علم الثورة في ساحة تقسيم؟ يا للهول!

2019.01.07 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

انتشر مقطع فيديو، على وسائل التواصل الاجتماعي التركية، يصور احتفال مجموعة من الشباب السوريين بليلة رأس السنة في ساحة تقسيم في إسطنبول، رفعوا خلاله علم الثورة السورية، وأثار ردود فعل كبيرة في الرأي العام التركي، تجاوز التعبير عنها، هذه المرة، وسائل التواصل الاجتماعي ووصل إلى أعمدة الكتاب في الصحف الوطنية وقنوات التلفزيون. رفع السوريين لعلم الثورة ذي الألوان الأخضر والأسود والأبيض هو الذي استقطب أكثر ردود الفعل السلبية، بل يمكن القول إنه شكّل الذريعة القابلة للترويج لتراكم الاستياء من وجود السوريين في تركيا.

فهو، قبل كل شيء، "علم الجيش السوري الحر" في نظر الأتراك، وما ينطوي تحت هذا الاسم من تجاوزات الفصائل الملتحقة بتركيا في مناطق عفرين ودرع الفرات. وهذا ما ركز عليه الإعلام المعارض لحكم حزب العدالة والتنمية الذي يطالب صراحةً، في الأشهر الأخيرة، بإعادة العلاقات مع نظام الأسد.

لكنه أيضاً علم أجنبي لا يجوز، وفقاً للحساسية القومية التركية، أن يرفع على الأراضي التركية، وينافس العلم التركي. ربما لا يدرك اللاجئون السوريون حساسية العلم ورمزيته في الوجدان الشعبي التركي، فهو "علم الجمهورية" أي الدولة التي أقامها مصطفى كمال على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، تراه يرفرف، إضافة إلى المباني الرسمية، على شرفات البيوت، وتزين القمصان والإكسسوارات الشخصية. هو رمز للأمة والدولة والنظام الجمهوري معاً، يجمع القومي إلى العلماني، واليساري إلى اليميني، في حين لا يتجرأ الإسلاميون والكرد على إظهار عدم ولائهم له.

ومن أبرز وجوه الاعتراض على "حادثة تقسيم" القول: "هؤلاء السوريون قد هربوا من الحرب

الجندي التركي لا يقاتل في سوريا "من أجل سوريا" بل تنفيذاً لقرار حكومته الطامحة إلى توسيع منطقة نفوذها داخل الأراضي السورية

في بلدهم ليستمتعوا بالاحتفال بليلة رأس السنة في تقسيم، في حين يستشهد مجندونا الشبان في سوريا من أجلهم". ليأتي اعتراض آخر يناقض الأول: "لا اعتراض لنا على احتفالهم مثل الجميع، ولكن لا يجوز أن يحولوه إلى تظاهرة سياسية برفع العلم، في الوقت الذي تمنع فيه الشرطة أية أنشطة سياسية للمعارضة في الساحة نفسها".

يتناسى أصحاب الاعتراض الأول أن الجندي التركي لا يقاتل في سوريا "من أجل سوريا" بل تنفيذاً لقرار حكومته الطامحة إلى توسيع منطقة نفوذها داخل الأراضي السورية، في حين أنه مطلوب من الفصائل السورية الملحقة بالجيش التركي أن تقاتل "وحدات حماية الشعب" التي تعتبرها تركيا معادية لها. أي أن العكس هو الصحيح تماماً: شبان سوريون، هم مقاتلو تلك الفصائل، يقاتلون دفاعاً عن مصالح الدولة التركية. أما شبان ساحة تقسيم المعارضون لنظام الأسد، فهل مطلوب منهم أن يقاتلوا في صفوفه أم ضده؟ هذا إذا غضضنا النظر عن أنهم مدنيون لا تتقاطع تطلعاتهم مع أجندات الفصائل العسكرية، ولن تسمح لهم تركيا بمقاتلة النظام، كما هي حال فصائل درع الفرات.

أما أصحاب الاعتراض الثاني، وهم غالباً من المعارضتين العلمانية والكردية، فمن المحتمل أن مرد اعتراضهم الحقيقي هو على افتراض "إسلامية" المعارضة السورية التي يعبر عنها العلم، أكثر من سوريتها، وتساهل سلطات حكومة العدالة والتنمية معها، مقابل حظرها لأية أنشطة معارضة للحكومة التركية في الساحة نفسها. والمعارضتان التركيتان المذكورتان تدعوان صراحةً إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد.

كانت هذه الحادثة مناسبة جديدة لعودة الجدل التركي الداخلي حول موضوع اللاجئين السوريين، بصورة أكثر حدة من مناسبات سابقة. فقد حفلت

ويأتي هذا الصعود في موجة العداء للاجئين السوريين على مشارف انتخابات بلدية تشهد تنافساً حاداً بين الأحزاب السياسية، وسيكون موضوع اللاجئين السوريين ورقة للاستثمار في تلك الانتخابات

وسائل التواصل الاجتماعي بالتعبير عن استياء واسع النطاق من وجود اللاجئين السوريين، مقابل أصوات قليلة من المدافعين عنهم من منطلقات إنسانية. كما عبرت بعض الأقلام العاقلة في الصحافة عن مخاوف جدية من تصاعد موجة الكراهية ضد اللاجئين السوريين في الرأي العام، وحذرت من عواقب خطرة قد تنتج عنها.

ويأتي هذا الصعود في موجة العداء للاجئين السوريين على مشارف انتخابات بلدية تشهد تنافساً حاداً بين الأحزاب السياسية، وسيكون موضوع اللاجئين السوريين ورقة للاستثمار في تلك الانتخابات. أضف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المضطرب في تركيا الذي ينذر بمزيد من التفاقم في الأشهر القادمة، في وقت تدور فيه، على وسائل التواصل الاجتماعي، أخبار كاذبة بشأن الأعباء التي يتحملها المواطن التركي من أجل "رفاهية" اللاجئين السوريين.

قرأت اليوم خبراً عن حركة شراء عقارات في المدن التركية من قبل إيرانيين وعراقيين. وفقاً لأرقام مؤسسة الإحصاء الرسمية التركية، اشترى إيرانيون 8000 عقاراً في مدينة إزمير ووحدات إدارية تابعة لها، خلال الأشهر العشرة الأخيرة من العام 2018، في حين فضل عراقيون شراء العقارات في مدن على شاطئ البحر الأسود. للتذكير كان مجرد شراء منزل من قبل زائر أوروبي يتحول، قبل سنوات، إلى "فضيحة قومية" فتتصاعد صرخات: "إنهم يبيعون الوطن!".

اليوم لا تثير هذه الحركة الغريبة في سوق العقارات في تركيا انتباه أحد، في حين ينظر إلى عمال سوريين بؤساء، يعملون بنصف أجور زملائهم الأتراك، كما لو كانوا السبب وراء ارتفاع نسبة البطالة. ويتحول مبلغ الإعانة الشهرية (120 ليرة = 25 دولار) التي يمولها الاتحاد الأوروبي للشريحة الأفقر من اللاجئين السوريين إلى "رواتب تقدمها الحكومة إلى اللاجئين السوريين" في وسائل التواصل الاجتماعي. لكن أكثر ما يثير الحنق ليس هذا ولا ذاك، بل "استمتاع الشبان السوريين بالسباحة على الشواطئ" أو جلوسهم في المقاهي وتدخين النارجيلة... إلخ من صور الظهور في المجال العام. أي أنه لا مشكلة مع اللاجئين السوريين ما داموا غير مرئيين. أما إذا ظهروا في المقاهي والمطاعم ومراكز التسوق، "مثلهم مثل الأتراك" فهذه هي الطامة الكبرى. فـ"هم" ليسوا مثلـ"نا" ولا يمكن أن يكونوا!