icon
التغطية الحية

على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا: لاجئ سوري يسعى جاهداً لحماية أسرته

2021.11.08 | 13:15 دمشق

5461878.jpg
راقي وصفا في لقاء مقتضب
راديو فري يوروب - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أمضى راقي سرور أيامه وهو يجري اتصالات هاتفية مسعورة بفندق قريب من الحدود البولندية، في حين أمضت زوجته صفا لياليها وهي ترتعد في خندق بارد موحش وسط الغابة يبعد مسافة 3 كلم فقط عن زوجها، وهي تحاول أن تتفادى دوريات الجيش البولندي، وذلك لأنهما إن شاهدا بعضهما فسيعرضان حياتها لخطر أكبر.

فراقي، 25 عاماً، ممرض حصل على لجوء في ألمانيا في عام 2016، فاستقبلته بولندا بكل ترحاب، إلا أن زوجته ووالده وشقيقته وشقيقه وعمه وابن عمه الذين سافروا من بلدهم إلى بيلاروسيا بسبب الحرب، وقطعوا الحدود إلى بولندا بمساعدة خفر الحدود البيلاروسي، لم يتم استقبالهم في بولندا.

فقد قطعوا غابات بولندا على مدار أسبوعين ولا يكاد يكفيهم من الطعام والماء، حيث أخذوا ينامون في الوهاد لئلا يكشفهم أحد، بيد أن خفر الحدود البولندي عثر عليهم مرتين وقام بإعادتهم إلى بيلاروسيا، ما اضطرهم لبدء تلك الرحلة المضنية من الصفر. ولكن مع انخفاض درجات الحرارة ليلاً لما دون الصفر، أدرك راقي بأنه بات يواجه خياراً صعباً، وذلك لأن بقاء صفا وبقية أفراد عائلته في الغابة لفترات طويلة قد يودي بحياتهم، فقد توفي 10 مهاجرين على الأقل في أثناء محاولتهم العبور من هناك، كما أن محاولة تهريبهم ونقلهم إلى ألمانيا حيث يمكن أن يحصلوا على لجوء قد تعرضهم لخطر الاعتقال في منطقة ضمن الأراضي البولندية تم تحويلها إلى منطقة عسكرية وذلك مع تزايد أعداد المهاجرين الذين يعبرون من بيلاروسيا بتشجيع من قبل نظام ألكساندر لوكاشينكا الاستبدادي.

وحول تلك المعضلة يخبرنا راقي فيقول: "لقد نضبت أفكاري، ولكني على استعداد لأن أفعل المستحيل لتأمين عائلتي" وذلك بعد قيام ناشطين محليين بمحاولة فاشلة أخرى لجلب عائلته إلى أحد المنازل الآمنة التي رتبها الأهالي لهذا الغرض، ممن يعرضون أنفسهم لخطر السجن بسبب مساعدتهم للاجئين.

أزمة الهجرة.. قنبلة موقوتة

تعتبر أزمة الهجرة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا بمثابة قنبلة إنسانية موقوتة تدق على الجانب الشرقي من الاتحاد الأوروبي، فقد سافر آلاف طالبي اللجوء إلى بيلاروسيا خلال الأشهر الماضية، نظراً لسهولة وسرعة إجراءات الحصول على سمة دخول، وتزايد أعداد الرحلات اليومية إليها من دول مثل اليمن والعراق، والصومال وأفغانستان والكاميرون. وبالرغم من أن الغالبية الساحقة من الناس تتوجه إلى بولندا، فإن كثيرين يسعون إلى دخول الدول المجاورة مثل لاتفيا وليتوانيا بما أنهما عضوان في الاتحاد الأوروبي.

ويعتبر ذلك جزءاً من مخطط الدولة، إذ يرى حقوقيون ومسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن ذلك يرقى لصفة "الحرب الهجينة" التي شنها لوكاشينكا انتقاماً من العقوبات الغربية التي فرضت على حكومته بعد إعلانه عن انتصاره بفوز ساحق في نتائج الانتخابات لعام 2020 والتي اعتبرها كثيرون مزورة، ثم قيامه بقمع المظاهرات المنددة بحكمه بصورة وحشية.

يذكر أن الأعداد ارتفعت مع تصاعد التوتر بين مينسك وأوروبا خلال شهر أيار الماضي، بعدما أجبرت بيلاروسيا طائرة تجارية كانت متجهة إلى ليتوانيا على الهبوط في مينسك لتقوم السلطات باعتقال أحد المدونين المعارضين الذي كان على متن تلك الطائرة.

وحتى عندما أصبحت الأحوال الجوية لا تطاق، استمر تدفق المهاجرين، فقد سجلت القوات البولندية على الحدود أكثر من 30 ألف محاولة للعبور منذ شهر آب الماضي، بينها 17300 محاولة جرت في شهر تشرين الأول فقط، في حين ذكر مسؤولون في برلين بأن نحو سبعة آلاف من هؤلاء الناس حاولوا الدخول إلى ألمانيا.

c3410000-0aff-0242-0a96-08d9a0721a83_w1790_r0_s_d2.jpg
مهاجرون بين الحدود البولندية-البيلاروسية (راديو فري يوروب)

أزمة سياسية يدفع ثمنها المهاجرون

في 21 تشرين الأول، شجعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي ستغادر منصبها قريباً على فرض عقوبات جديدة على نظام لوكاشينكا الذي تدعمه روسيا، وذلك بسبب ما وصفته بـ"الاتجار بالبشر بدعم من الدولة".

وردت بولندا على ذلك عبر إعلان حالة الطوارئ على حدودها مع بيلاروسيا، ونشر 10 آلاف جندي في تلك المنطقة لمنع المهاجرين من الدخول إلى أراضيها وإلقاء القبض على كل من يتسلل تحت السياج. وصدّقت حكومة حزب القانون والعدالة القومية على رصد مبلغ 407 ملايين دولار لبناء جدار حدودي خلال الأسابيع المقبلة.

ولذلك تم تصعيد الخطاب على كلا جانبي الحدود.

فقد اتهمت وزارة الدفاع البولندية الجنود البيلاروسيين أكثر من مرة بالتهديد بإطلاق النار على الجنود البولنديين، وفي أواخر شهر تشرين الأول الماضي، زعم لوكاشينكا أن بولندا تستغل أزمة اللجوء لتبرير رفع عدد جنودها على الحدود، 

سياسة بولندا تجاه المهاجرين

رحب اليمين المتطرف في بولندا بتوجهات حكومته الساعية لإبعاد المهاجرين، في حين لاقى ذلك انتقادات واسعة من قبل الليبراليين، ولهذا خرجت احتجاجات في وارسو وغيرها من المدن لتهتف: "أوقفوا التعذيب على الحدود!"، فردت الحكومة بما وصفه منتقدوها بالتضليل الإعلامي الساعي لإثارة المشاعر الشعبية المناهضة للمهاجرين.

وفي شهر أيلول الماضي، عرض وزير الداخلية ماريوس كامينسكي صوراً خليعة ذكر أنها وجدت في هواتف المهاجرين النقالة، ثم تبين كذبه فيما بعد. وفي شهر تشرين الأول، تحدث التلفزيون البولندي الرسمي عن حادثة إطلاق نار قام بها مهاجرون في السويد وأشار إلى أن "هذه الأمور تحدث كل يوم في مختلف أرجاء أوروبا"، ليتضح فيما بعد بأن المقطع الذي رافق ذلك التقرير تم قصه من مسلسل لا يمت للواقع بصلة يعرض على نتفليكس.

وفي الوقت الذي تتردد فيه أصداء هذه الأزمة في مختلف أرجاء بولندا، تنقلب الحياة رأساً على عقب في الشرق، حيث يخضع أهالي مدينة هاجنوفكا وغيرها من المدن القريبة من الحدود لتفتيش دوري من قبل رجال الشرطة خلال تنقلاتهم العادية للعمل أو لمحل البقالة. كما أصبحت شاحنات الجيش تجوب الشوارع وهي تحمل الجنود الذين يدهمون فنادق المنطقة قبل الانتقال لتأدية واجبهم على الحدود.

وحول ذلك تخبرنا كاسيا وابا وهي بولندية تساعد المهاجرين، من أهالي مدينة هاجونكا، فتقول: "أشعر وكأني أعيش في منطقة حرب، إذ لا يتجول ليلاً إلا اللاجئون والمهربون والناشطون"

هذا ويتعرض كثيرون لخطر الاعتقال عند تقديمهم المساعدة للاجئين، لكنهم يرون أن ما ينقص أفعال حكومتهم هو الأخلاق. إذ قد تتعرض نادلة في فندق تمشط الطرقات في المنطقة للتأكد من خلوها من نقاط التفتيش التابعة للشرطة وذلك قبل محاولة الناشطين إخراج عائلة تطلب اللجوء من الغابة، إلى جانب سائق سيارة أجرة يقوم بنقل المهاجرين الواصلين إلى المدينة، لغرامات ثقيلة مع فتح سجل جنائي لهما في حال تم ضبطهما، وكذلك الأمر بالنسبة للمتطوعين الذين يعملون طوال الوقت مثل كاسيا التي تمضي أيامها ومعظم لياليها وهي تحمل الطعام والكساء للمهاجرين.

بيد أن الأشخاص الذين يقابلونهم يكونون قد شارفوا على الموت جوعاً وبرداً، إلا أن الماء أو الكساء لن ينقذ أرواح معظمهم، إذ يخبرنا الناشطون بأن أكثر شيء يطلبه هؤلاء بشدة وإلحاح هو الباور بانك، وذلك لأن تشغيل هواتفهم المحمولة في أثناء التجوال في الغابات هو الشيء الوحيد الذي ينبه الناشطين لوجودهم وأماكنهم، وحتى يخبر هؤلاء الأشخاص أهاليهم بأنهم ما يزالون على قيد الحياة.

مخطط بيلاروسيا تجاه المهاجرين 

تتشابه القصص التي يسردها المهاجرون، إذ يدفع كل منهم بضعة آلاف من الدولارات لشركات سياحية تربطها علاقات مع السلطات البيلاروسية، فتقوم بتنظيم رحلة بالطائرة لهم، أو ترتيب أمور سمة الدخول مع إقامة قصيرة في فندق بمينسك، ليتم نقلهم بعد ذلك إلى الحدود البولندية. وهناك، يقوم مسؤولون بيلاروسيون بقطع الأسلاك الشائكة ليلاً حتى يسمحوا لمجموعات معينة من المهاجرين بالتسلل من خلالها. وعند قطعهم للحدود ووصولهم إلى الأراضي البولندية، يعترضهم خفر الحدود البولندي فيعيدهم إلى الطرف الآخر من الحدود، في خطوة يحرمها القانون الدولي، إلا أن البرلمان البولندي صدّق عليها خلال الشهر الماضي، أو يجوبون الغابات إلى أن تصلهم إشارة من مهرب فيركبون سيارة تكون بانتظارهم.

وعندما يتم القبض عليهم وإعادتهم إلى بيلاروسيا، يتعرضون للضرب من قبل خفر الحدود البيلاروسي ويجبرون على العودة مجدداً إلى بولندا كما ذكر كثيرون منهم، حيث يمضون أياماً في أرض قاحلة مقفرة بين كلا البلدين، فيقوم بعض منهم بدفع رشى باهظة حتى تتم إعادتهم إلى مينسك، حيث يتابعون من هناك رحلتهم أو يعودون إلى البلاد التي أنفقوا كل مدخراتهم حتى يهربوا منها.

مأساة عائلة سرور

أعيدت عائلة راقي سرور التي سافرت من دمشق إلى مينسك في 20 من تشرين الأول مرتين بعدما قطعت كيلومترات حتى تصل إلى الأراضي البولندية، ويخبرنا والده الذي صار في السبعين من عمره بأنهم أمضوا أكثر من خمسة أيام بلا طعام قبل أن يجدوا علبة فيها كل ما يلزم تركها لهم ناشطون هناك. أما رائد شقيق راقي، 37 عاماً، الذي سافر برفقة عائلته، فقد تعرض لعضات كلب بوليسي في 25 من تشرين الأول الماضي، وتم نقله إلى مشفى هاجنوفكا ثم خرج من المشفى في 3 من تشرين الثاني، ليصبح تحت رحمة المسؤولين عن الحدود بكل تأكيد، وحتى تاريخ نشر هذه المقالة لم يعرف مكانه.

بيد أن الأمور انتهت على خير بالنسبة لهذه العائلة بالتحديد، بعد وصولها بأمان إلى ألمانيا.

مأساة المهاجرين مستمرة

هنالك كثيرون يعانون مما عانته عائلة سرور، حيث يجوبون ردهات الفنادق في المدن الحدودية البولندية ويستنجدون بأي شخص يمكن أن يساعد في إدخال عائلاتهم بأمان. كما أن الأمور ستصبح أسوأ بكثير عندما يحل الشتاء، بحسب تحذيرات أطلقها أهالي هاجنوفكا وذلك لأن درجات الحرارة هناك ستهبط إلى ما دون 15 درجة مئوية، ما يعني بأن نسبة الوفيات في الغابة القريبة لا بد أن ترتفع سريعاً هي الأخرى.

هذا وينتقد الناشطون الذين يقدمون المساعدة للمهاجرين ما يصفونه بتعنت الحكومة إذ يرون أنه بوسع بولندا التي تعدّ من الدول ذات الدخل العالي والتي لا يتجاوز عدد سكانها 38 مليون نسمة أن تستضيف 30 ألف لاجئ بكل سهولة، حيث يقول أحد الناشطين واسمه أندريزيج كوفياتكوفسكي كان قد انتقل منذ مدة قريبة من وارسو إلى هاجنوفكا ليقوم بمساعدة اللاجئين: "بوسعنا بل يجب علينا أن نسمح لهؤلاء الناس بالدخول، إلا أن المشكلة تتمثل في حكومتنا التي تفوز في الانتخابات لأنها تبقيهم خارج حدود البلاد".

المصدر: راديو فري يوروب