icon
التغطية الحية

عقدة "تحرير الشام" تتفكك في جبل التركمان.. طبيعة المواجهة ومصير الخصوم (1)

2021.11.04 | 18:29 دمشق

gettyimages-1016746136.jpg
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تمكنت "هيئة تحرير الشام" خلال ثلاثة أيام فقط من تفكيك جماعة "جند الله"، التي كانت تنتشر ضمن بقعة جغرافية صغيرة، في منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، وتضم عشرات المقاتلين المهاجرين من أذربيجان وتركيا، وبعض العناصر من الجنسية السورية.

وأعلن المكتب الإعلامي في هيئة تحرير الشام، عصر يوم الخميس الماضي، عن انتهاء التوتر الحاصل في جبل التركمان، مع مجموعة من "الغلاة متورطة في قضايا أمنية وتأوي مطلوبين أمنياً".

طبيعة المواجهة مع "جند الله"

بدأت العملية الأمنية لـ "هيئة تحرير الشام" ضد جماعة "جند الله"، أو ما تعرف باسم جماعة "أبو فاطمة التركي"، بعد 10 أيام من انفجار ضرب رتلاً للجيش التركي على طريق إدلب - باب الهوى، بواسطة سيارة مفخخة، وفقاً لما أعلنت "سرايا أنصار أبي بكر الصديق"، التي تبنّت الهجوم.

بالنظر إلى الموقع الجغرافي الذي تتمركز به جماعة "جند الله"، أو مجموعة "جنود الشام" بقيادة مسلم الشيشاني، في منطقة التفاحية شمالي اللاذقية، يظهر أنه يبتعد عن الطريق الدولي حلب - اللاذقية مسافة 2 كيلومتر فقط (شمال الطريق).

خلال مداهمة "تحرير الشام" لمواقع "جند الله"، عثرت القوات المهاجمة على سيارة مفخخة مجهزة ومعدّة للتفجير، إضافة لعدد من الألغام والعبوات الناسفة، وقطعاً نقدية قيل إن تنظيم الدولة يستخدمها.

 

تتخذ عدة جماعات جهادية، منها جنود الشام، و"جند الله"، من منطقة التفاحية وما حولها معقلاً لها، بما يشبه إدارة مستقلة، بعيداً عن هيمنة "هيئة تحرير الشام" وجهازها الأمني، أو إدارتها العسكرية المتمثلة بغرفة عمليات "الفتح المبين".

تعتقد "تحرير الشام" أن تلك البقعة أصبحت ملاذاً آمناً للمتوارين عن الأنظار، خاصة عناصر تنظيم "حراس الدين"، والمجموعات المتهمة باستهداف أرتال الجيش التركي، وسرقة سيارات الفصائل، أو مداهمة مقراتها.

باتت "تحرير الشام" في موقف محرج بعد تصاعد الهجمات على الجيش التركي في إدلب، وأصبحت سرديتها وتفاخرها بقوة جهازها الأمني محل شك، لذلك حسمت قرارها بتفكيك ما يشبه الإدارة المستقلة في التفاحية، علماً أن للمنطقة حساسية عالية، لقربها من الحدود مع تركيا، وفي الوقت نفسه، قربها من خطوط التماس مع نظام الأسد في ريف اللاذقية.

ومن جملة المكاسب التي سعت الهيئة لتحقيقها، ضمان الإشراف والسيطرة على كامل أجزاء طريق حلب - اللاذقية المارّ من مناطق سيطرتها، وضمان عدم تنفيذ هجمات على الآليات التي تسيّر عليه، خاصة أن روسيا كررت مطالبها خلال شهري آب/أغسطس، وأيلول/سبتمبر الماضيين، بإنشاء الممر الأمني على طرفي طريق M4، وفقاً لما ينص عليه بروتوكول آذار 2020، الموقّع بين تركيا وروسيا.

ملفات شائكة بين "الهيئة" و"الجند"

بعد محطات كثيرة واقتتال مع هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة، وصلت جماعة "جند الله" إلى جبل التركمان في عام 2015، بقيادة "أبو فاطمة التركي"، وبعد مقتله خلال مواجهات مع قوات النظام، تسلّم المجموعة المدعو أبو حنيف الأذري.

قبل هجومها عسكرياً على "جند الله"، بدأت الهيئة بالتمهيد إعلامياً، وقالت مصادر مقربة منها إن مجموعة "أبو فاطمة التركي" انتقلت إلى جبل التركمان، ليكون موطئ قدم لها، حتى تكون بعيدة عن أنظار الهيئة، ولسهولة اختفاء المطلوبين والمجرمين.

تقول الهيئة إن المجموعة نفسها، قررت قبل عام ونصف مبايعة تنظيم الدولة، رغم تكفيرها له، وذلك لتحصيل الدعم المادي واللوجستي منه، إلا أن التنظيم رفض الطلب، لأنهم "تكفيريون حازميون خوارج"، حسب وصف الهيئة لهم.

ووصفت هيئة تحرير الشام، منطقة سيطرة "جند الله"، بأنها "ملاذاً آمناً للمجرمين، فجميع من عليهم قضايا أمنية ومشاكل أخلاقية، وجرائم جنائية من الغلاة وغيرهم من الفصائل، يذهب إليهم ويحتمي بهم"، موضحة أن "المنطقة هناك بؤرة للمجرمين والقتلة، وأصبح وضعهم الحالي يشكل خطراً أمنياً وعسكرياً".

 "الشيشاني" في وجه المدفع

يعود التوتر بين هيئة تحرير الشام، وجماعة "جنود الشام" بقيادة مسلم الشيشاني إلى شهر حزيران الماضي بعد أن طلبت الهيئة من الجماعة الانضمام إلى صفوفها أو مغادرة مناطق سيطرتها في محافظة إدلب خلال فترة زمنية محددة.

وقال أحد أعضاء مكتب العلاقات الإعلامية في هيئة تحرير الشام حينذاك لناشطين إن فصيل "جنود الشام" متهم بالدلائل بتشكيل "خلايا أمنية وسرقات بينها خلايا نشطت في تلعادة وكفرتخاريم"، مضيفاً أن "جنود الشام ليس له فاعلية عسكرية كما يروج خصوم الهيئة"، كما لم يطلب من "الشيشاني" مغادرة المنطقة رغم أنه يستطيع الدخول إلى تركيا.

وذكرت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أن جماعة "جنود الشام" تضم قرابة 16 شيشانياً في الوقت الحالي، معظمهم تربطهم صلة قرابة بـ "مسلم الشيشاني"، والبقية من سوريا.

وأشارت المصادر إلى أن الخلاف بين هيئة تحرير الشام و"الشيشاني"، بدأ عندما اكتشفت الهيئة أن بعض عناصر "جنود الشام" شاركوا بالقتال ضد "تحرير الشام"، إلى جانب الخلايا المطلوبة لها في بلدة تلعادة بريف إدلب الشمالي.

وتؤكد أن "الشيشاني" لم يكن على دراية بقتال عناصر ينتمون له ضد تحرير الشام في تلعادة، لذلك أبدى استعداده لتسليم المطلوبين، إضافة لأشخاص آخرين يعملون معه، متهمون بقضايا سرقة في مدينة كفرتخاريم بريف إدلب الشمالي الغربي.

وبعد ذلك حاولت فصائل تعمل ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين" إقناع "مسلم الشيشاني" بضرورة التنسيق عسكرياً مع الغرفة، بالرغم من العدد القليل للمجموعة، لكن "الشيشاني" كان يقابل كل الوساطات بهذا الخصوص بالرفض.

وعن الهجوم الأخير للهيئة، على جماعة "أبو فاطمة التركي"، ذكر مصدر خاص أن هيئة تحرير الشام لم يكن أمامها خيارات سوى الصدام مع "الشيشاني"، لأن مقره الرئيسي في منطقة التفاحية، يقع على الطريق الذي كان من المقرر أن تسلكه أرتال الهيئة للوصول إلى مواقع "جند الله".

ورغم أن مسلم الشيشاني اتخذ خيار المواجهة بادئ الأمر إلا أنه مع حلول مساء اليوم الأول للمواجهات، بادر بتسليم نقاط رباطه ومقاره في جبال التركمان وخرج برفقة قرابة السبعين من جماعته من التركمان بحسب ما أفادت به مصادر من هيئة تحرير الشام.

فاعلية مجموعة "مسلم الشيشاني" ومصيرها

من أبرز المعارك التي شاركت فيها مجموعة "الشيشاني" ضد نظام الأسد، كانت في عام 2015، عندما هاجمت فصائل المعارضة مواقع نظام الأسد في برج زاهية في جبل التركمان، وسيطرت عليها، قبل أن يستعيدها النظام مرة أخرى.

وفي عام 2018 شاركت المجموعة نفسها بهجوم على مواقع النظام في منطقة عطيرة شمالي اللاذقية، ورغم قتل نحو 27 عنصراً للنظام حينذاك، إلا أن الهجوم كان بمثابة الضربة القاضية لجماعة "الشيشاني" نظراً لتكبدها عدداً كبيراً من القتلى.

فيما بعد أخبر "الشيشاني" فصائل المعارضة، أنه لم يعد باستطاعته تحمل عبء كبير من الحراسة ضد قوات النظام، لذلك قرر فتح مقر عسكري في الخطوط الخلفية بمنطقة التفاحية، مهمتها إسناد النقاط على خطوط التماس، إذا تعرضت لهجوم عسكري من جانب النظام.

وبخصوص آخر المستجدات المتعلقة بمصير "الشيشاني"، ذكر مصدر من داخل غرفة عمليات "الفتح المبين"، أنه تجري حالياً مفاوضات ومشاورات لاستلام جماعة "جنود الشام" نقطة رباط واحدة فقط، إما في الفطيرة، أو الرويحة في جبل الزاوية جنوبي إدلب، وما يشجع الشيشاني على ذلك، وجود فصيل "أنصار التوحيد" بالمنطقة، لكن المصدر ذكر أن المفاوضات لم تحسم حتى الآن، لذلك يبقى مصير المجموعة معلقاً.

 عقدة "الهيئة" تتفكك في جبل التركمان

 كانت "هيئة تحرير الشام" مغيّبة تماماً عما يحصل داخل مناطق سيطرة مجموعة "أبو فاطمة التركي" أو "جند الله" في جبل التركمان، لذلك حسمت أمرها بتفكيك المجموعة واستكشاف المنطقة التي يعتقد أنها تأوي مطلوبين لها بقضايا خطيرة.

قبل الهجوم ذكرت الهيئة، أنها دخلت قبل خمسة أشهر تقريباً بقوة إلى جبل التركمان، وبدأت بترتيب الجبهة وتجهيزها عسكرياً تحسباً لأي عمل عسكري للنظام عليها، مضيفة أن "هذه الترتيبات للهيئة في جبهة التركمان لم تعجب الجماعة التكفيرية، فقام هؤلاء التكفيريون بافتعال المشاكل ووضعهم للحواجز في الطرقات وأصبح وجودهم ضرراً على جميع الفصائل العسكرية، بالإضافة لتركهم الرباط والتدشيم على النظام المجرم، والتفاتهم للخلف والتدشيم على مقرات الفصائل ومستودعاتها، واستعدادهم لقتال المجاهدين في أول فرصة تسنح لهم".

وتُتهم مجموعة "جند الله" بقتل المهاجر "عبد الله أموت" بسبب رفضه مغادرة منزل كان يقطنه بالقرب من معسكر للمجموعة، كما أنها متهمة بمحاولة اغتيال جنديين من الجيش التركي، وقيادي في الجبهة الوطنية للتحرير، وتحديداً قائد الفرقة الساحلية الثانية.

تنتشر المجموعة في نقطة رباط واحدة، وتمنع أي فصيل آخر من الدخول إلى نقطتها، وهو ما يثير المخاوف، كون النقطة غير محصنة بشكل جيد، وليس فيها أنفاق مثل بقية نقاط الجبهة الوطنية للتحرير أو الهيئة.

وخلال الفترة الماضية لوحظ زيادة كبيرة في عدد أفراد مجموعة "جند الله"، إذ بلغ نحو 140 عنصراً، وتبين لاحقاً أن الكثير من عناصر تنظيم "حراس الدين" المطلوبين للهيئة انضموا إلى المجموعة.

وبسيطرة الهيئة على مواقع انتشار مجموعة "جند الله"، تكون قد حلّت عقدة عسكرية أمنية في آن معاً بالنسبة لها، كونها أصبحت على إطلاع كامل على طبيعة المنطقة وخباياها، فضلاً عن اعتقالها أشخاصاً متهمون بتنفيذ عمليات أمنية ضد الجيش التركي والفصائل.

ولم يعرف بشكل دقيق مصير من بقي من مجموعة "أبو فاطمة التركي"، حيث ترفض الهيئة وجودهم في إدلب، في حين أكد الناطق باسم الجيش الوطني السوري الرائد يوسف حمود، عدم وجود أي تنسيق أو تفاهمات تنص على إدخال مجموعة "أبو فاطمة التركي" أو غيرها إلى عفرين، مضيفاً لموقع تلفزيون سوريا أنه "لا صحة للمعلومات التي تشاع إعلامياً".

 

سنناقش في الجزء الثاني من التقرير، توقيت الحملة الأمنية لـ "هيئة تحرير الشام" ضد خصومها في جبل التركمان بريف اللاذقية، والتبعات العسكرية المتوقعة على محافظة إدلب.