون القنابل العنقودية ويستخدمون موادها في عمليات الطهي مثلاً، بالإضافة لانتشار الكثير من المقاطع لأشخاص يزعمون الخبرة وهم يتعاملون بشكلٍ غير سليم مع الذخائر بغية استخدام المواد المتفجرة فيها لأغراض غير معلومة (إعادة تدويرها)".

ويضيف: "انتشرت ظاهرة الاتجار بالذخائر غير المنفجرة وتم إنشاء ورشات تجمع الذخائر من السكان المحليين بطرق غير آمنة على الإطلاق عبر ترغيب المجتمعات بشراء الذخائر منهم بأسعار مغرية استغلالاً لحاجة بعض السكان المحليين لتأمين لقمة عيشهم".

ويلفت في الوقت ذاته، إلى أنّ "أصحاب هذه الورشات لجؤوا لتشغيل الأطفال في ورشاتهم لتوفير كلفة اليد العاملة من دون أي مراعاة منهم لمدى خطورة هذه الأعمال وإمكانية حصول الحوادث بها وكل ما كان مهماً بالنسبة لهم هو جمع المال والإتجار بأرواحهم وأرواح من حولهم".

 

الحاجة لا تبرر العمل

اعتبر "المحمد"، أنّ "الحاجة التي تدفع الأفراد لهذا العمل غير مبررة، لأنّ النتيجة المحتومة للظاهرة هي الموت"، ويردف: "أقل ما يمكن قوله على من يعمل بهذه الأعمال بأنه شخص يدفع بنفسه للانتحار رغبة بالموت ليس إلا".

ومن خلال تجربة "الدفاع المدني"، يوضح "المحمد" لموقع تلفزيون سوريا، أنّ "حتى أصحاب الاختصاص من العاملين في مجال إزالة الذخائر والكشف عنها ومن يملكون خبرة تفوق خبرة من يعملون بهذه الورشات، لا يعملون بالثقة التامة التي تقول إنه مهما عبثت بالذخيرة فهي لن تنفجر، بل العكس هو الصحيح فالمختصون تجدهم دائمي الحرص خلال عملهم، حذرين لأقصى درجات الحذر وذلك رغبة منهم بالحفاظ على حياتهم وحياة من حولهم".

وفي ختام حديثه، يضع المختص في "الذخائر المنفجرة" عدداً من التوصيات، أبرزها تحمّل السلطات المحلية مسؤولياتها بشكل حقيقي والتركيز على إيقاف عمل هذه الورشات والعاملين بها، وإيجاد حلول بديلة لتأمين مصادر دخل مناسب لعائلات العاملين، وأيضاً العمل بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني المنتشرة في مختلف مناطق شمال غربي سوريا على زيادة الوعي من مخاطر هكذا أعمال وظواهر، بالإضافة للتركيز على الجانب النفسي للعاملين بجمع الذخائر والعاملين بهذه الورشات للوقوف على الأسباب التي أدت بهم للعمل بهكذا نوع من الأعمال المميتة".

وأشار إلى "ضرورة التزام المجتمعات المحلية بالعمل بالتوصيات التي تقدم لهم خلال جلسات التوعية من مخاطر الألغام ومخلفات الحرب التي ينفّذها الدفاع المدني السوري وبقية منظمات المجتمع المدني العاملة في شمال غربي سوريا والإبلاغ المباشر عن جميع الأجسام المشبوهة والمناطق التي من المحتمل تلوثها بالذخائر غير المنفجرة".