icon
التغطية الحية

عقل بوتين.. من هو ألكسندر دوغين المعادي للثورة السورية والمعجب بولاية الفقيه؟

2022.08.22 | 16:57 دمشق

الفيلسوف الروسي المتطرف ألكسندر غودين (رويترز)
الفيلسوف الروسي المتطرف ألكسندر دوغين (رويترز)
إسطنبول - ريان أبو ليلى
+A
حجم الخط
-A

نجا ألكسندر دوغين من محاولة اغتيال، يوم السبت الفائت (21 آب 2022)، كان هو المقصود بها أغلب الظن، لكنّ ابنته قضت نحبها عوضاً عنه.

في الفيديو المتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يقف الرجل ذو الستين عاماً قابضاً على رأسه، وسط دوي صفارات الإسعاف وسيارات الإطفاء والنجدة، التي هرعت إلى إحدى الطرق السريعة في العاصمة الروسية موسكو، حيث انفجرت السيارة.

الرجل الذي يوصف بأنه "عقل بوتين"، يقبض على رأسه مصدوماً ومفجوعاً، قفي لحظة الكارثة الشخصية هذه فقط، يجرّب دوغين شيئاً من الجحيم الذي يشتعل في رؤوس الناس التي رأت مقتل أبنائها بأم أعينها، بسبب حروب بوتين على مدار عقدين كاملين، بدءاً من الشيشان، مروراً بسوريا، وأخيراً أوكرانيا.

يلقي هذا التقرير نظرة على أفكار ألكسندر دوغين، المعروف بعدائه للثورة السورية، وإعجابه الشديد بولاية الفقيه، فضلاً عن مقته لأفكار الحريات وحقوق الإنسان، والتي أثّرت بشكل صميم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورسمت الطريق التي تسلكها السياسة الروسية.

حارس الهوية الروسية

وُلد دوغين في عائلة سوفييتية، لأمٍ طبيبة، ووالد يعمل ضابطاً في دائرة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة بالاتحاد السوفييتي "كي جي بي"، وبدأ حياته الدراسية في معهد موسكو للطيران، قبل أن يطرد منه لحمله أفكاراً مناهضة للسوفييت والإلحاد، ثم تحول إلى دراسة الفلسفة ونال شهادة الدكتوراه فيها، وتبعها بدكتوراه ثانية في العلوم السياسية.

نشط في السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفييتي ضد النظام القائم والسلطوية، ثم شارك في الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت أوّل رئيس للاتحاد الروسي، بوريس يلتسن.

وبقي على حاله هذه، معارضاً ومناوئاً لكل أنظمة الحكم حتى وصول بوتين إلى الكرملين،عام 2000، ليتضح أن رجل روسيا الجديد متأثر بأفكار دوغين المتطرفة حول القومية الروسية، وتمجيد التقاليد ومعاداة الحداثة.

حقوق الإنسان لا تناسب جميع الثقافات

لمع نجم دوغين، عام 1997، حين نشر كتابه "الأوراسية الجديدة وأسس الجغرافية السياسية"، ليصبح مقرراً إلزامياً لطلبة أكاديمية هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، والذي دعا فيه إلى قيام إمبراطورية روسية جديدة تمتد من فلاديفوستوك في أقصى الشرق الروسي إلى جبل طارق في أقصى غرب أوروبا.

تأثر بوتين ودوائر القرار في روسيا بهذا الكتاب، إلى درجة دفعت علماء السياسية في الغرب إلى تسميته بالـ"مانفيستو" (بيان سياسي ثوري)، والذي يشي بالاتجاه الذي تسلكه السياسة الروسية.

خلاصة نظريته تقوم على فكرة "استثنائية روسيا"، ودورها في بناء عالم على أسس أخلاقية جديدة، متعدد الأقطاب ويحترم اختلاف الثقافات بين الشعوب، يدعوه "أوراسيا"، وبناءً على هذا المعيار يعتبر دوغين أفكار الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، مجرد قيم غربية لا تتوافق مع ثقافات وقيم شعوب جميع دول العالم.

الجذور النازية والفاشية لأفكار دوغين

تسمّى أفكار دوغين هذه بـ"النظرية السياسية الرابعة"، وجاءت كبديل عن النظريات السياسية السابقة التي سادت في القرن العشرين: الشيوعية – الفاشية – والليبرالية، وتتبنى غالبية النخبة الحاكمة في روسيا نظرية دوغين الجديدة، وهو ما يفسر السعي الروسي للتمدد، إذ يرى دوغين أن التاريخ يدور حول الصراع على امتلاك النفوذ البحري والقاري، وهي رؤية تفسر العالم على أسس جغرافية وسياسية تدعى "الجيوسياسية".

وفي الحقيقة، لدوغين علاقات فكرية ملتبسة بالنازية والفاشية غالباً ما كانت متسترة بغطاء معاداة الهيمنة الغربية، فالرجل ترجم 13 كتاباً للفيلسوف مارتن هايدغر ذي العلاقة الغامضة بالحزب النازي، والذي لم يتراجع عن انتماءاته بشكل واضح وصريح حتى سقوط هتلر ونهاية الحرب. كذلك ترجم كتابات للفيلسوف الإيطالي جوليوس إيفولا، صاحب التأثير الكبير في حركات الفاشية والنازية في عشرينيات وثلاثينيات القرن 20.

دوغين نفسه يطرح بديلاً عن "العولمة" ويسمّيه "التعددية الكونية"، وفي الحقيقة إن المصطلح من صياغة المفكر النازي كارل شميت، والذي يقوم على افتراض وجود قوى خارجية تهدد روح الأمة وتقاليدها، ما يفرض ضرورة بناء قوة عسكرية لمجابهة هذا الاعتداء، بحسب الباحث العراقي عصام خفاجي.

الثورة السورية "مؤامرة".. وإيران: معقل مكافحة الشيطان

يعتبر دوغين أن التدخل الروسي في سوريا مفيد لمشروع "أوراسيا"، ولمجرد أن المعارضة السورية قد تكون حصلت على دعم من قوى غربية في فترة ما من الثورة، يرى أنه من واجب روسيا القتال إلى جانب النظام السوري، معتبراً الثورة السورية مجرد "مؤامرة" أميركية.

أفكار دوغين كررتها وسائل إعلام النظام على مدار سنوات طويلة، أبرزها أن انهيار سوريا (نظام بشار الأسد) سيؤدي إلى موجة انهيارات في المنطقة، لينتشر تنظيم "داعش"، ويصل إلى حدود روسيا، فضلاً عن هجرة ملايين الناس إلى أوروبا وتأثيرهم على السياسة فيها، ما سيعود بالضرر على "أوراسيا" المتخيلة في ذهن الرجل.

في الوقت نفسه، يرى دوغين أن التحالف بين إيران وروسيا لا غنى عنه من أجل إقامة "أوراسيا"، وأن الإيرانيين لا يمكن أن يكونوا إرهابيين، بحسب تعبيره.

وحين زار مدينة قم الإيرانية، عام 2016، اختصر لقاءاته مع المتطرفين الشيعة (الممثلين لسطوة ولاية الفقيه)، على الرغم من تنوع التيارات الشيعية في المدينة، وقال "إنني سعيد جداً لأنني أتيت إلى المعقل الرئيس لمكافحة الحداثة، فإنني وقفت حياتي لمكافحتها، لأنني اعتبر أن الحداثة تعني الشيطان".

رغم أنه يتحدث 9 لغات، يتبنّى ألكسندر دوغين مشروعاً منغلقاً على ذاته، معادياً للآخر ومتوجساً منه، ويفسّر أي حدث سياسي لا يتوافق مع رؤيته المتعصبة لروسيا على أنه مؤامرة وصناعة طابور خامس، وحلمه "الأوراسي" متعدد الأقطاب، تلعب فيه روسيا دور المحور القائد، وكأنه يستعيد مجد روسيا القيصرية بمسميات مختلفة، بل إنه لا يتوانى عن القول علانية: "نحن نريد قيصراً جديداً لروسيا".