علاء موسى وأشباهه وأسياده

2022.01.22 | 04:53 دمشق

b852c971889c28609027e35a44340ca0ca9529e9.jpg
+A
حجم الخط
-A

سارع نظام الأسد مباشرة إلى مناصرة الطبيب المجرم علاء موسى الذي يحاكم في ألمانيا بتهم قد تصل إلى الحكم عليه بالمؤبد نتيجة ارتكابه لجرائم تعذيب السجناء والجرحى في أثناء خدمته في المشافي العسكرية، وكذلك جرائم تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية، وتأتي هذه النجدة السريعة لهذا المجرم كونه يمثل الوجه الأسود للعاملين بالحقل الإنساني، وبمهن تعتبر نبيلة تحولت على أيدي هؤلاء إلى مسالخ بشرية، وهؤلاء ساندوا بشكل كبير مجرمين آخرين لإخفاء جرائمهم والأدلة التي تدينهم.

أمثال هؤلاء منهم من يجد في حاضنة النظام مكاناً آمناً حتى اللحظة، وآخرون ظنوا أنهم إن تحولوا إلى لاجئين إنسانيين سيهربون من الملاحقة

قرار الاتهام الذي وجهته المحكمة الألمانية أشار إلى 18 تهمة إلى الطبيب موسى، وتم تمديد إيقافه مرتين من قبل الادعاء الألماني ليكون السوري الثاني الذي تلاحقه القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، وأمثال هؤلاء منهم من يجد في حاضنة النظام مكاناً آمناً حتى اللحظة، وآخرون ظنوا أنهم إن تحولوا إلى لاجئين إنسانيين سيهربون من الملاحقة، وربما تنجيهم أيضاً وجهات النظر المتعددة حول إرادتهم في ارتكاب الجرائم أو أنهم مجبرون بحكم مناصبهم وطبيعة عملهم، وضغط النظام الأمني على أسرهم، والجدل المثار حول المنشقين منهم حتى بين المعارضين للنظام، وأن بعضاً منهم يمكن أن تنجيه مواقفه من الثورة وأنصارها وفق نظرية (الثورة تجب ما قبلها).

محاكمة الطبيب المجرم يجب أن تكون خطوة أولى ليتسنى للصامتين الوقت للإفراج عما يعرفونه أو حصل معهم، واقتناع زملاء لهم بأن الحقيقة هي طريق العدل، وانتزاع الخوف من قلوبهم يساهم في إنصاف من ماتوا غدراً بأيدي هؤلاء، وكذلك جرس إنذار لمن اعتقدوا أنهم نجوا من الحساب ويستمرون في جرائمهم حتى اللحظة حتى لو كانت تغطية لجرائم أكبر بطلب من مشغليهم ورؤسائهم، وهنا استذكر حديثاً لأحد المجندين عن عمليات تجميع الأوصال في مشفى تشرين العسكري نقله أحد أقربائه حيث يتم جمع الجثث بطريقة بدائية وسط قهقهات الأطباء والضباط، فربما تكون القدم لشخص والرأس لشخص آخر، واليد لشاب والرأس لعجوز تم قتله بوحشية، وهكذا تم تسليم جثث مجمعة من أكثر من شخص لتدفن تحت اسم واحد، ولهذا السبب كان يمنع ذوي الشهيد من فتح الجثمان، والبعض تسلّم إشعار وفاة دون جسد.

ما تم تناقله من تصريحات الطبيب المجرم عن الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاربون الدولة والمجتمع توضح بالضبط أي مفاهيم يتم زرعها في عقول هؤلاء

من بين هؤلاء الأطباء المجرمين من يفاخر بصورته اليوم كطبيب ناجح ويحضر مؤتمرات علمية في عواصم أوروبية تعلن عداءها للنظام، وكذلك عربية تمد أصابع التطبيع معه... هؤلاء قد لا يكونون -ممن أدخل مشرطه في جسد مواطن بريء، أو اشتغل قصاباً عند عصابات بيع الأعضاء البشرية التي انتشرت في أثناء الثورة  السلمية وبعدها، وعمل مع الميليشيات التي قتلت السوريين- ولكنه كان شاهداً صامتاً فقط، ومتفرجاً دون أن ينبس بحرف، هؤلاء عليهم أن يفرجوا عما يعرفون من معلومات قد تكون مقدمة للعدل الذي سيساهم فيما بعد بلملة جراح السوريين، وكتابة عقد جديد للمصالحة السليمة التي توئد أي فتنة أو ثأر قادمين.

ما تم تناقله من تصريحات الطبيب المجرم عن الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاربون الدولة والمجتمع توضح بالضبط أي مفاهيم يتم زرعها في عقول هؤلاء، وأي منهج تعاملوا فيه مع المتظاهرين ثم مع من تم أسرهم أو اعتقالهم مما ينضوون تحت تلك المسميات، وهؤلاء قد يكونون أي سوري وقع بين أيديهم لأنه ينتمي إلى طائفة ما أو فكر مختلف أو أنه ربما يفكر في الخروج عن سلطة الأمر الواقع.

لا تتوقف التقارير الصادمة عن الصدور من جهات محلية ودولية عن هول الفاجعة السورية، ولكن الحقيقة أكبر من أن توصف بتقارير أو تحقيقات لجان عن بعد، فشهود الجريمة والمجرمين ما يزالون على قيد الحياة، وكذلك من أصدر الأوامر لهم من سلطة محلية أو محتلة، وكذلك ما زال الخوف يحبس ما بدواخل أهالي الضحايا الذين لم تقيض لهم مساحة للكلام أو الأمان، وممن لم تصل لهم بعد المنظمات الإنسانية أو وسائل الإعلام المحترفة المحايدة، والألم الأشد هو ما تعانيه الأرواح المظلومة والأعضاء المبتورة في أماكنها الغريبة.

التقصير الكبير حول هذا الملف تتحمله وسائل إعلام المعارضة ومؤسساتها المختلفة التي تتنازعها الولاءات والتمويلات والسذاجة، وأما الائتلاف وسواه من القيادات السياسية التي تتقافز لالتقاط الصور في المؤتمرات والفنادق فهذه عليها ما عليها من إثم ومساهمة غير مباشرة في ضياع الحقوق، وفقدت كل الثقة التي كانت مبذولة لها من السوريين الذي يئنون اليوم من البرد والإقصاء واليأس.