icon
التغطية الحية

على خط التطبيع بين تركيا والنظام السوري.. ماذا تريد إيران؟

2023.01.18 | 12:14 دمشق

أردوغان وعبد اللهيان في أنقرة (الأناضول)
أردوغان وعبد اللهيان في أنقرة (الأناضول)
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

كان مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري قد انطلق قبل عدة أشهر تاركاً إيران خارجه، مع تصدر روسيا لرعايته، من خلال لقاء موسكو الذي ضم مسؤولين بارزين على رأسهم وزير الدفاع التركي خلوصي آكار ورئيس المخابرات حقان فيدان ونظراؤهم في النظام السوري.

أثار غياب إيران العديد من التساؤلات كانت هي أول من نبه إليها، عبر سؤال صحفي بدا قد حُضر سلفاً قبل مؤتمر صحفي لوزارة الخارجية الإيرانية بعد لقاء موسكو، حين سُئل المتحدث باسم الوزارة ناصر كنعاني عن سبب غياب الجانب الإيراني عن محادثات بين النظام السوري وتركيا في روسيا، فقال إن "الأطراف الثلاثة تعلم دور إيران الحاسم في محاربة الإرهاب في سوريا"، وهي إشارة إلى مدى نفوذ إيران في سوريا وإلى أي درجة يمكنها أن تؤثر على سلوكيات النظام السوري.

إيران تتصل بخط التطبيع

وبعد 15 يوماً من ذلك التصريح، بدأت إيران في تشغيل دبلوماسيتها عبر زيارة أجراها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق يوم الأحد الماضي، التقى خلالها مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، ثم ألقى تصريحات صحفية برفقة وزير خارجية النظام فيصل المقداد.

وقال عبد اللهيان: إن "العلاقات بين إيران وسوريا تمر بأفضل أحوالها والبلدان عازمان على توسيعها اقتصادياً وتجارياً لتصل إلى مستوى العلاقات السياسية"، مضيفاً أن بلاده لديها ثقة كاملة بالمواقف والقرارات السورية، وهي ترى أن أي حوار بين سوريا وتركيا إذا كان جاداً فهو خطوة إيجابية لصالح البلدين والمنطقة.

في الوقت الذي تحرص إيران على تقديم موقفها الحقيقي على لسان بشار الأسد أو أحد وزرائه، أولاً للدلالة على النفوذ الإيراني في سوريا متمثلاً بانتشار ميليشياتها في مختلف مناطق سيطرة النظام، وثانياً مدى التأثير على أي مباحثات قد تجري مع النظام مستقبلاً.

وفي إطار ذلك، قال بشار الأسد خلال لقائه مع عبد اللهيان في أول تصريح له عن التطبيع مع تركيا، إن "الدولة السورية تنطلق دائماً في كل مواقفها من حرصها على مصالح الشعب السوري وأنها لن تسير إلى الأمام في هذه الحوارات إلا إذا كان هدفها إنهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الإرهابية".

وخلال المؤتمر الصحفي تطرّق الوزير الإيراني إلى التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في مناطق شمالي سوريا، قائلاً: إنّه "عندما علمنا باحتمال شنّ القوات العسكرية التركية هجوماً في شمالي سوريا، تدخلنا للحيلولة دون ذلك".

وأمس الثلاثاء حطت طائرة عبد اللهيان في أنقرة، بزيارة يبدو أنها جدولت حديثاً، حيث التقى مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمقر حزب العدالة والتنمية وليس في القصر الرئاسي، ثم التقى مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو وتطرقا إلى الملف السوري ومسار التطبيع الجديد.

ومن تركيا رحب عبد اللهيان بالمحادثات بين أنقرة والنظام السوري، زاعماً أن العلاقات بينهما تخدم مصالح المنطقة.

وقال "يسعدنا أن نرى اليوم جهود إيران في هذا الخصوص من الماضي إلى الحاضر تؤتي ثمارها، نعتقد أن أي تطور إيجابي بين أنقرة ودمشق سيفيد كلا البلدين ومنطقتنا، ونظراً لعلاقتها الوثيقة مع البلدين، فإن إيران ستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذا الهدف".

من جانبه، أشار وزير الخارجية التركي، إلى أهمية دور إيران في عملية التقارب مع النظام السوري التي بدأت بعد لقاء موسكو الثلاثي نهاية العام الماضي.

غياب إيراني وحضور روسي

كانت معظم المقاربات المهمة السابقة التي تجريها تركيا للملف السوري تتم بالتنسيق بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بشكل خاص، مع وجود استثناءات إيرانية قليلة.

ويبدو أن تركيا تفضل التعامل مع روسيا كفاعل دولي كبير له نفوذه الواسع، مقارنة بدولة إقليمية مثل إيران تتنافس مع أنقرة بالعديد من الملفات والرؤى رغم ما تظهره الدبلوماسية من علاقات قوية واستراتيجية بين البلدين.

وقبل مسار التطبيع الذي بدأته أنقرة مع النظام السوري حاولت إيران أن تكون عراب هذا التقارب، فقد طرحت طهران أكثر من مرة مبادرات سياسية لتعويم النظام من البوابة التركية إلا أن أنقرة كانت ترفض وتفضل مناقشة ذلك مع موسكو أولاً، وهو ما يزعج إيران التي تريد التأكيد دوماً أنه لا يمكن وجود حل في سوريا من دونها.

وقد حدث هذا في أثناء سعي أنقرة لإطلاق عملية عسكرية في شمالي سوريا في تموز الماضي، إذ رفضت إيران وروسيا ذلك، وتحدثت الخارجية الإيرانية عن إمكانية إطلاق حوار تركي مع النظام برعاية إيرانية.

ولكن التحركات التركية الروسية الجديدة استثنت إيران من تلك المباحثات، ما دفع الأخيرة لعرقلة اللقاء الذي كان مقرراً بين مولود جاويش أوغلو والمقداد في شباط المقبل، خاصة أنه لم يصدر أي تأكيد رسمي بخصوصه.

وخلال الفترة نفسها بدأت وسائل إعلام إيرانية تتحدث عن غياب الدور الإيراني في سوريا، معبرة عن قلقها من لقاء موسكو وأنه قد يكون بديلاً جدياً لمسار أستانا الذي تعد إيران أحد مكوناته الثلاثة إلى جانب تركيا وروسيا.

وفي تصريحات للسفير الإيراني السابق في تركيا، فيروز دولت آبادي، لصحيفة "اعتماد" الإيرانية، هاجم حكومة إبراهيم رئيسي وحكومة نظام الأسد بشدة، مؤكداً أن "إيران تركت بالكامل دائرة التطورات في سوريا"، وأن "الجهود التي بذلتها القوات الإيرانية المسلحة لإعادة بشار الأسد، الذي لم يتبق له سوى قصر واحد، إلى كرسي الحكم في سوريا، لم تُستغل ولا توجد خطة سياسية لمواصلة تلك الجهود".

ماذا تريد إيران؟

إيران تريد أن تكون جزءاً من أي كعكة تخص سوريا، ولذلك قد تدفع هذه التطورات الجديدة، لتنفيذ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أول زيارة إلى سوريا منذ عام 2011، لإظهار التأثير في أي مسار مقبل.

وسواء أرادت إيران تفعيل مباحثات "أستانا" التي لم يحقق منها تحرك دبلوماسي فعلي للملف السوري دولياً سوى انعقاد اللقاءات الدورية التي لم يخرج منها أي شيء أو التوجه لمسار جديد يضم أنقرة وطهران وموسكو، سيبقى حل الملف السوري مرتهناً بتحرك أميركي حقيقي وهو ما يبدو أنه مجمد حالياً.

وتمتلك واشنطن أوراق ضغط كثيرة في سوريا بمقدمتها ملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وملف النفط السوري، وتفعيل جدي لمحادثات جنيف، ومنع التطبيع العربي مع النظام، وورقة العقوبات التي تعيق مختلف التحركات الروسية والإيرانية.

ولذلك قد تكون زيارة عبد اللهيان لتركيا قبل ساعات من سفر مولود جاويش أوغلو للقاء نظيره الأميركي أنطوني بلينكن له صلة بما يمكن أن تحققه تركيا لإيران دولياً بما يخص الملف النووي الإيراني أو العقوبات، في مقابل ما يمكن أن تعطيه طهران لأنقرة من إجبار بشار الأسد على الجلوس مع أردوغان أو إعطاء بعض التنازلات تزامناً مع أبرز انتخابات رئاسية وبرلمانية ستشهدها تركيا بعد عدة أشهر.

إيران داعم رئيسي لبشار الأسد

وتعد إيران داعماً رئيسياً للنظام السوري وقدمت له منذ عام 2011 دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ضخماً، وقد فتحت منذ نحو 12 عاماً خطاً ائتمانياً لتأمين احتياجات سوريا من النفط بشكل خاص، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم جيش النظام في معاركه، إلى جانب الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية. وقد ساهم هؤلاء في ترجيح الكفة لصالح قوات النظام على جبهات عدة، إلا أن خسارتهم دفعت لتدخل روسي كبير في 30 أيلول 2015 غيّر خريطة السيطرة بشكل شبه كامل.

وفي مقابل الدعم الهائل الذي قدمته إيران لصالح النظام، وقعت طهران معه اتفاقيات في مختلف القطاعات بغية توسيع نفوذها في الداخل السوري، من أبرزها تدشين "مرفأين هامين في شمال طرطوس وفي جزء من مرفأ اللاذقية" مطلع عام 2019.

ورغم أنه لم يزر أي رئيس إيراني دمشق منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، فإن المسؤولين الإيرانيين، من سياسيين وعسكريين يزورون دمشق بشكل دوري، وكان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قد زار دمشق في 18 أيلول 2010، قبل نحو ستة أشهر من بدء الثورة السورية.